مقتدى الصدر يسترضي إيران بالمزايدة على مصر

"مقاومة" صدرية عن بعد
شنّ رجل الدّين الشيعي العراقي مقتدى الصدر هجوما مفاجئا على مصر متهما إياها بـ”التوسل لإعلان هدنة” في المواجهة بين القوات الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية.
وبدا زعيم التيار الصدري من خلال هجومه الذي وصفته جهات سياسية عراقية ومصرية بـ”المجاني” بصدد محاولة ركوب موجة التعاطف مع الفلسطينيين وخصوصا سكّان قطاع غزّة، وذلك ضمن حملته المبكّرة استعدادا للانتخابات البرلمانية المقرّرة في العراق لشهر أكتوبر القادم والتي يطمح الصدر إلى تحقيق انتصار كبير فيها يتيح لتياره السيطرة على البرلمان الذي سينتج عنها ويمكّنه بالتالي من تشكيل الحكومة القادمة.
وكتب الصدر في تغريدة على موقع تويتر أن حربا “طاحنة يشنها العدو الصهيوني ضد شعبنا الفلسطيني ولا يميز فيها بين الأطفال والكهول والنساء والأماكن الخدمية وغيرها”.
وأضاف “في خضم ذلك ينبري بايدن (الرئيس الأميركي) قائلا على إسرائيل إنهاء الحرب.. وحسب فهمي فإن هذا إذن منه لاستعمال عنف أكبر”.
كما وجه هجومه نحو القاهرة قائلا “تنبري مصر إلى التوسل لإعلان هدنة.. مصر التي كنا نتوقع منها وقفة جادة وحازمة إزاء ما يحدث ضد إخوتهم في فلسطين المحتلة”.
وانتقد أيضا ما سماه “مواقف خجولة من بعض الحكام الذين أخذوا على عاتقهم الدفاع عن القضية الفلسطينية”، قائلا “لا النخوة العربية أثّرت فيهم ولا نبض الضمير الإسلامي أو الإنساني”، ومتسائلا “إلى متى هذا الخوف وقد أزال المجاهدون عنجهية العدو الصهيوني، وإلى متى المجاملة على حساب دماء الأبرياء في غزة المظلومة؟”.
وبحسب متابعين للشأن العراقي، فقد جاء خطاب رجل الدين الشيعي المعروف بمواقفه الحادّة والمتناقضة في أحيان كثيرة امتدادا لخطابه الشعبوي المعهود والذي يحتاج إليه في فترة المسير نحو الانتخابات أكثر من أي وقت مضى، بهدف إعادة تسويق نفسه لدى الشارع العراقي الذي طوّر موقفا مختلفا من الأحزاب والزعامات السياسية والدينية التي شاركت في تجربة الحكم الفاشلة القائمة في البلاد منذ ثمانية عشر عاما.
ويتقدّم التيار الصدري على غرار باقي الأحزاب الشيعية المنافسة له للانتخابات القادمة من دون برامج واضحة وحلول عملية للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والأمنية المعقّدة التي يتخبّط فيها العراق، ولذلك يجد في الأحداث الدامية الجارية في غزّة موضوعا مناسبا لمخاطبة وجدان الشارع العراقي الذي شمل بغضبه خلال الانتفاضة الأخيرة الصدر وتياره، خصوصا وأنّ الميليشيا الصدرية شاركت بشكل مباشر في قمع تلك الانتفاضة.
وناقضت انتقادات الصدر لمصر الجهود التي بذلتها الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي لتحسين العلاقات مع البلدان العربية بهدف إعادة التوازن للعلاقات الإقليمية للبلد والمختلة بشكل كبير لمصلحة إيران صاحبة النفوذ الطاغي على الساحة العراقية.
ورغم أنّ زعيم التيار الصدري يعلن دعمه لتطوير علاقات العراق مع الدول العربية، إلاّ أنّه لا يستطيع في المقابل التمادي في ذلك أبعد مما ترغب فيه طهران. ولذلك لم يخل هجومه على مصر من مغازلة للإيرانيين خصوصا وأنّ هؤلاء ينصّبون أنفسهم أوصياء على القضية الفلسطينية.
ورغم حدّة خطاب الصدر تجاه مصر وما انطوى عليه من إساءة، إلاّ أنّ تجاهل القاهرة له قلّل من أهميته وأكّد أنّ الجانب المصري يتعامل مع الجهات الرسمية العراقية ويمضي في تطوير العلاقة مع العراق في ضوء جملة من الأهداف والمصالح المشتركة.
وغير بعيد عن هذا الموقف قال وزير الخارجية المصري الأسبق محمد العرابي إن القاهرة لا تتوقف أمام انتقادات الصدر أو غيره، لأن المجتمع الدولي بانتظار ما تسفر عنه جهودها نحو التهدئة المتوقع أن تبدأ الجمعة، وأن الدور المصري يلقى هذه المرة قبولا وترحيبا من قوى عديدة ترى أنه أسهم في تسريع وقف إطلاق النار.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن مصر لا تهدف لأي مصلحة خاصة بها، وتستهدف الوصول إلى تهدئة لإدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، وأن نجاح الجهود يُفسح المجال أمام معالجة الأوضاع الصعبة التي خلفها التصعيد، بغض النظر عن تعليقات بعض الساسة الذين يدغدغون مشاعر الناس وهم في مقاعدهم.
وانخرطت مصر بشكل كبير في محاولة إنهاء التصعيد في غزّة والأراضي الفلسطينية بعد أن خلّف خسائر بشرية ومادية هائلة خصوصا في القطاع الذي يتعرّض لحملة قصف إسرائيلية عنيفة.
وتستخدم مصر في تلك الجهود علاقاتها مع إسرائيل والمقامة بموجب اتّفاق السلام الموقّع بين الجانبين منذ سنة 1978، وكذلك على العلاقات الوثيقة مع الفلسطينيين والتي لا تقتصر على السلطة بقيادة الرئيس محمود عبّاس، ولكنها تشمل أيضا حركة حماس المسيطرة على قطاع غزّة رغم ما بينها وبين القاهرة من خلافات سياسية. وفي خطوة وصفت بالاستثنائية أعلنت الرئاسة المصرية قبل أيام أنّ القاهرة ستخصص مبلغ نصف مليار دولار لجهود إعادة البناء في غزة بعد توقّف الحرب.