الأردن مجبر على إعادة النظر في سياساته مع انحسار تأثيره في المشهد الفلسطيني

لا تخفي الأوساط الأردنية هواجسها من تراجع تأثير المملكة في ما يدور داخل الأراضي الفلسطينية، وسط تعمد البعض حصر هذا التراجع في إصرار عمان على رفض أي علاقة مع حركة حماس، وهو أمر لا يخلو من اعتبارات سياسية.

هل أخطأ الأردن بحصر رهانه على عباس

عمان

كشفت الأحداث الأخيرة التي شهدتها الساحة الفلسطينية بدءا بالتوترات في القدس وما أعقبها من جولة عنف دامية في قطاع غزة، كان لمصر اليد الطولى في احتوائها، عن تراجع في الدور الأردني الذي اقتصر على إطلاق تصريحات منددة بما يحدث، دون أن يكون له أي تأثير عملي على مستوى وقف التدهور الحاصل.

وبدا العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قد سلم مؤقتا بإمساك مصر بكامل خيوط التهدئة والملفات المتشعبة عنها، ويرى مراقبون أن هذا الموقف المنسحب يعود إلى توتر علاقة الملك برئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو، وانغماس عمان في إعادة ترتيب البيت الداخلي الذي يعاني حالة من الفوضى باتت تهدد استقرار المملكة.

وأثار هذا التراجع قلقا داخل الأوساط السياسية الأردنية لاسيما وأن الإدارة الأميركية نفسها أبدت في أوج الحرب في غزة وما تلاها اهتماما بدعم القاهرة في جهود وقف التوتر وتثبيت التهدئة، متجاهلة في ذلك الدور الأردني.

ويعد الأردن الذي يرتبط باتفاقية سلام مع إسرائيل منذ العام 1994 أحد الأطراف الفاعلة تاريخيا في المشهد الفلسطيني وترتيباته، وذلك للترابط الجغرافي والديمغرافي للمملكة مع الفلسطينيين، لكن اليوم هناك هواجس في داخل عمان من إمكانية خسارة هذه المكانة.

وتحاول بعض الأطراف الداخلية وبينها جماعة الإخوان المسلمين الإيحاء بأن هذا التراجع يعود بالأساس إلى رفض عمان أي تعاط مع حركة حماس، وتسوق هذه الأطراف إلى أن ما حصل خطأ استراتيجي على المملكة إعادة النظر فيه.

وعلى مدى السنوات الماضية حصرت عمان تعاملها في الشأن الفلسطيني على السلطة بقيادة الرئيس محمود عباس، رافضة أي تعاط مع حركة حماس، لكن اليوم هناك اتجاه يدفع نحو إعادة النظر في هذه السياسة، خصوصا في ظل حالة الضعف التي تبدو عليها السلطة الفلسطينية وظهيرها السياسي حركة فتح التي تعصف بها الانقسامات والانشقاقات.

وخلال مؤتمر صحافي مع نظيره المصري سامح شكري بالعاصمة عمان أواخر مايو الماضي، أعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي صراحة عن تواصل المملكة مع “حماس”، مشددا على أن هدف عمان هو “حماية الفلسطينيين”.

والتقط المراقبون هذه الإشارة معتبرين أن المملكة تتجه إلى إعادة صياغة علاقتها مع المكونات الفلسطينية لاسيما وأن حماس باتت اليوم لاعبا فاعلا يصعب تجاهله، غير مستبعدين في أن تتبنى طريقة التعاطي المصري مع الحركة، حيث تعالت القاهرة عن ارتباطات الحركة الإخوانية وحرصت على ضبط إيقاع العلاقة معها وفق منظور براغماتي، مكنها من تعزيز جهودها في احتكار الملف الفلسطيني على المستوى السياسي.

وأعرب حسن أبوهنية الباحث بشؤون الجماعات الإسلامية، عن اعتقاده بأن “الحرب الأخيرة فرضت واقعا جديدا، سواء في فلسطين أو المنطقة، وبالتالي لم يعد ممكنا تجاوز حركة حماس”. ولفت أبوهنية إلى أنه “كان يفترض أن يكون هناك دور أردني في الوساطة (بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية)، لكن الأردن أفقد نفسه هذا الدور، وأصبح لمصر ودول أخرى”. وشدد على أن “الأردن يحتاج الآن إلى أن يغير مرة أخرى العلاقة مع القضية الفلسطينية ومع حماس”.

وفي مقابل تحميل البعض مسؤولية تراجع دور الأردن ونفوذه إلى شبه القطيعة بينه وبين حركة حماس فإن العديد من المتابعين يرون مبالغة في هذه القراءة، وأن عوامل عديدة ساهمت في هذا الانحسار من بينها العلاقة مع إسرائيل، التي شهدت في السنوات الأخيرة مدا وجزرا، في مقابل ذلك حرصت القاهرة على تعزيز الروابط مع تل أبيب وهو ما مكنها حقيقة من لعب دور في ملف الوساطة بينها وبين حماس.

ويستشهد المتابعون بعلاقة قطر بحماس، فالدوحة ورغم احتضانها لقيادات حمساوية وضخها أموالا طائلة للحركة على مدى السنوات الماضية بيد أنها فشلت في لعب دور متقدم في الأحداث الأخيرة.

ويشير هؤلاء إلى أن تراجع التأثير الأردني في الملف الفلسطيني لا يمكن قراءته ضمن سياق منفصل، بل هو نتاج انحسار دبلوماسي عام في المنطقة، نتيجة المتغيرات التي شهدها الإقليم، مشيرين إلى أن إقدام المملكة على خطوة الانفتاح مجددا على حماس لن يحدث فارقا كبيرا، كما أن الأردن تأثيره الحقيقي هو في القدس والضفة الغربية، اللتين ترتبطان على نحو مباشر بأمنه القومي، مشددين على أن إعادة تصويب المسار بالنسبة للأردن يتطلب بناء علاقة مع السلطة الإسرائيلية الجديدة، مع العمل جديا على ترتيب البيت الفتحاوي.

وعلى خلاف عمان فإن القاهرة مجبرة على الانفتاح على حركة حماس وضبط العلاقة معها بحكم سيطرة الأخيرة على قطاع غزة، الذي يحدّ مصر ويعدّ حديقتها الخلفية.

وأغلق الأردن في العام 1999 مكاتب “حماس” في عمان، بعد خمسة أعوام من توقيعه اتفاقية السلام مع إسرائيل، ورفض التعاطي مع الحركة الإسلامية في ظل حالة من انعدام الثقة بها، ولاسيما لترابطها العضوي ومع جماعة الإخوان المسلمين في الداخل.