للمؤسسات الثقافية..
خسائر سوق الفن والثقافة العالمي: الأسوأ منذ 1945
بحلول آذار/ مارس الماضي، أدّى انتشار كورونا في جميع أنحاء العالم وبدرجات متفاوتة إلى إغلاق المتاحف والمراكز الثقافية والمسارح وصالات العروض والمزادات، وتأجيل الفعاليات والأنشطة الثقافية دون أن يجري تحديد موعد آخر، وبرزت جهود مكثفة لتقديم خدمات بديلة من خلال المنصات الرقمية.
فجأة اختفى الواقع اليومي للمؤسسات الثقافية، وبات عليها التفكير في بدائل افتراضية دون التأكد حتى اللحظة من جدواها. تقطعت أوصال العالم وتوقفت تقريباً حركة النقل، ويقول خبراء إن ما يحدث اليوم لقطاع الثقافة غير مسبوق منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
سببت عمليات الإغلاق آثاراً كارثية على المؤسسات والمنظمات الثقافية التي تعتمد على مبيعات التذاكر في إيراداتها، مع ما يترتب على ذلك من تداعيات على الموظفين والفنانين والمهنيين المستقلين، حيث أن قطاع الفنون من الاقتصادات الوطنية التي تتميز بنسبة عالية من العمل الحر والمياومة في كثير من الأحيان.
"
ما يحدث لقطاع الثقافة غير مسبوق منذ نهاية الحرب العالمية الثانية
"
من أمثلة ما حدث خلال الفترة الماضية (حتى 20 آذار/ مارس) بالأرقام، قيام "سيرك دو سوليل" المنتشر في سبع دول بتسريح 95% من العاملين فيه، وانخفاض سوق الفن التجاري العالمي بنسبة 5٪ في نهاية 2019 مقارنة بالعام السابق، ومن المتوقع أن ينخفض أكثر بكثير من هذه النسبة خلال الشهور القليلة المقبلة، لا سيما وأن ستة من أكبر عشر دور مزادات في العالم تقع وتعمل حصرياً في الصين.
وخسر قطاع تجارة الكتب من دور نشر مطابع ومؤسسات النقل والتصدير والبيع الجملة وبالتجزئة الملايين، ففي بريطانيا مثلاً امتنع بعض المصدرين للكتب عن تقديم الرواتب للعاملين لديهم لأنهم لم يحصلوا على تصاريح نقل وتصدير منذ مدة بسبب إقفال الحدود، فتكدست بضائع تقدر بالملايين.
وتعيش قطاعات التأمين والملكية الثقافية والمعارض وضعاً غير مسبوق؛ حيث تتخبط معظم شركات التأمين العالمية وهي تحاول التكهن بالآثار المحتملة، لا سيما فيما يتعلق بالعقود بين المعارض والعارضين التي تم تأجيلها أو إلغاؤها، خصوصاً مع تأجيل العديد من المعارض حتى العام المقبل بدلاً من إلغائها لتجنب الغرامات وإعادة المبالغ التي يدفعها العارضون.
وأعلنت معظم بلدان العالم التي تُعد الصناعة الثقافية فيها مصدراً أساسياً عن حجم خساراتها، ففي أستراليا، أعلنت شركات مسرحية كبرى عن بيع أصولها الرئيسية لتجنب الإفلاس، حيث تم إلغاء قرابة 250 ألف حدث ثقافي مع خسارة إيرادات تقدر بـ 280 مليون دولار أسترالي.
أما في إيطاليا، فما حدث في مارس/ آذار الماضي يُقارن بما حدث أثناء الحرب العالمية الثانية، فالخسارة في قطاع المتاحف الممول من الدولة يُقدَّر بـ 27 مليار يورو، أي 1.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي الوطني.
وفي الولايات المتحدة الأميركية، بدأت المؤسسات في نشر حسابات نقص الإيرادات المتوقعة وشرعت في طرد الموظفين فعلاً. "أوبرا متروبوليتان"، على سبيل المثال، والتي خسرت حتى الآن 60 مليون دولار من الإيرادات، تتوقع ارتفاع الرقم إلى مئة مليون مع تسريح العاملين فيها. وهذا واقع يسري على باقي المؤسسات. وفي غضون ذلك بدأ العاملون في المتحاف في تكوين النقابات، على الرغم من أن أوامر المباعدة الاجتماعية تمنع الاجتماعات المطلوبة لتفعيل هكذا نقابات.
أما شبابيك التذاكر العالمية في قطاع السينما التي كانت تدر أرباحاً كبيرة، فقد خسرت في بداية آذار/ مارس خمسة بلايين دولار أميركي، وتبلغ نسبة خسارة إيطاليا وحدهاً في هذا القطاع منذ مطلع الشهر الماضي ما بين 70 إلى 75 % من إجمالي دخلها، أما الصين فقد مُنيت بخسارة مهولة في إيرادات السينما، ففي الشهرين الأولين من عام 2020، انخفضت إيرادات شباك التذاكر في الصين إلى 3.9 مليون دولار أميركي، مقارنة بـ 2.148 مليار دولار أميركي في الشهرين الأولين من عام 2019.
هذه بعض الأرقام التي قد تعطي تصوراً عن أن الضربة كبيرة جداً على قطاع الثقافة في دول كان فيها هذا المجال مربحاً، وحتى اليوم لم تصدر البلدان العربية التي تأثرت فيها قطاعات مثل المتاحف والآثار والسينما بشكل كبير بيانات عن حجم الخسائر فيها.