الأزمة السودانية

السلام في السودان يواجه تحديات التحالف الجديد بين الحلو ونور

مسار سلام متعثر

الخرطوم

 دفع الجمود الذي أصاب المفاوضات بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة غير المنضوية في اتفاق السلام إلى تشكيل تحالف جديد للضغط على الخرطوم وحثها على استكمال المباحثات، وهو ما قاد إلى تحالف معلن بين الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو وحركة جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور.

وتتوقع أوساط سياسية أن يقود التحالف بين الحلو ونور إلى تعقيدات تُصعّب الوصول إلى اتفاق مماثل لما جرى مع الجبهة الثورية لأسباب تتعلق بتشبث الحركتين بمواقفهما لإقرار علمانية الدولة وبحثهما عن مكاسب نوعية.

وعقد الحلو ونور اجتماعًا مغلقًا الاثنين على هامش زيارة يقوم بها الثاني إلى مدينة كاودا (معقل الحركة الشعبية بجنوب كردفان)، أسفر عن توافق على تكوين لجان عمل مشتركة بين الطرفين، دون تقديم توضيحات بشأن اللجان وطبيعة عملها.

وتبدو هذه اللقاءات وسيلة ضغط على السلطة الانتقالية التي تخشى أن يكون هناك تكتل جديد للحركات غير الموقعة على اتفاق جوبا، في ظل اهتمام إقليمي بضرورة إنجاز السلام الشامل، لأن مكونات الحكم الانتقالي تسعى للحفاظ على المعادلة الحالية التي يحظى فيها العسكريون بنفوذ كبير مقابل تيارات مدنية وحركات مسلحة ليست بنفس القوة التي يتمتع بها الحلو في جنوب كردفان ونور في دارفور.

وعمد الحلو إلى الدخول في تحالفات سياسية عديدة مع قوى مدنية انسحبت من تحالف قوى الحرية والتغيير ووقع اتفاقيات مشتركة مع كل من الحزب الشيوعي وتجمع المهنيين السودانيين، غير أن تحالفه مع نور الذي تحظى حركته بقوة سياسية وعسكرية يزيد من مخاوف السلطة التي قد تلجأ إلى إضاعة المزيد من الوقت لحين ترتيب أوراقها.

وفشلت جولة التفاوض الأولى بين الحكومة والحركة الشعبية التي جرت مطلع الشهر الماضي في التوصل إلى اتفاق سلام يعالج الملفات الرئيسية، وقررت وساطة جنوب السودان تعليق المفاوضات لإجراء مشاورات، ولم تتمكن من التوافق على تحديد إطار زمني لعودة المباحثات مرة أخرى.

وأكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة أفريقيا العالمية في الخرطوم مصطفى الجميل أن اجتماعات كاودا تؤكد انتقال التنسيق الخفي بين الحلو ونور إلى العلن لدفع مفاوضات السلام.

وأضاف لـ”العرب” أن “التقارب يمكن أن يكون إيجابيا من جهة إرغام السلطة الانتقالية على استكمال المفاوضات في أقرب فرصة، لكن المشكلة تكمن في إصرار الحركتين على مطالبهما، بينما تبدي الحكومة مواقف صارمة في المفاوضات”.

ويبحث كل طرف عن تحالف يمكّنه من مواجهة الجبهة الثورية التي تضم حركات مسلحة وتنظيمات سياسية عديدة، ما يعني وجود قوة تدفع باتجاه أن يكون هناك اتفاق منفصل وليس ضمن اتفاق جوبا الموقع عليه في 3 أكتوبر الماضي.

ويتوقع مراقبون أن يتفجر خلاف بين الحكومة والحركتين حال جرى الدخول في مفاوضات جديدة لأنهما لن يقبلا باشتراطات وردت بحقهما في اتفاق جوبا عند الحديث عنهما، إذ تنص المادة الثامنة من الاتفاق على “السماح بانضمام أطراف جديدة بشرط موافقة الأطراف المعنية عليها بالإجماع”.

وجاء في المادة التاسعة “سيكون الطرف الجديد ملتزماً بجميع شروط والتزامات الاتفاق كما لو كان طرفاً أصيلاً فيه”، وهو أمر لن تقبله الحركتان غير الموقعتين على اتفاق جوبا للسلام.

ويغري حصول قادة الحركات الموقعة على اتفاق السلام على مناصب مهمة أطرافا أخرى للانخراط في السلطة، وقد يجري توظيف الطروحات السياسية التي يؤمن بها الحلو ونور للحصول على مكاسب تتجاوز علمانية الدولة وتقرير المصير  ووجود منبر للتفاوض من داخل السودان.

وهناك بُعد آخر في العلاقة بين الطرفين يتعلق بوضعية كليهما على الأرض، لأن الحركة الشعبية – شمال تعاني انشقاقا يؤثر سلبًا على قدراتها في التفاوض بمفردها مع الحكومة الانتقالية، وتدعم عملية استعانتها بحركة نور موقفها في أي مباحثات مقبلة، بعد أن أدركت خطورة ارتكازها على ضغط جوبا لدعمها في المفاوضات وأنه لن يكون كافيًا لتحقيق نتائج إيجابية لها.

وشكل المؤتمر الذي عقده القيادي السابق في الحركة الشعبية تلفون كوكو في جوبا الأحد، بمشاركة عدد من قيادات الحركة واتفق فيه على تعيينه قائدا للحركة بدلا من قائدها الحالي عبدالعزيز الحلو، ضربة قوية لأن الانشقاق ستكون له انعكاسات على علاقة الحلو بحكومة جوبا وقدرته على تمرير مطالبه كاملة في المباحثات.

كما أن صدور ما يوحي بدعم الحكومة الانتقالية لخطوة الانشقاق يضاعف شكوك الحلو في نواياها ويعرقل عملية استئناف المفاوضات بينهما، فعودتها للجلوس إلى الطاولة في هذه الأجواء.