مأساة إنسانية أضرت بالمدنيين

عام عاشر من الصراع في سوريا.. الكل خاسرون

وكالات

تدخل الحرب السورية عامها العاشر، الأحد، مخلّفة مأساة إنسانية هائلة ودمارا واسعا، فيما لم تفلح كل الجهود الدولية المبذولة في التوصل إلى تسوية سياسية للنزاع توقف معاناة المدنيين.

حين اندلعت الاحتجاجات السلمية في منتصف مارس 2011، لم يتخيل المتظاهرون أن مطالبتهم بالديمقراطية والحريات ستكون مقدمة لأكبر حروب القرن الحادي والعشرين، وأن حراكهم الذي سرعان ما واجهته قوات الأمن بالقمع سيتحول حربا مدمرة تشارك فيها أطراف عدة خصوصا مع صعود نفوذ التنظيمات الجهادية.

وبعد مرور تسع سنوات، ما زال الرئيس بشار الأسد على رأس السلطة. وباتت قواته، التي تدخّلت روسيا عسكريا لصالحها عام 2015 وتتلقى دعما إيرانيا أيضا، تسيطر على سبعين في المئة من مساحة البلاد، وتعمل على توسيع نطاق سيطرتها، وحققت آخر تقدم استراتيجي في محافظة إدلب حيث سُجلت أسوأ كارثة إنسانية منذ بدء النزاع.

وتتزامن ذكرى بدء النزاع مع إطلاق روسيا الداعمة لدمشق، وأنقرة الداعمة للفصائل المعارضة، دوريات مشتركة للمرة الأولى في إدلب، تطبيقا لاتفاق على وقف إطلاق النار دخل حيز التنفيذ الأسبوع الماضي، وأوقف هجوما واسعا لقوات النظام ضد مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا) وفصائل معارضة أخرى أقل نفوذا.

وبلغ الهجوم ذروته مع مواجهات عسكرية بين الجيشين التركي والسوري. كما تسبب بفرار نحو مليون شخص، في أكبر موجة نزوح منذ اندلاع النزاع.

وأعلنت وزارتا الدفاع التركية والروسية، الأحد، تسيير الدورية المشتركة الأولى على الطريق الدولي “أم فور” الذي يربط محافظة اللاذقية الساحلية بمدينة حلب، مرورا بإدلب.

وتظاهر نحو 200 شخص على الطريق الدولي جنوب بلدة النيرب في ريف إدلب الجنوبي رفضا لمرور عربات روسية في مناطقهم، واحتجاجا على عدم تضمن الاتفاق عودة النازحين.

وأودت الحرب بحياة 384 ألف شخص على الأقل بينهم أكثر من 116 ألف مدني، وفق حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان، وبين القتلى المدنيين أكثر من 22 ألف طفل. كما خلّفت عددا كبيرا من الجرحى والمعوقين عدا عن عشرات آلاف المعتقلين والمفقودين.

وبحسب الأمم المتحدة، نزح أكثر من ستة ملايين سوري داخل البلاد يقيم عدد كبير منهم في مخيمات عشوائية، بينما بات أكثر من 5.6 مليون سوري لاجئ في دول أخرى،لاسيما لبنان وتركيا والأردن.

من جهتها، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في بيان، الأحد، أن حوالي خمسة ملايين طفل ولدوا في سوريا منذ اندلاع النزاع قبل تسعة أعوام بالإضافة إلى مليون طفل آخر ولدوا في دول الجوار، فيما بلغت حصيلة الضحايا منهم حوالي تسعة آلاف بين قتيل وجريح.

وقالت المنظمة في بيانها إن “حوالى 4.8 مليون طفل ولدوا في سوريا منذ بداية النزاع قبل تسع سنوات ووُلد مليون طفل سوري لاجئ في دول الجوار”.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش “يدفع المدنيون الثمن الأكبر” في سوريا حيث “لم يجلب عقد من القتال إلا الدمار والفوضى”.

وفي مدينة الدانا في إدلب حيث تقيم مع عائلتها بعد محطات نزوح عدة، تقول والدة أربعة أطفال تدعى حلا إبراهيم (35 عاما) “تسع سنوات من الثورة كانت كافية لإيضاح عمق الألم الذي مرّ بنا من تهجير قسري ونزوح وقصف وشهداء”.

وتضيف النازحة من مدينة حلب التي تعمل في متابعة ملف المفقودين “فقدنا كل شيء في لحظة واحدة. تركت جامعتي وعملي ومنزلي الذي قصف ولا أعلم حتى اللحظة شيئا عنه”.

وألحقت الحرب دمارا كبيرا بالمنازل والبنى التحتية والمدارس والمستشفيات، واستنزفت الاقتصاد على وقع انخفاض قيمة الليرة مقابل الدولار بشكل غير مسبوق وارتفاع قياسي في أسعار المواد الاستهلاكية.

وترزح الفئة الأكبر من السوريين تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة، في وقت يحتاج فيه ملايين الأشخاص إلى “الدعم لإعادة بناء حياتهم وموارد رزقهم”، وكذلك “للتعامل مع التداعيات النفسية والعقلية التي نجمت عما مروا به”.

وفي مخيم للنازحين بريف إدلب الشمالي، تقول سهام عبص (50 عاما) “لم أر أصعب من هذه الأيام”، مضيفة “لماذا فعلوا بنا هذا؟ الثورة تعني أن نبقى في منازلنا لا أن نتشرّد. الطيران فوقنا وروسيا وإيران والدول كلها علينا”.

وعلى مرّ سنوات، تحوّلت سوريا إلى ساحة تتبارز على جبهاتها جيوش دولية ضخمة، فيما ذهبت هتافات صدحت بها حناجر مئات الآلاف من أبنائها المنادين بإسقاط النظام بدءا من محافظة درعا جنوبا، أدراج الرياح.

وتنشط في سوريا اليوم خمسة جيوش نظامية على الأقل، غير المجموعات المحلية أو الخارجية الموالية لهذه الجهة أو تلك. ولكل قوة دولية أهدافها ومصالحها، حيث ينتشر إيرانيون من قوات “الحرس الثوري” ومقاتلون لبنانيون وعراقيون وقوات روسية بطائراتها وعسكرييها في مناطق سيطرة قوات النظام.

وتنتشر في شمال شرق البلاد قوات أميركية في مناطق سيطرة الأكراد، الذين أنشأوا إدارة ذاتية باتت مهددة بشدة بعد شنّ تركيا ثالث هجوم عسكري على مناطقهم العام الماضي. ولا تكفّ الطائرات الحربية الإسرائيلية عن اختراق الأجواء واستهداف مواقع للجيش السوري أو للمقاتلين الإيرانيين وحزب الله، وهدفها المعلن منع الإيرانيين من ترسيخ وجودهم.

وتسيطر القوات التركية على منطقة حدودية واسعة إثر هجمات عسكرية استهدفت خصوصا المقاتلين الأكراد.