مآرب مشتركة..
اليمن: حزب الإصلاح وجماعة الإخوان تحالفات خفية
ثمة صلات خفية تربط بين حزب الإصلاح اليمني وجماعة الإخوان المسلمين على أكثر من مستوى، بالرغم من محاولات النفي المتعددة، والتي تترافق مع سياقات وأحداث سياسية، تستهدف من خلالها بعث انطباعات معينة، تتخفف فيها من وطأة وحدة الانتقادات التي تربط بين التنظيمين، وتسعى للحركة والتمدد بسهولة، كما هو الحال، في فترة ما عرف بـ"الربيع العربي"، وما تلاه من أحداث متعاقبة.
ومما ساهم في نجاح تلك المناورة السياسية وتوسيع هامشها أحياناً، هو التحول أو بالأحرى المتغير الرئيسي الذي حدث بعد العام 2011، في الحالة السياسية اليمنية، والمتمثل في التوظيف الطائفي للكيانات الحزبية، فضلاً عن التكتلات السياسية التي تتحرك على أساس مذهبي، بعد أن كانت العقود السابقة، تغلب عليها الارتباطات والتوافقات القبلية، القائمة على الأساس المناطقي والجهوي، ناهيك عن التقارب بين الزيدية التي هي أحد فرق الشيعة وبين السنّة.
الحرب وصناعة الإرهاب
ولعل أبرز ما يصف تلك الحالة، هو انتماء حكام صنعاء للطائفة الزيدية، وآخرهم علي عبد الله صالح، والأخير، خاض ست حروب للقضاء على الحوثيين، وكلاهما من الطائفة ذاتها؛ إذ لم يعكس تمثيل منصب الرئيس للمذهب أو الطائفة أي زعزعة للاستقرار في الأوساط المحلية، وكذا، نزعة طائفية على المستوى الإقليمي، بل شهدت علاقات وطيدة ومستقرة مع الرياض، مثلاً.
الناشط والصحافي اليمني عمران الدقيمي لـ"حفريات": حزب الإصلاح هو الذراع المحلي لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، لكن قياداته تنفي
ويضاف إلى ذلك، أنّ عدداً من قيادات ومؤسسي حزب التجمع اليمني للإصلاح، هم من أصول زيدية، ومن بينهم، الرئيس الأول والمؤسس للحزب، الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، والشيخ عبد المجيد الزنداني، رئيس مجلس شورى الحزب والمرشد الديني والروحي لعدد من السياسيين فيه، وأحد أبرز مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين في اليمن.
عمدت قيادات حزب الإصلاح وفي مناسبات متباينة إلى إعلان عدم ارتباطهم بالإخوان، رغم الصلات التاريخية بينهما، والعلاقة الممتدة ونقاط التقاطع على مستوى التنظيم والأيدولوجيا والممارسات العملية، وهو الأمر الذي تكرر مع تجربة حركة "حماس" في غزة؛ إذ ترددت الأخيرة بين التبعية للجماعة الأم، تارة، وبين نزع الارتباط عنها بأساليب لغوية وبلاغية مبطنة وحيل سياسية متنوعة.
فقد سبق وأعلن الحزب في بيان رسمي، بأنه: "حزب سياسي منفتح على الأفكار والمكونات، وفي الوقت نفسه لا يسمح لأي أطراف سياسية غير يمنية بالتدخل في شأنه اليمني أو في رؤاه كحزب سياسي، والتي تربطه بالكثير منها علاقات صداقة واحترام"، بيد أنه في البيان ذاته، أكد "احترامه لتجربة الإخوان التاريخية العريقة والناضجة المنطلقة من الوسطية كمنهاج دعوة وحياة".
كما أوضح في سياق محاولات تبرئة ساحته من تبعيته للإخوان، بأنّ "التجمع اليمني للإصلاح هو حزب سياسي يمني رسمي، ولا تعنينا أي تسميات أخرى يطلقها علينا الغير مادحاً كان أو قادحاً".
جرائم لا تسقط بالتقادم
ومن جهته، يحفل الموقع الرسمي للحزب، بمقالات تناوبت على طرح تلك القضية والاشتباك معها في ظل الاتهامات العديدة التي لاحقتهم، خاصة، بعد حديث الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، في تشرين الأول (أكتوبر) العام 2013، أن حزب التجمع اليمني للإصلاح "ليس سوى جناح للإخوان"، وأنّ الأخير على علاقة بجرائم استهدفت ضباط الأمن والجيش اليمني، لذا، كتب عبده سالم، نائب رئيس الدائرة السياسية في الحزب، قبل ثلاثة أعوام، أنّ الحزب "تأثر ثقافياً بحركة الإخوان لكنّ هذا التأثر كان في مجمله تأثراً بالدور المصري عموماً، بحكم تأثير مصر على مجمل الثورات اليمنية، التي قامت في اليمن منذ ثورة 1948 وحتى ثورة 1962، والتي كانت حركة الإخوان المسلمين حاضرة فيها".
ترجع البدايات الأولى لتنظيم الإخوان، في اليمن، إلى عقد الخمسينيات من القرن الماضي، وذلك على إثر سفر "الفضيل الورتلاني" أحد قيادات الإخوان في الجزائر إلى اليمن، العام 1947، لجهة تدشين شركة تجارية، فضلاً عن دوره السياسي إلى جانب المعارضة ضد الحاكم اليمني، وقتذاك، الإمام يحيى، حيث اتهم الورتلاني، في العام 1948 بتدبير انقلاب بعد عزل الإمام يحيى، حيث تم اعتقاله ثم ما لبث أن أفرج عنه، وفي هذا السياق، امتدت صلات القيادي الجزائري في الإخوان بالإمام الذي استجاب لبعض نصائحه في تهيئة الشروط لقاعدة إخوانية باليمن، إلى أن تنامى نفوذ الجماعة في عقد الستينيات بواسطة الطلبة اليمنيين في القاهرة.
البداية من التنظيم الأم في القاهرة
وفي الستينيات، كان عبد المجيد الزنداني، في القاهرة، بهدف استكمال دراسته الجامعية، حيث التحق بكلية الصيدلة، ودرس فيها لمدة عامين ثم ما لبث أن تركها، وشرع في دراسة علوم الشريعة، في الأزهر الشريف، وخلال وجوده في مصر بين طلاب يمنيين آخرين، وتحديداً بالأزهر، امتدت اتصالاته بأعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وتأثر بنشاطاتهم التي انخرط فيها، إلى أن تم اعتقاله وفصله من الجامعة.
وبحسب الدكتور شادي عبد الوهاب، فإنّ عبد المجيد الزنداني، قام ومجموعة من رجال الدين بإنشاء نظام تعليم ديني في شمال اليمن، مما ساهم في تنامي دورهم وبروز نشاطهم خلال عقدي الستينيات والسبعينبات من القرن الماضي، حيث كانت تلك المدارس أو ما أطلق عليه "المعاهد العلمية" تحاكي نظامَ المدارس الدينية في أفغانستان وباكستان، وكانت نسختها اليمنية تهدف إلى مواجهة موجة العلمانية القادمة من جنوب اليمن الاشتراكي.
ويضيف في دراسته المنشورة: "وما إِن توحد جنوب اليمن مع شماله، في العام 1990، حتى كانت العقلية الشمالية مشبعة بالأفكار والتوجهات الدينية، التي لا تخلو من التطرف في كثير من الأحيان، وفي نهاية المطاف، كان لتلك الاختلافات الأيديولوجية دور لا يستهان به في تباين الأهداف والرؤى بين الأطراف الفاعِلة في اليمن؛ مما أدى إلى الصراع الذي لا يزال قائماً إلى اليوم.
تعز وجرائم تحالف الغدر
كما يعد الزنداني أحد أكثر الأسماء القيادية في حزب الإصلاح التي ربطت الحزب بأعمال عنف، وجماعات دينية متطرفة أو إرهابية أخرى، حيث تم إعلان الزنداني كإرهابي، في العام 2004، من جانب الولايات المتحدة الأمريكية. وبحسب وزارة الخزانة الأمريكية، فإنّ لدى واشنطن أدلة موثقة على أنه يدعم الإرهابيين والمنظمات الإرهابية؛ كما كان له دور فعال في معسكرات تدريب تنظيم القاعدة، حيث لعب دوراً رئيسياً في شراء الأسلحة نيابة عن القاعدة والإرهابيين الآخرين.
تشير التصريحات المعلنة من قيادات سياسية وأمنية قريبة من حزب الإصلاح إلى مآرب وأهداف إقليمية للدول الراعية لهم
وقبل أيام قليلة، استأنف حزب الإصلاح ممارساته العدوانية، في تعز، جنوب العاصمة، وارتكاب جرائم ومجازر متوحشة بحق السجينات في المدينة، بهدف تحويلها إلى نقطة لاستهداف المجلس الانتقالي الجنوبي، ومساعدة الحوثيين على السيطرة.
وتشير التصريحات المعلنة من قيادات سياسية وأمنية قريبة من حزب الإصلاح، إلى مآرب وأهداف إقليمية للدول الراعية لهم، سواء في الدوحة أو أنقرة، حيث جاء في البيان الصادر من اسطنبول، على لسان محافظ تعز السابق، علي المعمري، إشارات واضحة تتصل بتعاون حوثي إخواني لجهة استهداف المقاومة المشتركة في الساحل الغربي، بينما تستكمل قيادة الإخوان المسلمين في المدينة حشد عناصرها عسكرياً وأيدولوجياً، لضرب قوات طارق صالح في الساحل الغربي، وهو الأمر الذي يحدث برعاية قطر وتركيا.
الجمعيات الخيرية.. ما علاقة القاعدة؟
وفي حديثه لـ"حفريات"، يشير الناشط والصحافي اليمني، عمران الدقيمي، إلى أنّ حزب الإصلاح، هو الذراع المحلي لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، لكنّ قياداته تنفي هذا التصنيف، بصورة متكررة، في حين أنّ الممارسات العملية والتوجهات والمصالح المشتركة تعكس الصلة القائمة بينهما طوال الوقت، بيد أنّ هناك شرخاً داخل الحزب؛ فمثلاً، قيادة الحزب تتبرأ بين الحين والآخر من تصريحات الفصيل المتطرف داخل الحزب، بقيادة الشيخ عبدالمجيد الزنداني، والمدرج ضمن قوائم الإرهاب لدى الولايات المتحدة الأمريكية، بينما في صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين انحسر تواجد حزب الإصلاح، والأمر ذاته، في عدن.
ويضيف الدقيمي: "كان لحزب الإصلاح في سنوات ما قبل الربيع العربي وربما عقب الوحدة العام 1990، معاهد دينية لكنها انحسرت وانتهت، حيث ظلت جامعة الإيمان التي يترأسها عبدالمجيد الزنداني بؤرة يتخرج منها أعضاء في الحزب، وبعضهم متطرفون ومن بينهم أجانب، كما أنّ للجمعيات الخيرية والتنموية التابعة للحزب، وهي جمعيات كثيرة، دوراً بارزاً في استقطاب أعضاء جدد للحزب، ونشاطات قبل وأثناء الحرب المستعرة، فضلاً عن كونها واجهة لنشاط إرهابي، بحسب تقارير أمنية أمريكية، ربطتها في وقت سابق بتنظيم القاعدة، حيث تم الكشف عن علاقة تربط بين الشيخ عبد المجيد الزنداني والقيادي في تنظيم القاعدة، أنور العولقي، وقد شغل الأخير منصب نائب رئيس إحدى المنظمات الخيرية للحزب في الفترة بين عامي 1998 1999.