الوشم في الضفة الغربية..
فلسطين: الفراشات للفتيات والأفاعي للشباب
في داخل محلّه بالبلدة القديمة بالقدس المحتلة يستعدّ فنان الوشم الفلسطيني، يعقوب أبو شمسية، لوشم جمجمة على ذراع أحد زبائنه، وخرم أذنه اليسرى، في ظاهرة باتت تزدهر بين الشباب الفلسطينيين، والتي ترفضها العادات والتقاليد الاجتماعية؛ إذ لا تنظر إلى الوشم والخرم نظرة ارتياح، ليكون مطية للتمرد على هذه العادات وبداية لثورة على الذات، لتجلب معها تغييرات في صفوف الشباب، تأثراً ببعض الفنانين والرياضيين، متجاهلين الآثار الصحية الخطيرة المترتبة عليها.
مراكز الوشم والخرم لا تكترث بالأمراض التي قد يحدثها الوشم والخرم، في ظلّ غياب الرقابة على هذه المراكز
ويضيف أبو شمسية (٣١ عاماً): "احترفت مهنة الوشم منذ 12 عاماً على يد أحد الرسامين الأمريكيين، بعد حصولي على منحة دراسية في جامعة الينوى في شيكاغو، غامرت بمستقبلي وتركت تعليمي الجامعي، متحدياً رفض عائلتي لهذه المهنة، والتي ترى أنّ هذا الفنّ من الفنون الشاذة والمرفوضة اجتماعياً، فدفعني شغفي وحبّي للوشم والخرم إلى مواصلة عملي ليكون مصدر رزقي ودخلي الوحيد".
وعرفت البشرية الوشم منذ قرابة 3000 عام قبل الميلاد، فهو ممارسة قديمة، وظهرت أجساد عليها أكثر من 50 وشماً، ويعتقد أنّ الإنسان الأول استخدمها للإشارة إلى عقيدته الدينية أو القومية أو إخافة الكائنات الأخرى.
الشباب الموشومون هم أكثر عرضة إلى أنماط سلوكية خطرة
وتؤكد دراسة من جامعة "روتشيستر" في نيويورك؛ أنّ الشباب الموشومين هم أكثر عرضة إلى أنماط سلوكية خطرة؛ كالتدخين، وتعاطي المخدرات والكحول، والعلاقات الجنسية الملوثة، والممارسات التي تنمّ عن تصرفات طائشة، وغالبهم لا يشعرون بقيمة الحياة، كما ارتبطت أسباب الوشم عند البعض باضطرابات سلوكية ونفسية لديهم؛ حيث وجد أنّ أغلبهم مصابون باضطرابات نفسية وانحرافات سلوكية.
إقبال شديد
ولفت أبو شمسية، أثناء حديثه لـ "حفريات"، إلى أنّ "فكرة الوشم أو "التاتو" تقوم على استخدام آلة كهربائية تتكون من قضيب ومتصل بوحدة تذبذب، ويتمّ من خلالها إدخال الحقنة إلى داخل الجلد لوضع الحبر وتشكيل الرسومات، وهي عملية تتطلب دقة متناهية، ومهارة كبيرة من قبل الواشم، ويستغرق رسم الشكل الواحد ما يقارب من ساعة إلى ثلاث ساعات".
وتابع: "هناك إقبال شديد من قبل الشباب، وتحديداً الإناث والسيدات، اللواتي تتراوح أعمارهن بين 19 و50 عاماً، على دق الوشم والخرم في أجزاء مختلفة من أجسادهن، وتحديداً على منطقة الكتف والقدم وراحة اليد، وذلك لتأثرهن ببعض الفنانات والممثلات العربيات والعالميات، للتماشي مع الحداثة والموضة"، مشيراً إلى أنّ "وشم الحاجبين للفتيات والنساء يشكل أكثر من 80% من عمله، يليه الكتف والصدر والبطن، ويرجع ذلك لتقليد بعض الفنانات، ولأنّه أسهل من وضع مستحضرات التجميل، التي تزول مع الوقت".
وبيّن أنّ "الفتيات يفضّلن عدة أشكال للوشم، التي تعبّر عن الحب؛ كرسم الفراشات والقلب والعيون والورود، أما الشباب فيفضّلون الرسومات التي تعبّر عن القوة والصلابة، كالأفاعي والأسود والنمور والعقارب، وكذلك الجماجم، وهناك من يعبّر عن حبّه لعشيقته فيقوم بكتابة اسمها على صدره أو ساعده".
وأوضح أبو شمسية: "الخرم، على غرار الوشم، يتمّ في أماكن محددة من الجسم؛ في منطقة السرة، والحاجب، والأذنين، وأسفل الشفة، أما الشباب فيقتصر على خرم إحدى الأذنين أو الحاجبين، مبيناً أنّ "سعر الوشم يبدأ من 85 دولاراً أمريكياً ويصل إلى ٢٠٠٠ دولار أمريكي، بحسب حجم الوشم وطبيعته، أما الخرم فيصل ثمن الثقب الواحد على الجسم 10 دولارات أمريكية فقط".
تجربة جميلة
وترى ريماس (23 عاماً)، التي اختارت وشم وردة صغيرة على راحة يدها، في حديثها لـ "حفريات"؛ أنّ "الوشم والخرم تجربة وظاهرة جميلة؛ ورغم رفض عائلتي والمجتمع لهذا الفن، والنظرة إليه بدونية شديدة، وهي حرية شخصية لإضفاء بعض الجمال على مظهري، رغم تعاليم الدين الإسلامي التي تحرم الوشم".
وتبيّن: "في الفترة المقبلة سألجأ للقيام بخرم في حاجبي الأيسر، كنوع من التغيير ومواكبة الموضة العالمية، وإعطاء جمال وجاذبية لوجهي، وعلى العائلات الفلسطينية تقبّل هذا الفنّ، وتغيير نظرتهم السلبية تجاهه".
ويتفق نادر (32 عاماً) مع ريماس، ويرى أنّ "دقّ الوشم له فائدة كبيرة يجهلها العديد من المعارضين لهذا الفن، وهي إخفاء العيوب الخلقية، أو الناجمة عن الجروح والعمليات الجراحية، كما أنّ الوشم والخرم يجسّد سلوك الشخص وتطلعاته الداخلية، ولا يقتصر على الأشخاص الشاذين كما يعتقد كثيرون".
وقال لـ "حفريات": "الوشم لا يقتصر على الحبّ والقوة، بل يمتدّ للإعجاب والتأثر ببعض الشخصيات الوطنية والعالمية الراحلة أمثال: تشي جيفارا، وياسر عرفات، وغيرهما".
لا يقتصر على أشخاص معينين
لوحة جمالية
ويقول سائد (26 عاماً)، الذي اختار دقّ وشم أفعى على ساعده الأيمن، لـ "حفريات": "الوشم يعبّر عن رغباتي الشخصية، وليس فقط لمتابعة الموضة أو التقليد والتشبه بالآخرين، وهو يضفي نوعاً من الجمال على الشخص، رغم بعض التعليقات السلبية على هذا الفن، إلا أنني لا ألتفت مطلقاً لتلك التعليقات، ما دمت مقتنعاً بما أفعل، ولم أتسبّب بأيّ ضرر لأحد".
وأضاف: "الوشوم المنحوتة على أجسام الشباب والفتيات، هي لوحات جمالية تتعلق بذواتهم، ولا ضرورة لأن يشعروا بالندم أو الحرج منها، وعليهم أن يشعروا بالسعادة، رغم رفض المجتمع وعائلاتهم لهذا الفنّ الرائع".
وتخالف سلمى (27 عاماً) آراء الجميع، الذين تحدثوا عن إيجابية الوشم لديهم، وتقول لـ "حفريات": "الوشم والخرم هو ظاهرة دخيلة على المجتمع الفلسطيني الشرقي المحافظ، فما كنا نعهد الوشم عند بعض الشباب الذكور، لا سيما المراهقين منهم، أما الغريب ما نشهده حالياً؛ وهو انضمام الفتيات لوشم أجسادهن، في حالة بعيدة كلّ البعد عن ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا التي ما نزال نؤمن بها".
وتابعت: "الوشم والخرم لا يرتبطان بالجانب الجمالي، وهما فعل طائش يدخل تحت شكل من أشكال العصيان المجتمعي، وذلك لأنّ فيه تشويهاً للجسد ومخالفة لشرع الله، وتقليداً أعمى للغرب، لعدم إحساس فاعليه بالثقة والأمان وقيمتهم بالحياة".
الدكتور زياد أبو حميد: الوشم والخرم هو تهديد خطير لجسم الإنسان
مخاطر صحية
بدوره، يقول أخصائي الأمراض الجلدية والتجميل، الدكتور زياد أبو حميد: "الوشم والخرم هو تهديد خطير لجسم الإنسان، حيث ينجم عن حقن الجلد بالحبر، والذي يتضمَن مواد كيماوية خطيرة، قيام الخلايا المناعية التي تعرف باسم الخلايا البلعمية بابتلاع الأجسام الضارة، وبالتالي إضعاف المناعة المقاومة للفيروسات والبكتيريا بالجسم، مما يسمح للعديد منها بغزو جسم الإنسان، والتسبب بالعديد من الأمراض الجلدية وغيرها".
معارضون: الوشم والخرم لا يرتبطان بالجانب الجمال، وهما فعل طائش يدخل تحت شكل من أشكال العصيان المجتمعي
وبيّن أبو حميد، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ "الخلايا الجلدية تتجدد عند الكبار تلقائياً كلّ 45 يوماً، ولا يختفي الوشم على الإطلاق عند هذا التجديد، وذلك لاحتواء الحقن المعدنية المخصصة لعمليات الوشم على جزيئات من الكروم والنيكل، مع مادة ثاني أكسيد التيتانيوم، الموجودة في الحبر المستخدم بالوشم، مما يؤدي إلى وصوله إلى الغدد الليمفاوية عن طريق الدم، ويتسبب بالعديد من الأمراض الخطيرة بالجسم".
ولفت إلى أنّ "مراكز الوشم والخرم لا تكترث بالأمراض التي قد يحدثها الوشم والخرم، في ظلّ غياب الرقابة على هذه المراكز لمتابعة تعقيم الأدوات والمعدات المستخدمة، والتي قد تتسبّب أمراضاً خطيرة؛ كالتهاب الكبد الوبائي، والإيدز، والالتهابات الجلدية المزمنة، كسرطان الجلد والصدفية، نتيجة استخدام الإبر الملوثة في وشم أكثر من شخص واحد"، مبيناً أنّ "استخدام تقنية الليزر لإزالة الوشم غير مجدية، وتترك آثاراً جانبية كبيرة، كالبقع الداكنة، أو ما يعرف علمياً بأكسدة الخلايا".