جولة إيجابية لجون كيري في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

المبعوث الأميركي للمناخ وقيادات عربية لدعم الحقبة الخضراء القادمة

تفاعل سعودي إيجابي مع الدعوات المنادية بحماية المناخ

واشنطن

في الأيام الأولى من وصوله إلى البيت الأبيض قام الرئيس جو بايدن بتعيين وزير الخارجية الأسبق، جون كيري، مبعوثاً رئاسياً خاصاً للمناخ وأعاد الولايات المتحدة للالتحاق باتفاقية باريس، كما وكرّس الآليات المرعية في الحكومة الأميركية بجملتها لتتمحور حول قضية التصدي للتغيّر المناخي. وقام أيضاً بعقد قمة افتراضية حول المناخ ضمت زعماء من العالم، دعا إليها قادة أربعين دولة، وعن العالم العربي دعي إليها قادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.

وفي بحر هذا الأسبوع يكون المبعوث الرئاسي الخاص للمناخ قد أنهى زيارة رسمية له إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هدفت للقاء قادة الدول الكبرى في المنطقة، وشملت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر. هدفت الجولة إلى بحث سبل التعاون في مجال مكافحة التغيّرات المناخية، ورفع سقف الطموح المناخي قبل انعقاد المؤتمر السادس والعشرين للدول الأعضاء في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP26)، والذي سيُعقد في شهر نوفمبر من العام الجاري في مدينة غلاسكو في المملكة المتحدة.

وعلى الرغم من التشكيك في قيادة الولايات المتحدة لمساعي التخفيف من الانبعاثات الكربونية التي تؤثر على مناخ الكرة الأرضية، وهي الدولة التي تصنّف في الدرجة الثانية بين دول العالم التي تطلق انبعاثات غازية مزعزعة للاستقرار المناخي، إلا أن الاستجابة لجولة كيري في منطقة الشرق الأوسط كانت إيجابية وعلى درجة عالية من المسؤولية والتعاون أبداها قادة الدول التي زارها المبعوث الأميركي.

ففي الإمارات العربية المتحدة التقى المبعوث الأميركي كيري مع ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى جانب كبار المسؤولين الإماراتيين بمن فيهم وزير الخارجية الشيخ عبدالله بن زايد ومستشار الأمن القومي الشيخ طحنون بن زايد والمبعوث الخاص للتغير المناخي الدكتور سلطان الجابر، كما ما ورد عن برنامج الاجتماعات في بيان رسمي أعلنته وزارة الخارجية الأميركية.

ناقش الطرفان الأميركي والإماراتي خلال الاجتماعات فرص الاستثمار الاستراتيجي في مجال الطاقة النظيفة وتوسيع نطاقها وتطوير تقنياتها عبر العالم. وأشار بيان الخارجية الأميركية إلى أن “الجميع جددوا التأكيد على التزام الولايات المتحدة والإمارات بمبادرة الابتكار الزراعي للمناخ التي أعلن عنها البلدان بشكل مشترك في قمة القادة الافتراضية التي نظمتها إدارة بايدن حول قضايا المناخ، وستطلق رسمياً في المؤتمر المرتقب في غلاسكو”.

الشرق الأوسط الأخضر

فور وصوله إلى المملكة العربية السعودية، التقى المبعوث الأميركي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ضمن برنامج زيارته الشرق أوسطية، وانضم إلى الاجتماع كل من وزراء الطاقة والاستثمار والبيئة والمياه والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في المملكة. شملت مناقشات المبعوث كيري مع الجانب السعودي معالجة تحدّيات المناخ المتعاظمة والمسارات والمبادرات السعودية الحالية والمستقبلية لتوسيع نطاق تقنيات الطاقة النظيفة لتقليل الانبعاثات، وكذلك التعاون في البحث والاستثمار بهدف التخفيف من حدة تغير المناخ والتكيف معه؛ كما تم بحث الإجراءات البنّاءة لتعزيز نجاح مجموعة العشرين ومؤتمر 26 للأطراف (COP26).

وكانت المملكة قد أطلقت في شهر مارس من العام الجاري مشروعاً مستقبلياً هاماً اختصّ بحماية البيئة والتقليل من التأثيرات الأرضية على المناخ، وذلك ضمن مبادرتين متوازيتين تحت مسمى “مبادرة السعودية الخضراء” و”مبادرة الشرق الأوسط الأخضر”. المبادرتان ستسهمان برسم توجه السعودية والمنطقة في شؤون حماية الأرض والبيئة، وكذلك ستعملان على رسم خارطة طريق طموحة في السعودية وعموم الشرق الأوسط.

وأعرب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حين إطلاق المبادرتين عن المسؤولية المنوطة بالمملكة، بصفتها منتجاً عالمياً رائداً للنفط، في دفع عجلة مكافحة أزمة المناخ. وقال ولي العهد بالمناسبة “كما تَمثّل دورُنا الريادي في استقرار أسواق الطاقة خلال عصر النفط والغاز، فإننا سنعمل على قيادة الحقبة الخضراء القادمة”.

وكانت وزارة الطاقة السعودية قد أدارت في ورشة عمل موسعة بناء خطط واقعية لتحقيق الهدف المعلن للمملكة من مبادرة السعودية الخضراء المتمثل في تحقيق نسبة 50 في المئة من توليد الكهرباء من مصادر متجددة بحلول العام 2030، وزيادة تقنيات احتجاز الهيدروجين والكربون. ومن المتوقع أن تسهم المبادرة بزيادة المساحة الخضراء في السعودية إلى نحو 12 ضعف مساحتها الحالية. أما في ما يتعلق بالشق الثاني من مبادرة “الشرق الأوسط الأخضر”، فستعمل السعودية بالتعاون مع جيرانها في الخليج والشرق الأوسط على زراعة 40 مليار شجرة إضافية في أكبر برنامج تشجير في العالم.

وفي ختام اجتماعات الطرفين أعلنت وزارة الخارجية الأميركية على موقعها الرسمي عن بنود البيان المشترك الذي صدر عن البلدين حيث أكدا في نص البيان عزمهما على “تكثيف التعاون في الطريق إلى مؤتمر غلاسكو وفي تنفيذ مخرجاته، مع الاعتراف بأهمية الحدّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وضرورة اتخاذ إجراءات التكيّف خلال هذا العقد من الزمن لتجنب أسوأ عواقب تغير المناخ”.

كما أشار البيان المشترك إلى التزام الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بمواجهة التحديات المناخية المتفاقمة بجدية وسرعة، وأنّ البلدين سيعملان على تعزيز تنفيذ اتفاق باريس وبذل كلّ جهد من أجل إنجاح الدورة 26 لمؤتمر الأطراف في غلاسكو، وشدّدا على أهمية الحدّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وضرورة اتخاذ إجراءات التكيّف خلال هذا العقد لتجنب أسوأ عواقب تغير المناخ.

وفي الختام أبدى الجانب الأميركي التزامه بالدعم الفعال والمشاركة الثنائية في المبادرة السعودية الخضراء ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر، بما في ذلك دعم الطاقة النظيفة والزراعة المستدامة واستصلاح الأراضي.

كيري في مصر

عند وصول المبعوث الأميركي إلى جمهورية مصر العربية التقى رئيس الوزراء مصطفى مدبولي وكبار المسؤولين المصريين بمن فيهم وزير الخارجية سامح شكري ووزيرة البيئة ياسمين فؤاد. وأكد كيري إثر محادثات معمّقة مع المسؤولين الذين التقاهم في القاهرة في تصريحات إعلامية أدلى بها بأن الولايات المتحدة ستقوم بزيادة الدعم المالي لمصر لمساعدتها على التحول إلى الطاقة الشمسية كون مصر تعتبر الدولة الأولى في العالم لجهة الاستفادة من الطاقة الشمسية، وبما سيؤمن هذا التحول إلى الطاقة المتجددة من خلق فرص عمل جديدة للشباب المصري. بينما أكد الطرف المصري عزم حكومته على تلبية ما يعادل 20 في المئة من احتياجات الطاقة في البلاد بواسطة مصادر الطاقة المتجددة قبل حلول العام 2022، و43 في المئة من الحاجات بحلول العام 2035.

وبينما تستعد الدول المعنية بانبعاث الغازات التي تسببب الاحتباس الحراري واضطرابات المناخ في العالم لقمّة الأمم المتحدة للمناخ في غلاسكو التي تهدف بشكل جوهري إلى الحفاظ على معدل ثابت لارتفاع درجات الحرارة العالمية بما يقل عن 1.5 درجة موازاة لما تم الاتفاق عليه في مؤتمر باريس للمناخ، ناقش المبعوث الأميركي كيري مع نظرائه المصريين كيفية التعاون بين البلدين لتحقيق أمثل صورة للمؤتمر 27 للأطراف (COP27) الذي طلبت مصر استضافته نيابة عن أفريقيا، إلى جانب الدور المنوط بها في إنجاح المؤتمر الحالي (COP26) الذي يعقد في الأجل القريب.

من الجدير بالذكر أن منصب المبعوث الأميركي الخاص للمناخ الذي أوكل إلى جون كيري، السياسي المخضرم الذي يتمتع بعلاقات دولية واسعة منذ أن شغل منصب وزير الخارجية في ولاية باراك أوباما الثانية، هو منصب يتمتع بصلاحيات واسعة منحها له الرئيس بايدن وجعل إمكانيات معظم الدوائر الحكومية متاحة له من أجل دعم خطط أميركا الطموحة والتشاركية للتحول العالمي الحثيث نحو الطاقة النظيفة وإنقاذ مناخ كوكب الأرض الذي يقع تحت تهديد عظيم لانبعاث الغازات، حيث تساهم الولايات المتحدة بإطلاقها إلى الهواء بقدر مقلق.

كما أعلنت وزارة الطاقة الأميركية عن تمويل فيدرالي بقيمة 12 مليون دولار ستمول برامج تطوير تقنية حديثة لاستخلاص واحتجاز ثاني أكسيد الكربون من الجو وتخزينه أطلق عليه برنامج “التقاط الهواء المباشر”Direct Air Capture Technology”، وذلك سيراً باتجاه تحقيق رؤية الرئيس بايدن للإنقاذ البيئي البعيد المدى، وخفض انبعاثات الغازات السالبة بنسبة تتراوح بين 50 – 52 في المئة بحلول العام 2030.