التدخل القطري

قطر تتوسع في الصومال.. لصناعة التوتر

التسرب من باب المساعدات

مقديشو

يعتمد التوسع القطري في الصومال في المقام الأول على تغذية التوترات الدينية والقبلية والدعم المالي للمجموعات المتشددة بشكل تسعى من خلاله إلى التأثير في اللعبة السياسية في هذا البلد الذي يعاني من الحرب والفقر منذ عقود.

وتعتقد الدوحة أن تقوية علاقاتها مع إرهابيي الصومال ودعمهم بالمال والسلاح، يضمنان لها استمرار تأثيرهم في منطقة القرن الأفريقي، وبالتالي وقف الجهود الرامية للاستقرار، فضلا عن استخدام العناصر المسلحة في حماية تجارتها التي تمر عبر خليج عدن والبحر الأحمر من هجمات القراصنة.

كما تقوم سياسة دعم الدوحة لجماعات مصنفة إرهابية، على إزاحة الدول التي تعمل على تزكية الاستقرار، بحيث تظل وحدها منفردة بالهيمنة على دوائر صناعة القرار، وتتمكن من السيطرة على الثروات وفتح الأبواب على مصراعيها أمام حليفتها تركيا، كنوع من رد الجميل لها على مساندتها في مواجهة عزلتها العربية.

ورفعت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن دراسة إمكانية التنقيب عن البترول في الصومال، الستار عن دور قطر المشبوه ودوافعها من وراء دعم تنظيمات متطرفة بهدف استثمارها في تنفيذ مطامع التحالف الذي يضم أنقرة والدوحة والمتشددين، واستغلال هشاشة النظام السياسي وانفلات الأوضاع الأمنية للحصول على أكبر قدر من المكاسب عبر مساندة الإرهابيين.

وزعم أردوغان مؤخرا أن بلاده تلقت عرضا من حكومة مقديشو بالتنقيب عن البترول في مياه الصومال الإقليمية. ويمكن من خلال هذا الحديث الوقوف على أبعاد الحضور القطري المتصاعد في الصومال، ومحاولة السيطرة على مفاصل القرارات السياسية والاقتصادية، من خلال زرع موالين لها داخل دوائر صنع القرار، والاستعانة بتنظيمات متطرفة لمساعدتها في ضرب المصالح الاقتصادية لبعض الدول العربية في هذه المنطقة.

ترفض الدوحة أن يشكل أي حضور عربي آخر دورا في فرض الأمن في الصومال، لأن ذلك يقف حائلا أمام محاولتها احتكار السيطرة على المناطق الاقتصادية، مثل الموانئ ومواقع الثروات النفطية، باعتبار أن استمرار الانفلات ووقوع حوادث إرهابية في محافظات ترفض الوجود القطري يغذي وجودها كدولة تدّعي مساندة الحكومة وانتشالها من أزماتها الأمنية والاقتصادية.

وقالت أميرة محمد عبدالحليم، الخبيرة في الشؤون الأفريقية، إن قطر حرصت منذ عام 2006 على التواصل مع المتشددين وتعزيز حضورها داخل الصومال، والتأثير على التوجهات السياسية للدولة، وقدمت الدعم لاتحاد المحاكم الإسلامية وحكومة الشيخ شريف أحمد، ولعبت دورا مؤثرا في اختيار رؤساء الصومال.

وأضافت أن الدوحة دعمت المرشح الرئاسي لحركة الإصلاح الصومالية التي تعد أحد فروع جماعة الإخوان المسلمين في القرن الأفريقي، حسن شيخ محمود في انتخابات عام 2012، ونقلت أموالا لدعم الحملة الانتخابية له عن طريق مراسل ورئيس مكتب الجزيرة في مقديشيو فهد ياسين، ودعمت انتخاب الرئيس عبدالله فرماجو في فبراير 2017 لتظل متوغلة في الشؤون الداخلية للصومال.

وكشفت وثائق لموقع “ويكيليكس” أن السفيرة الأميركية السابقة في الأمم المتحدة سوزان رايس، طلبت عام 2009 من تركيا الضغط على قطر لوقف تمويل حركات إرهابية في الصومال. وتكرر الاتهام خلال اجتماع لرئيس الحكومة الانتقالية (آنذاك) شريف شيخ أحمد مع دبلوماسيين أميركيين عام 2012 بأن حكومة قطر تقدم الدعم المالي لحركة الشباب.

ورصدت واشنطن في سبتمبر الماضي جائزة مالية قدرها 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي للقبض على جهاد مصطفى، وهو مواطن أميركي من أصول كردية، أصبح أحد العناصر الخطرة في حركة الشباب الصومالية وتمت استضافته عبر قناة الجزيرة في أكثر من مناسبة والترويج لأفكاره المتطرفة.

وكشف تسجيل صوتي لمحادثة مسربة بين خليفة كايد المهندي رجل الأمن المقرب من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، ويتنكر في صورة رجل أعمال قطري، وحسن بن حمزة بن هاشم سفير الدوحة لدى الصومال، الكثير من الخفايا.

وجاء ذلك بعد أسبوع من تفجير وقع في مدينة بوصاصو في شهر مايو الماضي، وحمل اعترافا أكد صلات قطر بمنفذي العملية، وتوفيرها الأسلحة والتدريب العسكري لإرهابيين في الصومال تحركوا بأوامر من الدوحة.

اعتاد المتطرفون اختيار مواقع حيوية في الصومال لتنفيذ أعمالهم الإرهابية، وكثيرا ما تركز على استهداف محافظات يرأسها أشخاص من المعادين لسياسات قطر، كي يكون ذلك من مبررات إبعادهم عن مناصبهم وتكليف آخرين أكثر ولاء للدوحة.

وقعت بعض التفجيرات بالقرب من مدن تمثل فرصا واعدة لاستثمارات لدول منافسة، وحاولت قطر إقناع الحكومة بتحويل عقود الاستثمار إليها، بذريعة أن حضور دولة عربية أخرى بات مرفوضا.

تبرأت الدوحة من دعم تنظيمات إرهابية في الصومال، لكن ما ينفي ذلك أنها دعمت الحزب الإسلامي حتى اُتخذ قرار بحله عام 2011، وتحول بعدها إلى حركة الشباب الصومالية، أقوى التنظيمات الإرهابية في البلاد.

وبعد أن امتلكت الحركة جمعيات ومؤسسات دعوية، استمرت الدوحة في دعمها تحت غطاء إنساني من خلال جمعية قطر الخيرية، وجمعية الهلال الأحمر القطري.

وبحسب نيرمين توفيق الباحثة المتخصصة في شؤون الصومال، فإن إصرار الدوحة على أن تكون لها علاقة وثيقة بالتنظيمات المتطرفة، يرتبط بأنها تعتبر إطالة أمدها هناك مرهون باستمرار التوترات، بحيث تتمكن من الاستفادة الاقتصادية بالحصول على صفقات، أو تهديد المصالح الخليجية من موقع الصومال الجغرافي المطل على ممرات بحرية حيوية.

وقالت نيرمين توفيق إن الحضور القطري يرتبط بوجود فوضى، ولم يكن بوسع الدوحة أن يكون لها موضع قدم في الصومال دون ظهير قوي من المتطرفين لمساعدتها في الضغط على القرار السياسي.