ضحايا ثقافة الكراهية..
منظمة حقوقية: عداء حوثي بلا حدود للبهائيين في اليمن
يعيش البهائيون في اليمن وضعا متداخلا، تتضافر فيه عوامل الحرب مع الوضع الاقتصادي المتأزم، مع تفشي فايروس كورونا في المناطق اليمنية، مع تزايد الاضطهاد الذي يسلّط عليهم من قبل الحوثيين الذين يترجمون السياسة الإيرانية في التعامل مع الأقليات الدينية.
يخوض أتباع الطائفة البهائية في اليمن معركة جديدة ضد الحوثيين، بعد امتناع السلطات القضائية التابعة للجماعة الحوثية والأجهزة الأمنية التابعة لها عن تنفيذ قرار صادر عن القيادي الحوثي مهدي المشاط الذي نصبه الحوثيون “رئيسا للمجلس السياسي”، وهو القرار الذي قضى بالإعفاء عن نشطاء في الطائفة البهائية تحت ضغط دولي وحقوقي عالمي.
وحذّر أتباع الطائفة التي تتعرّض للملاحقات في مناطق سيطرة الحوثيين من محاولات لإلغاء قرار رئيس المجلس السياسي، وقالت “المبادرة اليمنية للدفاع عن حقوق البهائيين”، في بيان نشرته على حساباتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، إنها علمت من خلال مصادرها “بأن المحكمة الجزائية الابتدائية المتخصصة والتي تقف خلف الأحكام الجائرة ضد البهائيين عادت للتلاعب بالعدالة بهدف إلغاء قرار الإفراج عن البهائيين الصادر عن رئيس المجلس السياسي”.
وحذّر البيان من محاولات تقوم بها المحكمة للالتفاف على قرار الإفراج عن البهائيين وعقد جلسة استثنائية للنظر مجددا في قضية من أتباع الطائفة بهدف تحويل قرار الإفراج الذي صدر نتيجة ضغوط دولية وحقوقية إلى قرار للإفراج بضمانات تجارية أو بسبب “الظروف الصحية”، وهو ما يعني وفقا للبيان “عدم الاعتراف بقرار الإفراج وجعل الباب مفتوحا لإعادة توجيه التهم الكيدية لهم، وإعادة تحريك المسرحية الهزلية التي تهدف في النهاية إلى قتل وإبادة أقلية كاملة من مكوّنات المجتمع اليمني والاستيلاء على أموالهم وممتلكاتهم”.
وحذّرت المبادرة اليمنية من استمرار ما وصفته “التلاعب والتحايل على القانون من طرف النيابة الجزائية المتخصصة ومكتب النائب العام، وأكدت تمسكها بقرار الإفراج غير المشروط عن البهائيين”.
وتعود العلاقة المتوترة بين البهائيين والجهات القضائية والأمنية في اليمن إلى وقت مبكر، حيث تعرّض أبناء الطائفة لحملات اعتقال في العام 2008 من قبل الأجهزة الأمنية وتمّ ترحيل العشرات من البهائيين غير اليمنيين، ووُصفت الخلافات ما بين الدولة اليمنية والبهائيين في تلك الفترة بأنها ذات طابع سياسي وأمني، حيث ظلت السلطات تبدي مخاوفها من الدور الذي يقوم به أتباع الطائفة التي كان يروّج حينها أنهم يقومون بأدوار استخبارية لصالح جهات خارجية.
وشهد عاما 2013 و2014 موجة جديدة من حملات الاعتقال التي طالت العشرات من الناشطين في الطائفة البهائية في صنعاء، غير أن انقلاب الحوثيين على الدولة في سبتمبر 2014 جاء بخصم جديد وعنيف إلى سدة السلطات الأمنية والقضائية، وهو ما كشفت عنه النزعة العدائية من قبل الحوثيين تجاه هذه الطائفة في اليمن، ويقول البهائيون إن ديانتهم دخلت إلى اليمن في القرن التاسع عشر وتحديدا عام 1844، عندما قام أحد مؤسسي البهائية المدعو علي محمد الشيرازي المعروف بـ”الباب” بالتوقف في ميناء المخا على البحر الأحمر.
ويعود الموقف المتشدد الذي أبداه الحوثيون تجاه البهائية في اليمن لأسباب عقائدية، وأخرى سياسية نتيجة الصراع المستمر بين السلطات الإيرانية منذ ما يسمى “الثورة الإسلامية” والبهائيين، ويتعرض البهائيون لحالة قمع شديدة في إيران التي تعتبر الموئل الفكري الأول للبهائيين الذين يتخذون اليوم من مدينة حيفا في إسرائيل مقرا عالميا لهم منذ 1868، وهي أحد الأسباب الشائعة لاتهامهم بالعمالة لإسرائيل.
وعادت قضية البهائيين في اليمن للواجهة في الآونة الأخيرة في أعقاب إصدار محكمة حوثية في صنعاء حكما بتاريخ 22 مارس الماضي قضى بإعدام الناشط البهائي اليمني، حامد بن حيدرة، ومصادرة ممتلكاته، وإغلاق كافة المؤسسات البهائية ومصادرة ممتلكاتها.
وجاء الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف الحوثية تأييدا لقرار أصدرته محكمة حوثية ابتدائية في العام 2018 قضى بإعدام حيدرة بتهمة التعاون مع إسرائيل، بعد أكثر من أربع سنوات قضاها في المعتقل.
وأدانت منظمات حقوقية دولية حملات القمع التي يمارسها الحوثيون بحق أتباع الطائفة البهائية في اليمن، حيث أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في سبتمبر 2019 قراراً أدان فيه الاضطهاد الحوثي للبهائيين على أساس معتقدهم.
كما أشار تقرير صادر عن فريق الخبراء الدوليين والإقليميين البارزين حول اليمن، إلى ما وصفها سياسة “اضطهاد البهائيين على أساس عقيدتهم، بوسائل منها احتجازهم واتهامهم بالردّة، والسخرية من أتباع الديانة البهائية ووصمهم بالشياطين، وإصدار أحكام بالإعدام وتهديد أنصارهم”.
وتصاعدت حملات الإدانة الدولية للإجراءات الحوثية بحق البهائيين في اليمن بعد مثول 24 بهائيا أمام محكمة حوثية في صنعاء بتاريخ 25 فبراير الماضي بتهم من بينها “الردة” و”التخابر” مع جهات خارجية من بينها إسرائيل.
وطالبت الولايات المتحدة على لسان سفيرها المتجول للحريات الدينية الدولية، سام براونباك، بإسقاط “هذه الادعاءات والإفراج عن المعتقلين بشكل تعسفي واحترام الحرية الدينية للجميع”.
وتراجع الحوثيون تحت وقع الضغوط الدولية عن قرار إعدام نشطاء بهائيون ومصادرة ممتلكاتهم، وأعلن مهدي المشاط رئيس ما يسمى المجلس السياسي في 25 مارس الماضي في خطاب على قناة “المسيرة” الحوثية “الإفراج عن جميع السجناء البهائيين والعفو عن المدعو حامد حيدرة (زعيم البهائيين في اليمن) في عقوبة الإعدام والإفراج عنه”. لكن ضغوطا يبدو أن أجنحة راديكالية داخل الجماعة الحوثية كما تقول مصادر “العرب” ربما تكون قد عطلت قرار الإفراج.
وجددت الجامعة البهائية العالمية في بيان لها في الثامن من أبريل مطالبها بضرورة الإيفاء بوعد إطلاق سراح المعتقلين البهائيين باليمن، وأكد البيان أن “الجامعة البهائية العالمية تشعر بقلق بالغ بسبب عدم تنفيذ العفو غير المشروط عن حامد بن حيدرة وعدم إطلاق سراح كافة البهائيين، والذي أَعلَنَ عنه مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى في خطابه التلفزيوني قبل أسبوعين”.
وقالت ديان علائي ممثلة الجامعة البهائية العالمية بالأمم المتحدة “إننا نطالب مرة أخرى المجلس السياسي الأعلى بضمان التنفيذ الفوري لقراره القاضي بالعفو عن حامد بن حيدرة وإلغاء التهم الموجهة لأكثر من 20 بهائيا، والإطلاق الفوري لسراح ستة بهائيين يتواجدون حاليا في السجون”.
وعلّق أحمد شهيد المقرر الخاص المعني بحرية الدين أو المعتقد بالأمم المتحدة على محاولات الحوثيين التراجع عن قرار العفو عن المحكومين البهائيين بالقول “بناء على قرار رئيس المجلس السياسي الأعلى بصنعاء بالإفراج عن جميع البهائيين، فإنني أطالب السلطات أن تنفذ القرار فورا، وأن تطلق سراح جميع البهائيين المعتقلين بسبب معتقدهم دون أي شروط، وأن تلغي جميع التهم الموجهة إليهم”.
ويعتبر نشطاء حقوقيون يمنيون أن ما يتعرّض له البهائيون في اليمن من حالة قمع ممنهجة من قبل الأجهزة الحوثية هو امتداد للثقافة الحوثية القائمة على رفض التيارات السياسية والعقائدية الأخرى، والتي شملت مكوّنات إسلامية أخرى، من بينها السلفيون واليهود على سبيل المثال، وتجاوزت ذلك إلى استهداف الكثير من الناشطين الحقوقيين والصحافيين والسياسيين.