تقارير وتحليلات
احترقت صورة "الإخوان" في المجتمعات العربية..
تقرير: انتكاسة الإخوان.. هل تعيدهم إلى العمل داخل حاضنتهم الأوروبية؟
دفعت الانتكاسة التي تعرض لها تنظيم الإخوان بعد مرحلة ما يسمى بالربيع العربي بالمنتمين إليه إلى البحث مجددا على الانتشار في العواصم الغربية لإعداد الخطط ورسم السياسات التي ستنفذ داخل هذه الدول أو الأقطار العربية. لكن أوروبا المنفتحة والمتساهلة، غيّرت مواقفها ومقارباتها تجاه جماعة الإخوان بصفة خاصة وتيارات الإسلام السياسي عموما بعد أن أدركت خطورتها وقدرتها على إلحاق الأذى بها، لتتجه بلدان القارة إلى تبني سياسات أكثر يقظة وحزما إزاءها.
كشف مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، الخميس 21 نوفمبر 2019، في تقرير نشره أن جماعة الإخوان المسلمين تعمل على الانتشار والتوسع في المجتمعات الغربية بشكل كبير، عبر تشكيل ما يسمّى بالكيانات الموازية لتكون بديلا للدولة والمجتمع بالنسبة لأفرادها، وذلك تنفيذا لوصايا مؤسسها حسن البنا إلى المنتمين للجماعة بصناعة مجتمعات موازية في الغرب والسعي للسيطرة على صناع القرار فيه.
وتضمن تقرير المرصد الحديث عن التفاصيل المتعلقة بخطة جماعة الإخوان الانتشار في المجتمعات الأوروبية، من خلال السيطرة عليها فكريا واختراق مؤسساتها الثقافية والسياسية.
فكرة إنشاء مجتمع مواز من الأفكار المركزية في رسائل حسن البنا لعناصر الجماعة، لتشكيل طبقة تتأثر بفكر التنظيم
وأشار إلى أن التنظيم يسعى إلى تدعيم حضوره في مجالات جديدة مثل البلدان الاسكندينافية التي لم يكن له فيها وجود سابق مثل السويد والنرويج والدنمارك، نظرا لتوفر المناخ المناسب الذي يشجع على النمو، بعيدا عن المضايقات الأمنية والاعتقالات والتضييق الاقتصادي، حيث تسهل ممارسة أفعاله المشبوهة.
وأدانت تقارير عديدة سعي الإخوان المسلمين للهيمنة على الكثير من المنظمات المدنية الحيوية بالسويد، عبر التسلل داخل المنظمات الهامة بالبلاد، ويرى الإخوان أن هذه الدول هي البديل الآمن لهم من الدول العربية وكذلك دول أوروبا المركزية (إنكلترا وفرنسا وألمانيا) التي زاد فيها الخناق من قبل اليمين المتطرف، الذي يسعى إلى محاصرتهم.
وقال مراقبون سياسيون، إن جماعة الإخوان والتيار السلفي “يسعيان إلى التغلغل بشكل كبير في الدول الأوروبية وغير الأوروبية”، بالاستفادة من هامش الحريات للتوجه إلى هذه الدول، إضافة إلى الأوضاع والظروف الاقتصادية الموجودة فيها.
وكان البنا قد رسم الخطوات التي يمكن للجماعة السير عليها من أجل تحقيق هذه الفكرة؛ وذلك عبر السيطرة على مناهج التعليم وإنشاء منظومة تربوية تكون تحت سيطرتها تبدأ من رياض الأطفال مرورا بالمدارس القرآنية والمعاهد التعليمية، إضافة إلى توجيه البرامج والمناهج واستقطاب المعلمين، والسيطرة على وسائل الإعلام والدعاية الأكثر تأثيرا على المجتمعات.
كما تنبني استراتيجية الإخوان في الغرب على المنهج الذي وضعه مؤسسوها، والمتمثل في بناء اقتصاد مواز، وتأسيس كيانات اقتصادية ضخمة بالدول المهمة والمؤثرة في العالم والتي تتيح السيطرة عليها على المدى البعيد دخول الجماعة مرحلة التمكين، بما يعنى وفق أدبياتها وتصورات منظريها إنهاء مظاهر نفوذ مؤسسات الدول الاقتصادية والسياسية تمهيدا للسيطرة الإخوانية الشاملة والدائمة عبر ابتلاع اقتصاد الدولة وإلحاقه باقتصاد الجماعة ومؤسساتها وشركاتها.
كيانات موازية
المتتبع لمسار نشاطات الإخوان في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية يدرك مدى ما وصل إليه الاختراق الإخواني للمؤسسات النافذة والمؤثرة، وهو ما يؤشر لما تجهز له الجماعة في مرحلة تالية مؤداها إخضاع المجتمعات الأوروبية لتصوراتها وأهدافها.
وتعد فكرة تشكيل وإنشاء مجتمع مواز من الأفكار المركزية في رسائل حسن البنا لعناصر جماعة الإخوان، وتخص في مرحلة أولى إنشاء تلك المجتمعات في الدول العربية والإسلامية، لتكون بداية لتشكيل الطبقة المتأثرة بفكر الجماعة و”تتحلى” بصفة الأستاذية.
ويحدد البنا مهمة الإخوان في “سيادة الدنيا، وإرشاد الإنسانية كلها إلى نظم الإسلام الصالحة، وتعاليمه التي لا يمكن بغيرها أن يسعد الناس”.
ويعمل الإخوان على استقطاب المهاجرين في الدول الأوروبية وإدخالهم في فكر الجماعة باعتماد شعارات لتبرير تلك الخطوات، بزعم أنها تهدف إلى حمايتهم من الدخول في نسق الحياة الغربية المختلف عن الحياة في الشرق، لذلك، استطاعت أن تخلق قدرا من التفاعل بين الجماعات الأخرى المتشابهة معها فكريا في أوروبا عبر إقامة شبكة دولية غير رسمية ومعقدة للغاية تترابط في ما بينها.
بدأت جماعة الإخوان المسلمين في التمركز في أوروبا مع أواخر الخمسينات وبداية الستينات من القرن الماضي. وعمل أعضاء التنظيم على إنشاء كيانات موازية في القارة العجوز، مستغلين رغبة المسلمين هناك في تعلم مبادئ دينهم وأماكن يلتقون فيها مع بعضهم، فيما كان أعضاء الجماعة يسعون لتوظيف المسألة لمآربهم الخاصة بنشر فكرهم المتشدد.
وذكرت الباحثة النمساوية بترا رامساور في كتابها “مستقبل الإخوان المسلمين: استراتيجيتهم السرية.. وشبكتهم العالمية”، أن “عدد فروع الإخوان المسلمين يصل إلى 79 فرعا في بلدان كثيرة في العالم”، وقالت “إن انتشار الإخوان في أوروبا بدأ في السبعينات ومن ألمانيا بالتحديد وبشكل كبير من المركز الإسلامي في ميونيخ”.
وشكّل مؤتمر ألمانيا عام 1984 نقطة الانطلاق في انتشار الكيانات الإخوانية بالخارج، لتشمل عشرات المنظمات ودور العبادة في كل من بريطانيا وبلجيكا وفرنسا وسويسرا وإيطاليا والنمسا وهولندا والنرويج وغيرها.
وتشمل القائمة الإخوانية اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، والتي تعد إحدى الفيدراليات الإسلامية، ويستمد هذا التنظيم قوته من شبكة تضم أكثر من 200 جمعية تغطي مختلف ميادين الحياة الاجتماعية، وفق النظرة الشمولية للإسلام عند الإخوان المسلمين.
وسعى الإخوان، في الهجرة الجديدة، إلى التمركز في البلدان الاسكندينافية مثل السويد والدنمارك والنرويج، مستغلة الحرية الممنوحة في النشاط الجمعياتي والتمويل السخي للأنشطة الاجتماعية، وهو ما حذرت منه تقارير إعلامية متابعة، مشددة على ضرورة الانتباه لأهم وأخطر أربع جمعيات كبرى في السويد على صلة مباشرة بالإخوان وهي “جمعية الإغاثة” و”جمعية ابن رشد التعليمية” و”جمعية الشباب السويدي المسلم” و”الرابطة الإسلامية” التي تعد مقرا للإخوان.
يمكن القول إن الوجود الإخواني في أوروبا حصيلة تخطيط وتدبير من قبل قيادات مركزية في التنظيم الدولي اختارت وجهتها بعناية منذ البداية في إطار شمولية المشروع وعالمية الدعوة، وأيضا تجهيزا لبديل أو فضاء مواز يمكن النشاط فيه أثناء الأزمات.
يمثل رمضان، العقل المدبر لطريقة عمل الإخوان على مستوى العالم، وبالتحديد في أميركا وأوروبا، إذ يعمل في الخفاء وراء أشخاص يستطيع أن يحركهم بشكل مدروس لتنفيذ مخططاته مثل يوسف ندا أو علي غالب همت أو أحمد هوبر، فيما يظل هو المتحكم من وراء الكواليس.
ويتولى الآن مسؤولية إدارة “المركز الإسلامي” في جنيف ابنه المثير للجدل هاني رمضان، الذي مُنع من مزاولة أعماله الدعوية في فرنسا وجرى ترحيله في أبريل 2017 بحكم قضائي من فرنسا إلى جنيف. وأوقف في جنيف عن التدريس، بسبب دعوته لقيم تتعارض مع الديمقراطية السويسرية. فيما يعتبر ابنه طارق رمضان، من القيادات الفكرية للجماعة في أوروبا، وقد بشّر أكثر من مرة بأن الشريعة الإسلامية تشكل المستقبل لأوروبا.
تضييق الخناق
أيقنت الكثير من الدول الأوروبية مؤخرا خطورة وأهداف جماعة الإخوان على مجتمعاتها، لذلك اتجهت إلى تضييق الخناق عليها، إذ ترى الدول الغربية أن أفكار الجماعة تعتبر الأساس الذي استندت إليه الجماعات المتطرفة والمتشددة بالإضافة إلى تاريخ الاغتيالات التي تورطت فيها الجماعة.
وفي هذا المضمار يعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أشد المناوئين لوجود تيارات الإسلام السياسي وفي القلب منه تنظيم الإخوان في فرنسا، معتبرا أنه يتحمل المسؤولية المطلقة في العمليات الإرهابية التي ضربت بلاده طيلة السنوات الأخيرة (مسرح البتاكلان، وشارلي إيبدو وحادثة نيس وغيرها من الحوادث الإرهابية، ناهيك عن مساهمته الفعالة في تنامي الفكر المتشدد لدى أبناء الجاليات المسلمة. متوعدا بالتصدي له بكل الأشكال.
ولا تقل بريطانيا توجسا من تمركز عناصر الإخوان على ترابها، فإضافة إلى سعيها الدؤوب لتصنيف تنظيمي “حمس” و”لواء الثورة” التابعين للإخوان كمنظمتين إرهابيتين، فإن الكثير من المسؤولين الرسميين عبّروا عن ضرورة اتخاذ إجراءات تحد من تمدد التنظيم وذلك بالتشديد في قواعد الإقامة ومتابعة ومراقبة الكيانات المرتبطة بالإسلاميين خاصة التنظيمات السرية.
ورغم أن ألمانيا تعد من البلدان المتسامحة إلا أنها بدأت تراجع مواقفها بعد اكتشافها أن الإخوان يمثلون حاضنة فكرية للتشدد لذلك اتجهت لتشديد المراقبة على جميع الأنشطة والتحركات والمنظمات المرتبطة بالتنظيم لإدراكها لما تشكله من خطر محدق يهدد الأمن والاستقرار في البلاد.
وبدأت الصحافة الألمانية تفتح ملفات التنظيم وتنبش في أفكاره وارتباطاته، معتبرة أن توسع الإخوان في البلاد بات أمرا مقلقا بالفعل، يتوجب الحذر منه، وهو تحذير يلتقي مع لفت انتباه بالغ الخطورة صدر عن رئيس هيئة حماية الدستور والاستخبارات الألمانية الداخلية بأن خطر “الإخوان” على ألمانيا على المدى المتوسط أكبر من خطر التنظيمات المتطرفة الأخرى مثل “داعش” و”القاعدة”. مشيراً إلى أن “الجماعات المحلية المرتبطة بالإخوان تجتذب بشكل متزايد لاجئين عرب في ألمانيا لتستخدمهم لأهدافها الخاصة، إذ يستقطبهم قادة الإخوان في البداية بزعم تلقيهم الدعم المالي، ثم تدرجهم في برامج تدريب خاصة بها، مخصصة برنامج لكل فئة من هذه الفئات بما يتماشى مع التوجهات الإخوانية”.
وفي بلدان شمال القارة الأوروبية بدأت الأجهزة الأمنية المختصة تراقب تحركات وسلوكات جماعة الإخوان المسلمين وخاصة المنظمات والمراكز المرتبطة بنشاط الإسلاميين والدول الداعمة لهم أساسا تركيا وقطر، عبر رصد متواصل لأنشطة “المركز الأوربي للإفتاء والبحوث” و”اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا”، باعتبارها فضاءات تروج لأطروحات راديكالية وواجهة لتمدد نشاط الإسلاميين.
وينظر مراقبون أوروبيون إلى تنامي الوجود الإخواني في بلدانهم، وسهولة ممارسة نشاطاتهم الدعوية، باعتباره الخطر الأول على الديمقراطية والعلمانية هناك، لأن الإخوان لا يعترفون بالعملية السياسية وقوانين الحكم في الدول الديمقراطية، مثل تداول السلطة وحرية العمل السياسي للأحزاب.
الأمر الذي يفرض على بلدان القارة بلورة استراتيجيات موحدة على المدى القريب والمتوسط للتصدي للتمدد الإخواني داخل الفضاء المشترك، لحماية الأجيال الشابة هناك من الأفكار المتطرفة.