تراجع القوات الأفغانية يمنح المتمردين مكاسب ميدانية إضافية

الجيش الأفغاني يغير استراتيجيته في مواجهة طالبان لحماية المدن الرئيسية

يتجه الجيش الأفغاني المُنهك إلى اعتماد استراتيجية جديدة من أجل التقليل من خسائره، حيث سينسحب لتأمين المناطق الأكثر حساسية على غرار العاصمة كابول بعد أن كان في مواجهة مباشرة مع حركة طالبان التي تُحقق مكاسب ميدانية سريعة لتجازف بذلك حكومة الرئيس أشرف غني بسقوط المزيد من المناطق بيد الحركة.

التسليم بالأمر الواقع

كابول

دفع الجيش الأفغاني باستراتيجية جديدة تقوم على التخلي عن المواجهة المفتوحة مع متمردي حركة طالبان التي باتت تسيطر على نصف المناطق الأفغانية والتراجع لتأمين وحماية المدن الرئيسية في البلاد.

وبالرغم من أن هذا الخيار سيمنح بالضرورة مساحات لطالبان من أجل تحقيق مزيد من النجاحات الميدانية إلا أنه يمثل ملاذا لحكومة الرئيس أشرف غني لمنع استيلاء المتمردين على تلك المدن الكبرى وسقوط المعابر الحدودية بيدها خاصة في ظل رسائل أميركية تشير إلى إمكانية التخلي عن الحكومة.

وقال مسؤولون أفغان وأميركيون إن الجيش الأفغاني الذي مُني بخسائر فادحة في أرض المعركة ما أفضى إلى سيطرة طالبان على حوالي نصف المناطق في البلاد البالغة 400، يتجه إلى تغيير الاستراتيجية التي يخوض بها الحرب ليركز قواته حول المناطق الأكثر حساسية مثل العاصمة كابول ومدن أخرى والمعابر الحدودية والبنية التحتية الحيوية.

وهذه الاستراتيجية تنطوي على مخاطر سياسية وميدانية، حيث ستعني بالضرورة التخلي عن مناطق لمقاتلي طالبان، لكن مسؤولين يقولون إن الأمر بات ضرورة عسكرية في ظل سعي القوات الأفغانية المنهكة للحيلولة دون فقدان السيطرة على عواصم الأقاليم الأمر الذي قد يتسبب في تصدع البلاد.

ويتزامن تركيز القوات، والذي تم الإقرار به علنا من قبل لكن دون الكشف عن هذه التفاصيل، مع انسحاب القوات الأميركية قبل إنهاء المهمة العسكرية رسميا هناك في 31 أغسطس تنفيذا لأوامر الرئيس الأميركي جو بايدن.

وتحقق طالبان مكاسب ميدانية سريعة وتسيطر على مزيد من المناطق كما تضغط أكثر على مشارف نصف عواصم الأقاليم في محاولة لعزلها.

وفي هذا الإطار حذرت المخابرات الأميركية من أن الحكومة الأفغانية قد تسقط في وقت لا يتعدى ستة أشهر وفقا لما ذكره مسؤولون أميركيون.

وقال مسؤول أفغاني طلب عدم ذكر اسمه إن إعادة نشر القوات ستساعد كابول في الاحتفاظ بالسيطرة على مناطق استراتيجية والدفاع عن البنية التحتية التي تشمل سدّا بني بمساعدة الهند وطرقا رئيسية سريعة.

لكن تركيز القوات في مناطق بعينها يعني أيضا ترك مناطق أخرى دون حماية وهو أمر يصعب إقناع المواطنين به، وكذلك المجموعات العرقية التي ستشعر أن السلطة المركزية تخلت عنها في مواجهة طالبان.

وتساءل المسؤول الأفغاني “كيف تبعث برسالة كتلك لجمهور مذعور؟ من المفهوم أن يشعر بذلك على مدى الأسابيع الماضية التي سيطرت فيها طالبان على مناطق”.

وتابع “لأن جزءا كبيرا من إعادة النشر تلك سيعني ضمنا على الأقل في المدى القصير أن طالبان ستملأ الفراغ الذي تتركه القوات وراءها”.

وقال الجنرال مارك ميلي رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة إن الاستراتيجية الجديدة ستتضمن “التخلي عن مراكز المقاطعات” لحماية المراكز الأكبر المكتظة بالسكان مثل كابول. وكان قد قال في وقت سابق إن “طالبان تكتسب زخما استراتيجيا” في اعتراف أميركي بنجاحات ميدانية لطالبان.

وبدوره قال كينيث ماكنزي الجنرال بقوات مشاة البحرية وقائد القيادة المركزية التي تشرف على القوات الأميركية في أفغانستان وتدعم القوات الأفغانية، بعد أن اطلع على الخطة هذا الشهر إن الأفغان يعلمون أن عليهم اختيار معاركهم.

وتابع “لا يمكنك الدفاع عن كل شيء. إذا دافعت في كل الأماكن لن تحمي أي مكان. وبالتالي أعتقد أن الأفغان يدركون أن عليهم تركيز قواتهم”، دون أن يقدم تفاصيل.

وأشار ماكنزي إلى أن الولايات المتحدة كانت لديها بواعث قلق منذ سنوات عن الأسلوب الذي تتبعه القوات الأفغانية في حراسة نقاط التفتيش بما يشمل المناطق النائية أو المحاور العدائية.

وقال “أعتقد الآن أنهم يدركون أن عليهم الانسحاب وتركيز القوات والدفاع عن تلك المناطق الحيوية للغاية”.

ووعد بايدن بتقديم دعم مالي للقوات الأفغانية ومضاعفة الجهود الدبلوماسية لإحياء محادثات السلام.

لكن طالبان لم ترد على دعوات من 15 بعثة دبلوماسية وممثل حلف شمال الأطلسي يوم الاثنين لوقف هجومها العسكري. كما أخفقت الحركة والحكومة الأفغانية في الاتفاق على وقف لإطلاق النار خلال عطلة عيد الأضحى في المحادثات التي جرت في العاصمة القطرية الدوحة.

ويعتقد مسؤولون عسكريون أميركيون أن طالبان تسعى لإنهاء الحرب بنصر عسكري على أرض المعركة بدلا من إنهائها على طاولة التفاوض.

ومع ذلك فإن الحكومة الأفغانية لا تعترف بالنجاحات الميدانية التي حققتها طالبان، حيث نفت كابول الجمعة سيطرة المتمردين على 90 في المئة من الحدود.

وقالت وزارة الدفاع الأفغانية إن إعلان طالبان سيطرتها على 90 في المئة من الحدود الأفغانية “محض كذب” مؤكدة أن القوات الحكومية تسيطر على الحدود.

وقال نائب المتحدث باسم وزارة الدفاع فواد أمان “إنها دعاية لا أساس لها”، وذلك غداة إعلان الحركة المتمردة الذي لم يكن ممكنا تأكيده من مصادر مستقلة.

وجاء إعلان طالبان الخميس في أعقاب سيطرتها على معابر حدودية رئيسية مع إيران وطاجيكستان وتركمانستان وباكستان في الأسابيع القليلة الماضية خلال هجوم واسع شنته بالتزامن مع مواصلة القوات الأجنبية انسحابها من أفغانستان.

وشدد أمان على أن القوات الحكومية ما زالت تسيطر على حدود البلاد وعلى كافة “المدن الرئيسية والطرق السريعة”.