جهود مسقط تحتاج دعم واشنطن عبر إجراءات رادعة للحوثيين

تعثر جولة الوساطة لم ينه حظوظ عمان في تحقيق اختراق في حلحلة الملف اليمني

سلطنة عمان التي وسعت مشاركتها في محاولات حلحلة الأزمة اليمنية من مجرّد احتضان اجتماعات الفرقاء وحمل الرسائل بينهم إلى القيام بوساطة لإقرار وقف لإطلاق النار والبدء بمحادثات سلام، ما تزال رغم تعثّر الجولة الأولى من وساطتها تحتفظ بأوراق قوّتها في مجال الوساطات الصعبة، فهي إلى جانب صداقتها مع إيران وتحالفها مع الولايات المتّحدة موضع ثقة متزايدة لدى السعودية بسبب التنامي السريع المسجّل أخيرا في العلاقة بين مسقط والرياض.

مسار لم ينته

عدن

 تواصل سلطنة عُمان اتّصالاتها مع الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بحل الأزمة اليمنية، في مؤشّر على عدم تخلّي السلطنة عن وساطتها التي بدأتها مؤخّرا لتمهيد الطريق لإطلاق مسار سلمي لحلّ الأزمة رغم تعثّر الجولة الأولى من تلك الوساطة بسبب تشدّد المتمرّدين الحوثيين الساعين لتحقيق نصر عسكري كبير في محافظة مأرب قبل الاستجابة لمبادرة وقف إطلاق النار التي عُرضت عليهم تفاصيلها عن طريق الوفد العماني الذي زار مؤخرا العاصمة اليمنية صنعاء.

ويقول مراقبون إنّ عُمان ما تزال رغم فشل محاولتها الأولى في إقناع الحوثيين بوقف إطلاق النار والجلوس إلى طاولة المفاوضات السياسية مع السلطة اليمنية المعترف بها دوليا، تمتلك أوراق قوّة تستطيع استخدامها في جولة جديدة من الوساطة يبدو أنّها شرعت فعلا في التمهيد لها عبر استئناف الاتصالات مع الجهات ذات الصلة بالملف اليمني.

وعلى رأس تلك الأوراق رصيد الثقة الذي تحظى به لدى مختلف تلك الأطراف فهي من جهة صديقة لإيران صاحبة التأثير الكبير على الحوثيين ومواقفهم وسياساتهم، ومن جهة مقابلة طورت مؤخّرا علاقات أوثق مع المملكة العربية السعودية داعمة الحكومة الشرعية وقائدة التحالف العسكري المضادّ لجماعة الحوثي، فضلا عن كونها حليفة موثوق بها لدى الولايات المتّحدة المهتمة حاليا وأكثر من أي وقت مضى بحلّ الأزمة اليمنية سلميا.

وواجهت الجهود الأممية والدولية لحل الأزمة اليمنية، لاسيما التي تبذلها سلطنة عمان، تعقيدات كبيرة في ظل استمرار التصعيد العسكري في عدد من جبهات القتال وتشبث أطراف النزاع بمواقفها تجاه الحل السياسي.

ومنذ أشهر كثفت مسقط جهودها لحل الأزمة اليمنية في محاولة لإحداث خرق في جدارها وجمع الأطراف على طاولة مشاورات واحدة بغية التوصل إلى حل سلمي.

فإلى جانب علاقاتها الجيدة مع السعودية وجماعة الحوثي، استفادت عمان من سمة الحياد والنأي بالنفس التي تميز سياستها الخارجية للدخول كوسيط فاعل في الملف اليمني.

وبإطلاق السعودية مبادرة سياسية للحل أواخر مارس الماضي، وجدت مسقط مساحة مناسبة لتكثيف جهودها الدبلوماسية في اليمن. وهذه الجهود توجت بزيارة قام بها وفد عماني رفيع المستوى إلى العاصمة اليمنية صنعاء، الخاضعة لسلطة الحوثيين في السادس من يونيو الماضي.

وأجرى الوفد العماني خلال الزيارة مباحثات مع زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي ورئيس مجلسها السياسي الأعلى مهدي المشاط.

ومنذ ذلك الحين ما يزال الغموض يكتنف نتائج الزيارة في ظل مؤشرات متزايدة حول تعثر هذه الجهود واصطدامها بتعقيدات عدة سياسية وميدانية.

وكشفت المباحثات ذات الصلة بالملف اليمني إضافة إلى التصريحات السياسية لطرفي النزاع عن نقطة خلاف رئيسية تحول دون تحقيق تقدم في مسار جهود حل الأزمة.

وتتركز هذه النقطة في تمسك كل طرف برؤيته للحل وإغلاق الباب أمام أي مقترحات من شأنها حث الطرفين على تقديم تنازلات لدفع عملية السلام قدما.

وأدى ذلك إلى تعقيد جهود الوساطة العمانية التي تحظى بدعم أممي ودولي كبير.

ومنتصف يونيو الماضي أبدى المبعوث الأممي لليمن مارتن غريفيث امتعاضه من تشدد الأطراف في التمسك بمواقفها قائلا “إنها غير قادرة على تجاوز خلافاتها”.

وأوضح غريفيث خلال إفادته الأخيرة أمام مجلس الأمن أنه بينما تصر جماعة الحوثي على اتفاق منفصل بشأن الموانئ والمطارات كشرط مسبق لوقف إطلاق النار وبدء العملية السياسية، تصر الحكومة على تطبيق كل الإجراءات حزمة واحدة بما فيها بدء وقف إطلاق النار.

ورأى الباحث والمحلل السياسي اليمني نبيل البكيري أن جهود الوساطة العمانية وصلت إلى طريق مسدود شأنها شأن كل الجهود الأممية والدولية السابقة. وقال لوكالة الأناضول إنّ مغادرة الوفد العماني المكلف من واشنطن بالتواصل مع الحوثيين صنعاء دون أن يدلي بأي تصريحات حول نتائج مباحثاته مع زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي “يشير إلى انسداد الأفق في مسار الجهود الهادفة لإقناع جماعة الحوثي بالسلام”.

وحول مستقبل الجهود العمانية لحل الأزمة اعتبر البكيري أن نجاحها مرتبط بانطلاقها من مضامين القرار الأممي 2216 بشأن الأزمة اليمنية.

ويتضمن القرار دعوة الحوثيين إلى الكف عن استخدام العنف وسحب قواتهم من جميع المناطق التي استولوا عليها، بما في ذلك العاصمة صنعاء.

كما يتضمن دعوتهم إلى “التخلي عن جميع الأسلحة التي استولوا عليها من المؤسسات العسكرية والأمنية والتوقف عن الأعمال التي تندرج ضمن نطاق صلاحيات الحكومة الشرعية والامتناع عن أي تهديد أو استفزاز للدول المجاورة”.

غير أن كثيرين يرون أن القرار المذكور تجاوزه الزمن واقعيا حيث لم يعد يرد ذِكره على سبيل المثال على ألسنة المسؤولين الأميركيين الذين اتّجهوا اتّجاها مغايرا تماما نحو الاعتراف بالحوثيين سلطة أمر واقع والتعامل معهم على هذا الأساس ضمن جهود السلام.

والجمعة الماضية بحث مبعوث الولايات المتحدة إلى اليمن تيم ليندركينغ مع مسؤولين عُمانيين جهود حل الأزمة في اليمن وفق بيان لوزارة الخارجية الأميركية.

وذكر البيان أنّ ليندركينغ ناقش مع السفير العماني لدى الولايات المتّحدة حمدان الطائي ووكيل وزارة الخارجية العمانية خليفة الحارثي الخطوات المقبلة لإنهاء الصراع في اليمن.

كما رحبت الوزارة وفق البيان “بالجهود العمانية بما في ذلك الزيارة الأخيرة لوفدها إلى صنعاء من أجل دفع الحوثيين للمشاركة في مشاورات متقدمة حول خطة أممية لوقف إطلاق النار وإحياء العملية السياسية”.

ويرى الكاتب اليمني يعقوب العتواني أنّ الدعم الأميركي لجهود مسقط “غير كاف لتحقيق وقف إطلاق نار شامل ودفع عملية السلام”، معتبرا أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن “أظهرت نظرة قاصرة حيال تعقيدات الملف اليمني إذ كانت تعتقد أن وقف بيع الأسلحة للسعودية ورفع الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية كاف لإغلاق ملف الحرب”، مضيفا أن “نجاح جهود عمان المدعومة أميركيا مرتبط بصدور إجراءات رادعة من واشنطن ضد الحوثيين لدفعهم نحو السلام”.