رغم المخاوف والشكوك..

كلوب هاوس.. خليط من المزح والجد والنقاش

ارشيفية

بروكسل

 يتجه مئات الآلاف من الأشخاص في العالم العربي إلى تطبيق الدردشة الصوتية سريع الانتشار، كلوب هاوس، للسخرية من سياسييهم والحديث عنهم، أو مناقشة قضايا حساسة مثل الإجهاض والتحرش الجنسي، أو النقاش والاستفسار عن أفضل المطاعم التي تقدم طبق شاورما وأرخصها خلال الأزمة الاقتصادية.

ولا ينتهي الجدل مع تنزيل أكثر من 970 ألف شخص من الشرق الأوسط للمنصة الجديدة منذ إطلاقها خارج الولايات المتحدة في يناير الماضي. حيث أتاحت مساحة للمحادثات الشخصية في ظرف تعطل فيه الاتصال المباشر بسبب الوباء. ويجمع التطبيق بين أولئك الموجودين في الوطن والكثيرين في المنفى أو في الخارج.

تؤمن المنصة مساحة للتنفيس عن الإحباط، في منطقة ترسخت فيها صراعات عنيفة وحكام مستبدون، حيث تبدو سبل التغيير القليلة قابلة للمناقشة.

وقالت ديانا مقلد، وهي صحافية لبنانية تتابع منصات التواصل الاجتماعي عن كثب، إن المنصة تعد بمثابة المقهى المفتوح الذي يخترق ما تمنعه ​​الأنظمة السياسية في المنطقة. وتسمح للمستخدمين بتبادل الآراء والأفكار في ما بينهم.

وشكل الشرق الأوسط 6.1 في المئة من 15.9 مليون عملية تنزيل عالمية للتطبيق، الذي أطلِق في الولايات المتحدة قبل سنة.

وتحتل المملكة العربية السعودية المرتبة السابعة عالميا من حيث التنزيلات التي تتطلب دعوات خاصة، مع أكثر من 660 ألف تنزيل. وهي على القائمة مباشرة بعد تايلاند وقبل إيطاليا، وفقا لشركة سينسور تاور لتحليلات تطبيقات الأجهزة المحمولة التي تتخذ من سان فرانسيسكو مقرا لها. وترجع أحد أسباب شعبيتها إلى المساحات الحرة التي تغذيها حيوية المحادثات الجماعية.

ونظم السعوديون غرفا لمناقشة قضايا سياسية محلية ساخنة شملت ولاية العهد. ودخلوا في جدل مع مصريين حول قضايا تتعلق بالممارسات الديمقراطية ومع لبنانيين وأردنيين حول علاقة المملكة بشؤونهم الداخلية.

تتناول غرف أخرى مواضيع محظورة تتراوح من الإلحاد إلى الشذوذ الجنسي. وناقشت امرأة سعودية ما إذا كان يجب السماح بالإجهاض في المملكة، مما أثار نقاشا حادا.

كما أصبحت المنصة مكانا لتبادل المعلومات، مما يمثل تحديا لوسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدول إلى حد كبير في المنطقة.

فبعد دقائق من ورود أنباء عن محاولة انقلاب في الأردن الأسبوع الماضي، تجمع الأردنيون من داخل البلاد وخارجها في غرفة لتبادل المعلومات حول التقارير المُربكة الصادرة عن الحكومة ووسائل الإعلام التي تسيطر عليها. وشاركت عائلات المعتقلين في الحملة التي تلت الحدث أخبارهم. ودافع بعض المستخدمين عن الملك عبدالله فيما تعهد أنصار الأمير حمزة بدعمه.

هذه المساحة ملكنا
دارت نقاشات لم يكن من الممكن تصورها في السابق بين أطراف من المجتمع كانوا يتجنبون أو يحجبون بعضهم البعض على وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى.

وناقش المعارضون أنصار جماعة حزب الله اللبنانية القوية. كما انتقد اللبنانيون البنوك الخاصة التي يلقون باللوم عليها في الانهيار الاقتصادي الذي تشهده بلادهم، بحضور المصرفيين في الغرفة.

في غرفة أخرى، انتقد العراقيون (وجلّهم من المنفيين) تأثير الميليشيات الدينية العديدة في بلادهم على حياتهم.

 
المنصة تؤمّن مساحة للتنفيس في منطقة ترسّخ فيها حكّام مستبدون حيث تبدو سبل التغيير القليلة قابلة للمناقشة

وسردت المديرة، وهي امرأة من مدينة النجف الشيعية، والتي تعيش في أوروبا اليوم، كيف حاولت عائلتها المحافظة تشكيلها لتصبح “مثلهم” وعارضوا إرسالها إلى الجامعات حيث يختلط الرجال والنساء. وصدّت رجلا قال إنها كانت تبالغ، وأخبرته أنه لم يعش ما مرّت به.

وواصلت تسمية شخصيات من الميليشيات الشيعية القوية وزعماء الدين، قائلة إنها شاهدت كيف يستهينون بالقواعد التي وضعوها للآخرين. وفي المحادثة الحرة، كان أنصار الميليشيات يقاطعون كثيرا، مما أثار سيلا من الشتائم من المشرفة والآخرين حتى أُجبروا على المغادرة.

وقالت عن الميليشيات “لقد سيطروا على الأرض بعضلاتهم. لكن وسائل التواصل الاجتماعي تحتاج إلى عقول. هذه المساحة ملكنا”.

من بين المئات من الغرف التي تناقش الحرب في سوريا، قرر بعض المستخدمين تهدئة الأجواء. ونظم نشطاء المعارضة مقابلة ساخرة مع شخص يؤدي شخصية الرئيس بشار الأسد.

وقد أثاروا الضحك ولكنهم ذكروا بكيفية تدمير الصراع المستمر منذ 10 سنوات للبلاد. قال أحد السوريين المنفيين للأسد المزيف “هربت منك وما زلت تتبعني إلى كلوب هاوس”.

لكن المخاوف تتزايد من إمكانية إخضاع الفضاء المفتوح بسرعة للمراقبة أو الرقابة الحكومية نفسها مثل وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى.

سياسات تثير المخاوف

قبل عشر سنوات، توافد النشطاء في احتجاجات الربيع العربي على تويتر وفيسبوك، بعد أن وفرا مساحة حرة مماثلة. ومنذ ذلك الحين، بدأت السلطات تستخدم المواقع لاستهداف المنتقدين واعتقالهم ونشر دعايتها الخاصة.

وحظرت سلطنة عُمان بالفعل تطبيق كلوب هاوس. وفي الأردن تحظره بعض شبكات الهاتف المحمول، بينما تحدث مستخدمون في الإمارات العربية المتحدة عن بعض المشاكل التي لم يتمكنوا من تفسيرها.

انتقد المعلقون المؤيدون للحكومة كلوب هاوس في البرامج التلفزيونية والصحف، واتهموا المنصة بمساعدة الإرهابيين في التخطيط لهجمات، ونشر المواد الإباحية أو تقويض الشخصيات الدينية والدولة.

أولا، استقطب كلوب هاوس المدافعين عن الحقوق والناشطين السياسيين. ثم جاء أنصار الحكومة.

وصاح أحد المشاركين في غرفة تضم معارضين لولي العهد السعودي “لقد كبرت هذه الغرفة لأن رجال سلمان هنا للدفاع عنه”.

تحولت مناقشة إطلاق سراح الناشطة السعودية في مجال حقوق المرأة لجين الهذلول إلى فوضى عندما هدد عدد من الحاضرين بفضح المتحدّثين وإبلاغ السلطات عنهم. فسرعان ما انقطعت الدردشة.

ظهرت تسجيلات على الإنترنت من محادثات على كلوب هاوس واعتُبرت مسيئة، مثل نقاش تناول كون المثلية الجنسية أصبحت مقبولة، مما أثار شكوكا ومخاوف من أن مستخدمين سعوديين موالين للحكومة يراقبون المنتقدين. وطُلب من إحدى المشاركات ترك محادثة بين اللبنانيين عندما اكتشفوا أنها إسرائيلية، ويرجع ذلك جزئيا إلى خشية بعض المستخدمين من إمكانية محاكمتهم بموجب القوانين اللبنانية التي تحظر الاختلاط بالإسرائيليين.

ويخشى البعض أن يكون عناصر الأمن في الغرف سرا.

ويستخدم معظم المشاركين في التطبيق، والذي يظل حصرا لمستخدمي الأيفون، أسماء حقيقية ويشاركون معلوماتهم أحيانا. لكن الأسماء المستعارة في تزايد.

قال علي السباعي، وهو ناشط في مجال الحقوق الرقمية وحرية التعبير، إنه دون إخفاء الهويات، يمكن أن تتحول خلافات النادي إلى عنف في الحياة الواقعية.

وذكر أن سياسات كلوب هاوس “الغامضة” تثير المخاوف أيضا. حيث تقول الشركة إنها تخزن المحادثات مؤقتا للتحقيق في الانتهاكات. ولا تذكر إلى متى أو من يراجع المحتوى العربي، مما يثير تساؤلات عن هذا الطرف الثالث، ويعرض أمن المشاركين للخطر.

قالت مقلد رئيسة تحرير موقع درج الذي يشكّل منصة إعلامية مستقلة على الإنترنت، إن فرض السلطات مراقبة على كلوب هاوس لن يكون مفاجئا. لكنها قالت إن منصة أخرى ستأتي. و”طالما لا يشعر المستخدمون بأنهم جزء من عملية صنع القرار، فسيجدون هذه المنصات”.