مصر تبحث عن تعاون عربي لتدعيم محاربتها للهجرة غير الشرعية

مصر لم تعد محطة ترانزيت للهجرة نحو أوروبا

القاهرة

تمكنت الحكومة المصرية من القضاء على الهجرة غير الشرعية إلى الدول الأوروبية بالتوازي مع حربها ضد الإرهاب وخططها التنموية، وأحكمت قوات الجيش السيطرة على السواحل المطلة على البحرين المتوسط والأحمر، ما منح تجربتها إشادة دول عديدة، وجعلها تتطلع لزيادة التعاون مع بعض الدول العربية.

وقالت رئيس اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر بمصر السفيرة نائلة جبر الأربعاء، إن بلادها لم تعد دولة مصدرة للهجرة، ونجحت سياساتها في منعها تماما منذ خمس سنوات.

وأكدت في اجتماع لها مع لجنة حقوق الإنسان في البرلمان أن مصر منعت منذ سبتمبر 2016 خروج أي مركب يحمل مهاجرين غير شرعيين من سواحلها، وأوقفت استغلالها كمعبر أو ترانزيت للهجرة، وتحرص حاليا على زيادة التعاون مع الكثير من الدول لمنع عمليات التسلل.

وعزز عدم ضبط مراكب للهجرة غير الشرعية بمصر خلال السنوات الأخيرة مكانة مصر وأنها لم تعد محطة لها، وهي صفة لازمتها فترات طويلة بسبب موقعها الجغرافي، فهي بالنسبة للكثير من المهاجرين الأفارقة مغلقة، ما جعل غالبية المهاجرين يتجهون إلى ليبيا كمحطة أفضل بالنسبة لهم بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة.

وأدى تنامي التشديد الأمني على السواحل المصرية والتوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية وطبيعة المعاملة التي يلقاها المهاجرون من المتطرفين أو بسبب الأوضاع الأمنية غير الودية في أوروبا، إلى تغيير قناعات الكثير من الشباب المصري حاليا، فلم يعد الغرب بالنسبة لهم الجنة الموعودة التي يجب التضحية بالحياة من أجلها.

ونقلت مصر تجربتها الأمنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية إلى بعض الدول الأفريقية بالتعاون مع إيطاليا في تدريب رجال الأمن في 22 دولة على مكافحة الهجرة.

وأوضح شحاتة محمد شحاتة مدير المركز العربي للنزاهة والشفافية، أن التجربة المصرية أصبحت محل تقدير من قبل أوروبا بعدما تعاملت مع الهجرة غير الشرعية بخطة متكاملة تضمنت وضع إطار تشريعي لمكافحة تهريب المهاجرين، وإدماج اللاجئين من مختلف الجنسيات في المجتمع من دون تمييز ضد حركتهم وعدم عزلهم في مخيمات أو معسكرات إيواء، ووضع خطة لتمكينهم اقتصاديا بتدريبهم على أنشطة اقتصادية تضمن لهم دخلا سواء بقوا في مصر أو عادوا إلى أوطانهم.

وأضاف لـ”العرب” أن التنمية من الوسائل الرئيسية لمواجهة الهجرة غير الشرعية، فأسبابها تتعلق دائما بالزيادة السكانية الكبيرة والبطالة وتوقف التوظيف الحكومي والإحباط وغياب الأمل في مستقبل أفضل على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.

وفتحت حركة التنمية التي تشهدها مصر المجال أمام مئات الآلاف من فرص العمل التي لا تشترط الخبرة، خاصة في القطاع العقاري، ويجري العمل في بناء نحو 30 مدينة جديدة في توقيت واحد، وهي الصناعة التي تدفع معها قرابة 100 صناعة أخرى للانتعاش بما يعني المزيد من فرص العمل.

وتعد فرص العمل أداة جذب للإقامة وأي مكان تتوافر فيه فرص التشغيل سوف يستقطب البشر، ما يعني أن نجاح سياسة بناء المدن بمصر التي أتاحت فرص عمل واسعة في مجال التشغيل مرتبط بالاستدامة، أو بمعنى آخر تتضمن وسائل مستمرة للعمالة لا تنتهي بمجرد انتهاء البناء والتشييد، لاسيما العمالة غير المنتظمة التي تضم أعدادا ضخمة في مصر.

ووفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) شهد معدل البطالة في مصر تراجعا ليبلغ 7.9 في المئة عام 2019، مقابل 13.2 في المئة عام 2013، قبل أن يرتفع بنسبة طفيفة بسبب جائحة كورونا ليبلغ 8.1 في المئة مع نهاية الربع الأخير من العام الماضي.

ولفت حقوقيون إلى أن سياسة الحكومة المصرية في فتح آفاق عمل للشركات المحلية في أفريقيا وتوسيع العمل في مجال إعادة تعمير بعض الدول العربية، مثل ليبيا والعراق، وفر مظلة للكثير من الراغبين في السفر إلى الخارج من أجل تحسين الظروف المالية والعمل بشكل شرعي وعقود موثقة دون مخاطر.

وأطلقت الحكومة مبادرة “مراكب النجاة” في ديسمبر 2019 التي ركزت على القرى الأكثر تصديرا للهجرة غير الشرعية في 14 محافظة، بجانب تخصيص 16 مليون دولار في ميزانية الدولة للعام المالي الجديد الذي يبدأ في الأول من يوليو المقبل لدعم التشغيل في 70 قرية وتوفير 7 مشروعات أخرى في اتفاق مع الاتحاد الأوروبي لمكافحة تهريب الأشخاص والاتجار بالبشر بقيمة 60 مليون يورو.

ورفض مدير البيت العربي للبحوث والدراسات والناشط الحقوقي مجدي عبدالفتاح، مسمى الهجرة غير الشرعية من الأساس وطالب باستبداله بـ”الهجرة غير النظامية”، باعتبار أن حرية التنقل مكفولة للإنسان، وتمثل قضية ترتبط بأمنه وسلامته بجانبه حق في بيئة اقتصادية واجتماعية صحية توفر له فرص العمل والحياة الكريمة.

وذكر في تصريح لـ”العرب” أن آخر عامين لا يمكن الحكم عليهما كثيرا في رصد معدلات الهجرة غير النظامية، فجائحة كورونا وسياسات الإغلاق وتقليص حرية التنقل وتوقف الأنشطة الاقتصادية لا تسمح بوجود فرص حياة للمهاجرين والسفر.

ويستنتج مراقبون إن استمرار مصر في الحفاظ على ضبط سواحلها يوفر لها المزيد من المساعدات الأوروبية كتجربة رائدة يجب الحفاظ عليها، ويوجه الأنظار إلى دول شمال أفريقيا التي بدأت عمليات التسرب منها إلى أوروبا تصل إلى معدلات قياسية.