الأكثر هشاشة..

الأمن الغذائي يشكل أحد أكبر تحديات القرن الحادي والعشرين..كيف؟

الملايين من الأفارقة يواجهون خطر المجاعات

واشنطن

 تفرض قضية الأمن الغذائي في أفريقيا نفسها بقوة خلال هذه الفترة بالنظر إلى استمرار الجائحة والأزمات السياسية التي تمرّ بها أغلب دول القارة السمراء وسط تعالي الأصوات المحذرة من أن حقبة ما بعد كورونا قد تجعل من الأمن الغذائي أحد أكبر التحديات للحكومات العاجزة عن الحد من النمو الديموغرافي المتسارع.

وأثار توقف سلاسل الإمداد العالمية وإغلاق منافذ التصدير والاستيراد نتيجة الإغلاق المتكرر للحدّ من تفشي الجائحة مخاوف من انعدام الأمن الغذائي لاسيما لدى الدول محدودة الموارد والتي تعاني حروبا واضطرابات أمنية.

وكانت الأمم المتحدة حذرت من أن وباء كوفيد – 19 يهدد بالتسبب في نقص الغذاء لدى مئات الملايين من الناس حول العالم، ومعظمهم في أفريقيا، ممن يعتمدون على استيراد المواد الغذائية والتصدير لدفع تكاليفها.

وعلى وقع استشعار المخاطر المتصاعدة نظمت الدول الأفريقية خلال يومي الخامس والسادس من أبريل الجاري، في ياوندي بالكاميرون، الدورة السابعة لمنتدى أفريقيا الفلاحي بهدف أن يكون فرصة للخبراء في قطاعي الفلاحة والصناعات الغذائية لفهم أفضل لنماذج التنمية الزراعية، والمسارات نحو الفلاحة المستدامة والمرنة، والدور المتنامي لمنظمات المزارعين، وسلاسل القيمة الفلاحية، وتطوير التخصصات، والابتكار والتقنيات فضلا عن تأثير كوفيد – 19 على القطاع الفلاحي والأمن الغذائي.

وتعتبر دولة جنوب السودان الواقعة شمال أفريقيا من بين أكثر الدول التي تواجه أعلى مستويات سوء التغذية وانعدام الأمن الغذائي منذ حصولها على الاستقلال قبل 10 سنوات بسبب استمرار العنف وتداعيات وباء كورونا، وفق آخر تقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

وتبدو المؤشرات مخيفة لاسيما في أفريقيا جنوب الصحراء، التي استوردت أكثر من 40 مليون طن من الحبوب في عام 2018، فيما يحتاج أكثر من 20 مليون شخص في دول الساحل الأفريقي إلى مساعدات غذائية.

وتحذّر تقارير أممية من أن شبح المجاعة بات يخيم على نيجيريا بينما تزداد صعوبة الوصول إلى المحتاجين للمساعدات. ورغم أن الدولة تعد أكبر مصدر للنفط في أفريقيا، ومن بين كبرى القوى الاقتصادية في القارة، إلا أن أكثر من 40 في المئة من مواطنيها البالغ عددهم نحو مئتي مليون يعانون من الفقر المدقع ويحتاجون إلى مساعدات غذائية.

وتحضيرا للمنتدى كان للدول الأفريقية اجتماعات متواترة آخرها ندوة افتراضية نُظمت تحت شعار “الأمن الغذائي: أيّ سياسة فلاحية لأفريقيا الغد؟”، وفيها أقر المجتمعون بأن جائحة كورونا وضعت الأمن الغذائي أمام اختبار صعب في أعقاب اضطراب سلاسل التزويد المحلية والإقليمية والعالمية.

وشددت مفوضة الاتحاد الأفريقي للفلاحة والتنمية القروية والاقتصاد الأزرق والتنمية المستدامة، جوزيفا ليونيل ساكو، إلى أن الفلاحة تشكل محرك التحول الاجتماعي والاقتصادي للقارة الأفريقية، داعية إلى تمويلها وتسهيل نموها الشامل من خلال الابتكار، ولاسيما في ظلّ التغير المناخي.

وسلطت ساكو الضوء على النظم البيئية المتنوعة والديناميات المتاحة للقارة الأفريقية، على اعتبار أن السياسة الفلاحية لأفريقيا يجب أن تواجه مستقبلا تحديات التغذية وإثراء الأفارقة والحفاظ على الموارد للأجيال القادمة، وعلى أهمية تعزيز التجارة بين البلدان الإفريقية، لاسيما مع دخول منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية حيز التنفيذ، وتشجيع الاستثمارات والتصنيع ومضاعفتها.

وكان للمغرب الذي ترأس الدورة الحالية للمنتدى الأفريقي، مشاركة في الندوة الافتراضية حيث أكد وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات عزيز أخنوش أن الأمن الغذائي يشكل أحد أكبر تحديات القرن الحادي والعشرين.

وحذّر الوزير المغربي من أن الدول الأفريقية تجد أنفسها اليوم في سياق نمو سكاني عالمي، ستسجل أعلى معدلاته في أفريقيا، فيما تنذر التغيرات المناخية التي تطال جميع البلدان بحدوث أضرار جسيمة على مستوى الإنتاج والبيئة.

وشكلت أزمة كوفيد – 19 في المغرب، إلى جانب عامين متتاليين من الجفاف، اختبارا كبيرا للصمود الذي واجهه القطاع الفلاحي منذ سنوات. لكن المملكة المغربية تمكنت من ضمان مواصلة الأنشطة الفلاحية وكذلك أنشطة الصناعة الغذائية بتمكين العمال من الولوج إلى الحقول والوحدات، وتزويد جميع جهات البلاد بمنتجات عالية الجودة وعرض متنوع، وكذا تأمين التزاماتها في ما يتعلق بالصادرات الغذائية.


جوزيفا ليونيل ساكو: السياسة الأفريقية تواجه تحديات التغذية وإثراء الأفارقة

وسجل أخنوش أن الأمن الغذائي لا يمكن أن يدرك على نحو مؤقت إذ أنه ليس سوى نتاج لتغيير عميق وهيكلي للقطاع الفلاحي. مضيفا أن “القطاع الفلاحي في المغرب تعزز في عام 2008 من خلال مخطط المغرب الأخضر، برؤية واضحة ومندمجة تتيح تنفيذ الإصلاحات الهيكلية وتعبئة موارد مهمة”.

ويرى وزير الفلاحة والتنمية القروية بالكاميرون غابرييل مبايروبي أن تنمية اقتصاد فلاحي تنافسي قادر على ضمان الأمن الغذائي في القارة هو من يشكل تحديا كبيرا للدول الأفريقية خلال العقود المقبلة. وبعد أن سلط الضوء على الإمكانات الهائلة للقطاع الفلاحي في القارة أكد الوزير الكاميروني ضرورة تنفيذ مخططات عمل فعالة من أجل جعل الفلاحة الأفريقية ركيزة لاقتصادها.

وتواجه حكومات القارة الأفريقية التي تضم نحو 1.26 مليون نسمة تحدي التعاون فيما بينها لإنشاء خطط لمساعدة الفئات الأكثر هشاشة والتي فقد عناصرها وظائفهم جرّاء الجائحة، وذلك لكي يتمكنوا من الحصول على الطعام الكافي والآمن.

وبينما تفاقم الصراعات مع التنظيمات الجهادية تأثيرات الجائحة على جنوب القارة فإن الدول الواقعة شمالها تشكو في معظمها من اعتماد استراتيجيات قديمة لا ترتقي إلى التحديات التي يفرضها العصر، وتشكو دول أخرى من تفشي الفساد في التجارة والزراعة.

ففي تونس تستورد البلاد سنويا كميات كبيرة من الحبوب بالعملة الصعبة، في حين يتلف ما قيمته 2.5 مليون دينار (930 ألف دولار) من الحبوب لعدم تخزينها وتركها عرضة للعوامل الطبيعية دون استغلالها أو تقديمها كحوافز مشجعة لصغار الفلاحين. كما يحتكر المتنفذون الاقتصاديون منتوجات كثيرة فيما يقدم فلاحون على التخلص من منتوجاتهم بطرق عشوائية في مقابل عدم بيعها لأن الدولة لا تضع أسعارا تناسبهم.

ولا يزال الأمن الغذائي في الجزائر رهين العوامل المناخية وآليات الإنتاج القديمة وتقلبات الأسواق الدولية، الأمر الذي جعل البلد العضو في منظمة أوبك ثاني مستورد للقمح في العالم بعد مصر.

‏ويشير باحثون إلى أن وسائل التكنولوجيا وآليات المراقبة الحديثة قد تسهّل من عملية التعاون بين البلدان الأفريقية وتجعل الدول قادرة على التحكم في السلع الغذائية وعدم تركها لجشع التجار، بالإضافة إلى رصد السلع الناقصة وكيفية توفيرها وإمكانية وجود بدائل لهذه السلع غير المتوفرة، وإنهاء الاستغلال الاستعماري للدول وتدعيم الفلاح بأخذ حصة الأسد من العائدات، وهي مشاكل تفاقمت في أغلبها خلال الأزمة الصحية العالمية.