مع إنتشار فايروس كوفيد19..
تونس.. موتى بلا جنائز ومواطنون يحتجون في المقابر
تعددت وتكررت محاولات منع دفن جثث ضحايا “كورونا” في عديد من المناطق من الجمهورية التونسية، الشيء الذي استوجب استعمال القوة من قِبَل القوات الأمنية؛ للتمكن من مواراة جثث الموتى الثرى، وبرزت إلى السطح مشاعر غير إنسانية من بعض المتخوفين المغالين في خوفهم من العدوى.
وقد كشفت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي عن احتجاجات بين قوات الأمن وأهالي منطقة صغيرة شمال تونس، رفضوا السماح بدفن جثمان امرأة توفيت بعد إصابتها بفيروس كورونا؛ خوفًا من انتشار الوباء بين المعزين ومرافقي الجنازة، وطالب المحتجون بدفن المرأة خارج المنطقة أو حرق جثمانها.
ولم يكد الجدل الذي أُثير حول هذه الحادثة يهدأ، حتى تكررت الواقعة في مناسبات متتالية أخرى لا تقل عن الأولى فظاعةً؛ حيث تتجوَّل عائلة بجثة الميت بين ثلاث مقابر لساعات طويلة وسط احتجاجات الأهالي، فعائلات كثیرة في أكثر من منطقة من البلاد التونسية عاشت لحظات أليمة في انتظار أن يسمحوا لدفن الضحايا وَفق تعاليم الإسلام حتى في حدِّها الأدنى.
موتى دون جنائز
حالات وفاة استثنائیة، موتى دون جنائز ودون مشیعین ودون صلاة جنازة، حُملت نعوشھم في كامل الحيطة ووَفق إجراءات صارمة من طرف عمال البلدية.
عمليات دفن الموتى جراء الإصابة بفيروس كورونا
“لا أستطيع أن أنسى نظرات الاحتقار في عيون الجيران وتقصير السلطات المحلية في المنطقة، الذين رفضوا أن يرفعوا جثة والدي بعد وفاته، وقد بقي طيلة يومَين في الغرفة في انتظار إتمام إجراءات الدفن، غير عابئين بتأثير ذلك على صحتنا وإمكانية انتقال العدوى إلينا”، هكذا تحدثت غفران، ابنة المرحوم مختار، 58 سنة، المريض الذي توفِّي في مدينة سُكرة بالعاصمة إثر إصابته بفيروس كورونا، نهاية الأسبوع الماضي.
وتضيف غفران، في حديثها إلى “كيوبوست”: “لسنا مجرمين أو إرهابيين حتى يهاجمونا ويتهامسوا من ورائنا؛ هذا الوباء ابتلاء وليس الأمر بأيدينا، فنحن فقدنا عائلنا وتعبت نفسيتنا من إهانات الجيران ومَن يعرفنا”.
وتابعت غفران: “أنا وعائلتي نمر بظروف نفسیة صعبة جدًّا؛ كل الأحداث لا تغيب عن ذهني، إذ لا يكفي أننا لم نحضر جنازته ولم نودعه الوداع الأخير، فإن ما نعيشه من ضغط نفسي بسبب الإهانات والشائعات التي رافقت لحظة قدوم الوحدات الصحية والأمنية لمرافقة والدتي وشقيقتي إلى الحجر الصحي الإجباري دمَّرنا.. نحن إلى الآن في انتظار نتيجة تحلیل العینة التي أخذوھا منهما للتأكُّد من إمكانية انتقال العدوى”.
بروتوكول وزارة الصحة
مريض سُكرة لن يكون الضحية الأخيرة في سُلّم ضحايا “كورونا” في تونس، الذين بلغ عددهم في حدود 22 حالة وفاة، وإمكانية تواصل الجدل حول عملية الدفن؛ خصوصًا في المقابر وسط المدن القريبة من منازل المتساكنين، واردة، وهو ما أدى إلى تعدد الدعوات إلى تدخل وزارة الصحة لتوضيح كل التفاصيل والمعلومات الدقيقة المتعلقة بفيروس كورونا، من الوقاية إلى أخطر الاحتمالات الممكنة، وهو الوفاة.
ويبدو أن بروتوكول وزارة الصحة الذي جاء ليوضح عملية دفن ضحايا الوباء لم يكن مقنعًا للتونسيين وردعهم عن إثارة الفوضى والاحتجاج.
وجاء البروتوكول على ضرورة “وضع جثمان المتوفَّى بعد ثبوت حمله الفيروس (دون تغسيل) في كيس بلاستيكي خاص ومغلق ومعقَّم جدًّا؛ ليُنقل إلى المقبرة أين يُخصص له قبر بعمق 3 أمتار، حيث توضع الجثة ويغلق عليها بطريقة محكمة، ويُشرف على هذه العملية فنيون مختصون، مع غياب أهل الميت”.
د.ذاكر لهيذب
ويستنكر الدكتور بالمستشفى العسكري ذاكر لهيذب، حالة اللا وعي واللا إنسانية لدى فئة من المواطنين، والتي كشف عنها فيروس كورونا في تونس، موجهًا لومه في درجة ثانية إلى الأطباء والسلطات المعنية، واتهامهم بالتقصير في التعامل مع المسألة.
ويؤكد لهيذب، في تدوينة له عبر صفحته على “فيسبوك”، أن الفيروس يعيش في الخلايا الحية، يعني عندما تموت الخلايا يتحول جسم الإنسان إلى مواد يعيش فيها الفيروس من ثلاث إلى 72 ساعة؛ مثل التراب والبلاستيك والقماش، مضيفًا أن الإنسان عند الوفاة يتوقف التنفس، وبالتالي فإن الفيروس لا يخرج من قصباته الهوائية، وتبقى الجثة قادرةً على إخراج الفيروس في السوائل؛ لكن لمدة قصيرة.
وشدَّد الدكتور بالمستشفى العسكري على أن المتوفَّى “مكفَّن” ومغلَّف في كيس بلاستيكي داخل تابوت؛ وهو ما يعني أنه من المستحيل أن ينبعث منه أي فيروس.
موقف الشرع
اكتفى مفتي الديار التونسية الشيخ عثمان بطيخ، ببيان له أكد فيه أن “الظروف التي تتم فيها عملية الدفن استثنائية؛ للوقاية من انتشار العدوى، عملًا بقوله تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)”.
وأضاف بطيخ: “ما دام هناك خطر من انتقال العدوى، فإنه يزول الحرج، ويجب عدم تغسيل الميت، ويمكن الاكتفاء بفرد واحد للقيام بصلاة الجنازة، ويتم اعتماد طريقة خاصة في تكفينه؛ وذلك بتعقيم المتوفَّى، وتعقيم التابوت الذي سيوضع فيه، ويُدفن في مكان خاص في مقابر المسلمين، ويمكن أن يحضر الجنازة فرد أو فردان من أفراد العائلة مع اتخاذ مسافة الأمان”.
من جانبها، أصدرت جامعة الشريعة في تونس فتوى بمقاسات خاصة؛ لقطع الطريق على دعوات حرق الموتى أو الضغط لتغليب البُعد الصحي على البُعد الديني.
وأصدرت مجموعة من أساتذة الشريعة بيانًا شددت فيه على أن “الدفن يكون في مقابر المسلمين، ولا يسوّغ لأحد الاعتراض على ذلك؛ خصوصًا أن الإشراف على الدفن تتولاه الجهات المختصة”، وهذا إجابة مباشرة على مطالبات بدفن المرأة المتوفاة بـ”كورونا” خارج المدينة.
وأضافت المجموعة أن “الميت الذي تُوفِّي بوباء كورونا (يمكن أن) يُدْرَج في أكياس معدَّة لذلك جرى استعمالها في المستشفيات، وفائدتها أنها تمنع العدوى بسبب خروج إفرازات من الميّت تكون مُحمَّلة بالفيروسات”.