مجلة "فورين بوليسي"

الحروب التي لا تنتهي...شعار أُفرغ من معناه

لا تزال واشنطن تحتفظ بقوات لها في أوروبا وآسيا كإرث للنزاعات والحرب العالمية الثانية

في 2014، أرسل الرئيس الأسبق باراك أوباما قوات إلى العراق لمحاربة "داعش" بعد سيطرته على الموصل

خلال السنوات الماضية، سمع العالم عموماً والأمريكيون خصوصاً رؤساء ومرشحين رئاسيين يكررون شعار "إنهاء الحروب التي لا تنتهي". لكن استهلاك هذا الشعار بكثرة حجب معناه الحقيقي.
لا تزال واشنطن تحتفظ بقوات لها في أوروبا وآسيا كإرث للنزاعات والحرب العالمية الثانيةاستدعى هذا التكرار الزميل البارز في "مجلس العلاقات الخارجية" ستيفن كوك إلى التدقيق في معنى العبارة ودعوة الأمريكيين وصناع القرار إلى التوقف عن ترداد الشعار المبهم، أقله إلى حين تحديد أهداف وأولويات واشنطن في السياسة الخارجية.
كيف توسع الشعار
كتب كوك في أنه بعد إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن سحب قواته من أفغانستان، توالت إشادات وانتقادات تضمنت جمل "إنهاء الحروب التي لا تنتهي" أو الحروب الأبدية". أشار كوك إلى أن الأمريكيين أثبتوا مراراً أنهم لا يستطيعون إصلاح أفغانستان، لذلك، وبعدما أدرك بايدن الأمر، قرر إنهاء ما بدا فعلاً أنه حرب أبدية. لكن في السنوات الأخيرة توسعت هذه العبارة إلى ما بعد أفغانستان بكثير وأصبحت مستخدمة من قبل مجموعة من المحللين الداعين إلى تقييد العمليات العسكرية الأمريكية الخارجية. وباتت تلك العبارات تهدف إلى توصيف مروحة من الجهود الأمريكية في الشرق الأوسط. وسوريا أحد الأمثلة على ذلك.
هل التوصيف عادل؟
 . تضمنت الحملة نشر قوات في سوريا حيث أعلن داعش الرقة عاصمة لخلافته المزعومة. بقي بعض هؤلاء الجنود لفرض الضغط على بقايا داعش ومراقبة إيران والاحتفاظ ببعض النفوذ تجاه روسيا. دعمت الولايات المتحدة سقوط نظام الأسد لكن من دون تحرك عسكري أمريكي مباشر.
يضيف كوك أنه بالإمكان فتح نقاش حول صوابية أو عدم صوابية تلك الأهداف، لكنه تساءل عما إذا كان من العدل وصف الوجود العسكري الأمريكي في سوريا بأنه حرب أبدية. في السياق نفسه، تساءل كوك أيضاً عما إذا بالإمكان توصيف الحرب العالمية الثانية بأنها لا تنتهي. ففي نهاية المطاف،
فريدة من نوعها
يشدد الكاتب على أن التعريفات مهمة، وأنه من دون تعريف صارم يخبر الأمريكيين بما هو فريد ومفيد حول ما الذي يشكل "حروباً لا تنتهي"، سيكون بالإمكان تطبيق الشعار على أي مهمة عسكرية على الإطلاق. إن ذكر كلمات مثل "أبدية" و "لا نهاية" يقترح وجود جانب زمني لهذه النزاعات. ويطرح كوك الأسئلة التالية: متى تصبح الحرب حرباً لانهائية؟ بعد خمس سنوات؟ بعد عشر سنوات؟ أو أن العبارة تشير عوضاً عن ذلك إلى تدخل عسكري فشل في تحقيق أهدافه بصرف النظر عن طول فترة الحرب الزمنية؟
إذا أمكن انطباق هذه العبارات على أحد الميادين فسيكون أفغانستان حيث تخوض الولايات المتحدة حرباً هناك منذ سنة 2001 من دون أن يكون لديها الشيء الكثير لتظهره. في الوقت نفسه، تختلف الخبرة الأمريكية في تلك الدولة وبشكل كبير عن الوجود العسكري الأمريكي في دول أخرى حول العالم. بعبارة أخرى، قد تكون أفغانستان فريدة من نوعها لجهة كونها الحرب الوحيدة التي لا تنتهي.
ضرورة فهم عاملين
بما أنه لا وجود لتعريف جيد للحروب "اللانهائية" أو "الأبدية"، أصبحت المطالبات بإنهائها جملة فضفاضة يستخدمها التقدميون والمحافظون الذين يتشاركون في رغبة الخروج من الشرق الأوسط. يسهل فهم تحليلهم بالنظر إلى سجل أمريكا الحديث بتبديد مواردها في المنطقة. قد يكون أوباما وترامب والمدافعون الآخرون عن "إنهاء الحروب الأبدية" محقين وقد لا يكونون كذلك. في كلتا الحالتين، سيقوم هؤلاء بتحديد النهج الأفضل للشرق الأوسط عبر الأسلوب الخاطئ بالكامل.
يجب على السياسات التي تسعى إليها واشنطن في المنطقة أن تكون مبنية على فهم ما هو مهم والموارد التي تتمتع بها من أجل تحقيق أهدافها. لفترة من الزمن، كانت أهداف أمريكا الشرق أوسطية تأمين التدفق الحر لموارد الطاقة، ضمان الأمن الإسرائيلي، مكافحة الإرهاب والحد من انتشار السلاح النووي. وجعلت واشنطن الاحتفاظ بالهيمنة الأمريكية في خدمة هذه الأهداف. والوقت مناسب الآن، كما دوماً، لدارسة ما إذا كانت هذه الأهداف لا تزال مهمة للولايات المتحدة، ولتحديد الطريقة الفضلى لتحقيقها إذا كان الأمر كذلك.
ما لا يعنيه الحذر
يضيف كوك أن هنالك حدوداً للقوة الأمريكية وأنْ ليس لكل مشكلة حل أمريكي. لكن الحديث عن إنهاء الحروب اللانهائية لا يسمح بتصحيح المسارات أو بتقديم الفرصة كي تعود الولايات المتحدة مجدداً إلى لعب دور بناء في الشرق الأوسط. بعدما تم إنفاق تريليونات الدولارات وخسارة الأرواح وتعرض السياسات والناس للتشويه، يحتاج الأمريكيون إلى أن يكونوا حذرين في الشرق الأوسط. لكن ذلك لا يعني أن يتشبثوا بشعار أنيق. فالمخاطر عظيمة للغاية.