الحوار الوطني في الأردن يتأرجح بين المتحمسين والمشككين

الظروف اليوم مختلفة
تروج الحكومة الأردنية برئاسة بشر الخصاونة لحوار وطني مع القوى السياسية والمجتمعية في المملكة لمناقشة رزمة من الإصلاحات السياسية ومنها تعديل قانوني الانتخاب والأحزاب، لكن شكوكا كثيرة ترافق ما هو معلن، خصوصا وأن الحكومات السابقة كانت تعهدت بالقيام بهذه الخطوة بيد أن هذه التعهدات ظلت معلقة.
تقول أوساط سياسية إن الظروف اليوم مختلفة لاسيما بعد الأحداث التي ضجت بها المملكة في وقت سابق من هذا الشهر، والتي أظهرت مدى الحاجة للسير قدما في تحقيق إصلاح سياسي بات مطلبا ملحا ليس فقط من قبل القوى السياسية والحزبية في المملكة بل وأيضا من شرائح واسعة داخل المجتمع الأردني.
وتشير الأوساط إلى أن التحرك بهذا الاتجاه، مرده قناعة المرجعيات العليا في الدولة بضرورة التغيير، حيث إن الاستمرار في ذات النهج قد يولد ردود فعل لا يمكن استيعابها أو “وأدها” في مهدها، خصوصا وأن الأوضاع الاقتصادية تتجه نحو الأسوأ ولن يكون بالإمكان الاستمرار في تسكين الشارع بتغييرات شكلية، كالتعديلات الحكومية.
وسبق وأن أعلن العاهل الأرني الملك عبدالله الثاني في يناير الماضي ضرورة النظر في القوانين المنظمة للحياة السياسية. وقال الملك عبدالله في مقابلة صحافية، إنه انطلاقا من حرصه على “تعزيز المشاركة السياسية، وزيادة مشاركة الأحزاب والشباب في البرلمان، لا بد من النظر في القوانين الناظمة للحياة السياسية، كقانون الانتخاب وقانون الأحزاب وقانون الإدارة المحلية”.
وتابع “هدفنا منذ سنوات طويلة، الوصول إلى حياة حزبية برامجية راسخة، تمثل فكر الأردنيين وانتماءاتهم (…) وتعمل من أجل تحقيق تطلعاتهم، عبر إيصال صوتها وممثليها إلى قبة البرلمان”.
وجاء موقف الملك عبدالله بعد الضجة التي أحدثتها الانتخابات النيابية، التي خرجت فيها القوى الحزبية بحصيلة “صفرية”، فيما آلت المقاعد لطبقة جديدة شابة، وإن كانت من نفس الخلفية المسيطرة على المشهد البرلماني لعقود.
ويرى مراقبون أن فتح حوار وطني خطوة لا مفر منها بالنسبة للقيادة الأردنية، لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو شكل هذا الحوار وسط خشية من أن تكون الوصفة هي تشكيل لجان حكومية تتولى عملية إصلاح التشريعات الناظمة للحقوق والحياة السياسية، وهي وصفة سبق وأن ثبت عدم جدواها، كما أن الأردنيين أصبحوا يتحسسون من عبارة “تشكيل لجنة”، حيث إن النتيجة معلومة مسبقا.
وعلى إيقاع عملية التسويق الحكومي للحوار الوطني برزت دعوات بضرورة أن يكون هذا الحوار تحت رعاية ملكية لأنه الجهة الوحيدة الموثوقة، بالنسبة للشارع في تحويل التزاماتها إلى أفعال، لاسيما في ما يتعلق بوضع قانون انتخابي “ثوري” يعيد إنعاش الحياة السياسية، ويقطع مع برلمانات تحولت على مدار العقود الماضية إلى أشبه بهيئة دورها المصادقة على مشاريع السلطة التنفيذية.
ويشير متبنو هذه الدعوات إلى أن تولي القصر الإشراف المباشر على هذا الملف من شأنه أن يوصل رسالة بشأن جدية السير في الإصلاحات السياسية المعلن عنها، خصوصا وأن هناك أطرافا سياسية لا تنفك تشكك في وجود إرادة حقيقية للإصلاح.
وكان صالح العرموطي النائب عن كتلة الإصلاح التابعة لجماعة الإخوان استبعد في حديث لوكالة “الأناضول”، حدوث أي تغيير في ما يتعلق بمسألة الإصلاح السياسي وخاصة استحداث قانون انتخاب عصري جديد.
ولفت العرموطي “منذ أكثر من أربع سنوات ومسألة تعديل قانون الانتخاب مطروحة ويتم الحديث عنها من رأس الدولة، لكننا لم نشهد شيئا حقيقيا على أرض الواقع”. وأضاف “لا توجد هناك إرادة حقيقية للإصلاح السياسي، في ظل تضييق غير مسبوق على الحريات وإلغاء كل مفاهيم الديمقراطية”.
وأجريت الانتخابات النيابية في نوفمبر 2020، ضمن قانون القوائم، الذي تم إقراره في 2016، عوضا عن قانون “الصوت الواحد”، الذي لا يختلف عنه كثيرا، إذ يتيح اختيار عدد محدد من قائمة تحتوي على مجموعة من المترشحين، ويحصل على المقعد أعلى الأصوات بينهم.
ولم تتعد نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية التي جرت العام الماضي 29.9 في المئة، من إجمالي أكثر من 4.6 مليون ناخب مسجل، تنافس خلالها 1674 مرشحا ضمن 294 قائمة على 130 مقعدا، وآلت غالبية المقاعد إلى وجوه لم يسبق لها العمل البرلماني، فيما منيت القوى الحزبية وبينها جماعة الإخوان بخسارة كبيرة.