منظمة «ذاكرات» الإسرائيلية..
تحيي اليوم وغدا الذكرى الـ 72 لمجزرة دير ياسين بفعاليات رقمية

الذكرى السنوية لمذبحة دير ياسين التي حلت أمس بطقوس افتراضية
دعت منظمة “ذاكرات” الإسرائيلية لإحياء الذكرى السنوية لمذبحة دير ياسين التي حلت أمس بطقوس افتراضية، بسبب تقييدات عدوى كورونا، وذلك من خلال جولة افتراضية على أرض القرية الفلسطينية المدمرة.
و”ذاكرات” هي جمعية حقوقية إسرائيلية تنشط منذ 2002 من أجل إطلاع الإسرائيليين على الرواية التاريخية الفلسطينية وإقناعهم بضرورة الاعتراف الرسمي بالمسؤولية عن النكبة والسماح بعودة اللاجئين لديارهم، تمهيدا لمصالحة تاريخية حقيقية بين اليهود والفلسطينيين ولإقامتهم ضمن دولة واحدة من البحر إلى النهر.
وقالت ” ذاكرات ” في بيانها أمس إنها دأبت كل عام على إحياء ذكرى مجزرة دير ياسين التي وقعت يوم شيع الفلسطينيون شهيدهم عبد القادر الحسيني في القدس المجاورة، من خلال تنظيم جولة في أنحاء القرية المهجرة، التي هدمت إسرائيل معظم منازلها وأقامت عليها حيًّا يهوديًّا اسمه “يفيه نوف”( المنظر الجميل)وامتدّت أحياء أخرى على موقعها مثل “جفعات شاؤول”، منوهة أنها هذا العام وفي ظل الخشية من عدوى كورونا، لن تتمكن من الالتقاء فعليًّا على أرض القرية وإجراء الطقس التذكاريّ هناك. لذلك، ستعقد هذه المرّة جولة في الحيّز الافتراضي (الرقمي) من خلال البرنامج الإلكتروني زوم باللغة الإنكليزية اليوم الخميس، وباللغة العبرية غدا الجمعة.
النكبة مستمرة
وكررت “ذاكرات” رؤيتها أمس بقولها إنها تؤمن بضرورة مواصلة عملها في رفع الوعي بشأن النكبة، ومن ضمن ذلك تقليدها السنويّ لإحياء ذكرى مجزرة دير ياسين التي ارتكبت في 9 أبريل/ نيسان 1948، رغم الظروف التي تحول دون إجراء الفعالية على أرض الواقع. ينبغي فتح قنوات جديدة ملائمة للوضع المستجدّ الذي فرض على البشرية كلها، لتمرير المعلومات عن جرائم النكبة، والمناداة بتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، عدالة تستند على الاعتراف بالنكبة وتصحيح المظالم وتطبيق حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
وواصلت في بيانها باللغتين العبرية والإنكليزية: “ما زالت النكبة مستمرة في هذه الأيام أيضًا حتى أنّ إسرائيل تستغل الأجواء “الكورونياليّة” لتتمادى في تنفيذ سياستها القمعيّة والعنصرية والكولونيالية تجاه الشعب الفلسطيني. لذلك، وأمام هذه السياسة، تجب المواظبة وبحزم على إجراء الفعاليات لكشف الحقائق المنكرة والغبن المسكوت عنه منذ1948 ، موضحة أنه في اللقاء الافتراضي(40 دقيقة )الذي سيتم اليوم الخميس التاسع من أبريل/ نيسان، “ستعرض عبر الشبكة صور ومعلومات، سنتحدث عن تاريخ دير ياسين، عن الهجوم عليها، عن المذبحة وعن التهجير. كما قالت إنها ستصف وضعها الحالي وتعرض جزءًا من أطلال القرية كالمنازل والمدرسة والمقبرة، وستروي أنّ إسرائيل قد حوّلت مركز قرية دير ياسين، عام 1951، إلى مستشفى للأمراض العقلية اسمه ” كفار شاؤول ” مستعملة البيوت الفلسطينية التي ما زالت قائمة هناك”.
كما دعت ” ذاكرات” الإسرائيليين لاستغلال أيام حظر التجوال من أجل التأمل واستذكار أين تقع منازلهم والسؤال عن تاريخ المكان المحيط بهم وعن سكانهم ولماذا هم ليسوا فيها الآن.
وبهذه المناسبة تطبق” ذاكرات” وحدة تعليمية رقمية تاريخية وجغرافية بعنوان ” كيف تقول نكبة بالعبرية” وفيها تدعو الطلاب لرسم خريطة المواقع التي يقطنونها والأماكن المحيطة بها. معتقدة أن الفعالية هذه قادرة على الربط بين الذكريات الشخصية وبين المعرفة العامة حيال التاريخ الفلسطيني غير المروي حول المكان وأحداثه قبيل 1948 .
وتهدف الوحدة التعليمية لإثارة تساؤلات لدى الطالب عن التاريخ المدرس والتاريخ المغيّب وعن الخرائط ومن صممّها وحول الموجود والمفقود فيها. وترى أن هذه الوحدة الرقمية تتيح للإسرائيليين التعلم عن النكبة والتفكير بعودة اللاجئين لأنه لا يوجد وقت أفضل من الوقت الراهن في ظل استشراء العدوى في العالم من أجل التأمل والتخيل والتخطيط لمستقبل مغاير جدا.
وتوفر “ذاكرات” مرشدا في موقعها لمرافقة من يرغب بالمشاركة في تعلم هذه الوحدة الاستذكارية وتوجيه الأسئلة له من خلال موقعها في الشبكة.
تأثير “ذاكرات”
يشار الى أن “ذاكرات” تنوه في المواد التعليمية سنويا أن النكبة لا تقتصر على طرد الفلسطينيين عام 1948 بل تدمير قراهم لاحقا، ومحو آثارها وطمس شواهد حياتهم فيها ومنعهم من العودة لها.
وردا على سؤال حول مدى نجاح هذه الجمعية بالتأثير على وعي الإسرائيليين يوضح مؤسس “ذاكرت”الدكتور إيتان برونشطاين أن الأجيال الإسرائيلية تنشأ وتترعرع وكأن النكبة لم تكن وعند اصطدامهم بها لاحقا يتعاملون مع المعلومات الجديدة بتشكك وعدم ثقة.
منوها أن الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين ما زالت ترفض هذه الأفكار وترى بها نسفا للقيم الصهيونية ولإسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية. ومع ذلك يعتقد برونشطاين أن مهمة منظمته واقعية رغم صورتها الراديكالية ورغم محاربتها من قبل المؤسسة الحاكمة. وأضاف” لا تنسى أن هذه هي قناعتنا السياسية وطريقنا” .
ويرى أستاذ علم الاجتماع في جامعة تل أبيب البروفيسور يهودا شنهاف أن ما يجري ينم عن محاولات متواصلة لإخفاء الخطيئة القديمة التي نشأت عليها إسرائيل أو محاولة التستر على هيكل 1948 العظمي داخل الخزانة لئلا تتم مواجهته.
ويشير الى أن السياسات الرسمية الإسرائيلية تنعكس بالتنكر للحقائق التاريخية بدلا من مواجهتها بشجاعة وتحمل المسؤولية عن نتائج الحرب. ويتابع “بدلا من ذلك تصنّع إسرائيل جهلا مقصودا لدى أبنائها اليهود حيال تاريخ الفلسطينيين وخراب عالمهم في 48.
ورغم مرور 72 عاما يعارض الجيش الإسرائيلي فتح ملف دير ياسين في أرشيفه رغم أن القانون يلزم بفتحه بعد مرور 50 عاما على الحدث.
وتروي نيطع شوشاني باحثة إسرائيلية أنتجت فيلما بعنوان ” دير ياسين قبل بضع سنوات، إن أرشيف الجيش رفض طلبها بمشاهدة ألبوم صور التقطتها عدسة مصور من ” الهغاناه” وثق المجزرة. ولفتت إلى أن الجيش يعلل رفضه بالزعم أن نشر الصور يمس بأمن الدولة وصورتها في العالم . كما توضح شوشاني أن أغلبية من شاركوا في المجزرة رفضوا أو تهربوا من التحدث في الموضوع باعتباره ” نقطة سوداء” .
وفي أبحاثه أقر أحد مؤرخي جيش الاحتلال الدكتور مئير بعيل قبيل رحيله عام 2015 في دراساته علاقة “الهغاناه” بوقوع المذبحة إلى جانب منظمات صهيونية إرهابية كالايتسل، معتبرا كل مزاعم إنكارها من قبل بعض المؤرخين ضربا من العمل السياسي المغطى بغلاف علمي.
سرقوا القمح والزيت
وأضاف بعيل “حتى اليوم لا أستطيع أن أمحو من ذاكرتي مشاهد القتل الوحشية ولا تزال محفورة بذاكرتي صورة سيدة كانت مقتولة وسط بركة من الدماء وبجوارها طفلاها والرصاص أخترق جسديهما الملقيين على أرضية البيت، كما أذكر قيام عناصر المنظمتين بإلقاء الكثير من الجثث في الآبار المنتشرة في ساحات البيوت. وأنا كيهودي أخجل مما حصل وتراودني مشاعر ندم وتدمع عيناي في كل مرة أستذكر المذبحة”.
في دراسته عن دير ياسين المبنية على مشاهدات مباشرة يقتبس شهادة نحوم أدموني الذي شارك في المجزرة. ويستذكر أدموني أنه شاهد أكوام الجثث في شوارع القرية يتعالى منها الدخان بعد حرقها. ويضيف “كما أذكر أننا سرقنا جرار القمح والزيت وليرات ذهبية من داخل المنازل مثلما أذكر أنني طلبت سيجارة من زميل لي ففتح صندوق الدخان وإذا به أذن بشرية، وما لبث أن قال انتقمت لوالدي.. فيما قام غيري بقطع آذان أخرى لأشخاص من دير ياسين لسرقة الحلي والأقراط” .
كما سبق وأكد المؤرخ الإسرائيلي البروفسور بيني موريس تورط الهغاناه بها لا منظمات إرهابية صغيرة فحسب في كتابه “ولادة مشكلة اللاجئين”.
ويشير إلى أن الهغاناة بخلاف ما تدعيه باركت احتلال دير ياسين تمهيدا لتهجيرها والقرى المجاورة.
وقالت الحاجة نفيسة عيد (90 عاما) من دير ياسين ومقيمة كلاجئة في أبو ديس اليوم في شهادتها على مسامع “القدس العربي” إنها ترفض زيارة القرية بسبب الحاجز النفسي، وتروي كيف دخل الجنود الصهاينة بيت عائلة سمور وسرقوا محتوياته وحينما اكتشفوا طفلا بالسادسة من عمره (فؤاد سمور) مختبئا داخله رموه بالنار أمام والدته.
واسترجع الحاج عبد القادر زيدان أبو حسن(89 عاما )المجزرة فقال “وقتها هب 60 ثائرا مسلحين بالبنادق والقنابل اليدوية كنت واحدا منهم للدفاع عن القرية فتبادلنا النار مع اليهود من بيت إلى بيت ومن شارع إلى شارع حتى انقسمت دير ياسين لشطرين: واحد تحت سيطرتنا فيما سقط الشطر الآخر بأيدي العصابات اليهودية. وفي الصباح بدأت تنتشر الأخبار بأن اليهود يقتلون السكان العزل بدون رحمة وتمييز. وطوال يوم الجمعة استمرت المواجهة بين الطرفين حتى الساعة الثانية بعد الظهر وذلك بعد أن نفدت ذخائر المدافعين عن دير ياسين” .
ويفيد أبو حسن أن المقاتلين الفلسطينيين في منطقة باب الواد لم يسعفوا الموقف لانشغالهم في تشييع جنازة الشهيد عبد القادر الحسيني. وأضاف “لاحقا فهمنا أن اليهود استغلوا ذلك بعد أن راحت هذه الخديعة على قيادتنا والله أعلم”.
إنكار متواصل
ومقابل كل الشهادات الفلسطينية والإسرائيلية أيضا ما زالت جهات إسرائيلية مختلة تحاول إنكار وقوعها بعد سبعة عقود ونيف على ارتكابها.
ويقول الصحافي الإسرائيلي الذي عمل محررا في صحيفة “معاريف” مناحم راهط إن كل ما كتب عن دير ياسين هو كذب وافتراء دموي. معتبرا في مقال نشره موقع القناة السابعة أمس أن هذه ” الفرية” قد عادت كيدا مرتدا على الفلسطينيين وخدمت المشروع الصهيوني.
ويشير إلى أن “الشائعات” حول المجزرة في دير ياسين ساهمت مساهمة حاسمة في ترجيح كفة المشروع الاستيطاني الصهيوني وقيام إسرائيل بعدما فرّت أعداد كبيرة من المدنيين الفلسطينيين خوفا من المحاربين اليهود، متهما القيادات الفلسطينية بتضخيم ما حصل في دير ياسين التي شهدت “مواجهات”، من أجل إقناع دول عربية بالتدخل في الحرب ضد اليهود مما أدى لنتيجة معاكسة.
وسبقه الباحث الإسرائيلي البروفسور اليعازر طاوب في كتاب صدر قبل ثلاث سنوات قال فيه إن مجرزة دير ياسين أسطورة فقط ساهمت في تضخيمها وتعميمها حركة “الايتسيل” الصهيونية التي رغبت بالمفاخرة فبالغت في عرض ما جرى وفي عدد الضحايا. وتابع في كتابه “وحاولت القيادات الفلسطينية والعربية لتسليط الضوء على دير ياسين تسويد صفحة اليهود فكانت النتيجة عكسية عليهم وإن كانت هذه” الأسطورة” موجودة في وعي العالم وتستخدم أحيانا ضد اليهود وإسرائيل”، زاعما أن ضحايا دير ياسين بأغلبيتهم الساحقة سقطوا نتيجة “قتال” انزلق في مرحلة معينة، نافيا وجود خطة مسبقة لارتكاب “مجزرة”.