ألمانيا وأمريكا
ميركل في واشنطن..الحياة تعود لضفتي الأطلسي
كان من بين الخطوات اللافتة منذ البداية، إعلان ترشيح البيت الأبيض إيمي جوتمان، رئيسة جامعة بنسلفان

كان من بين الخطوات اللافتة منذ البداية، إعلان ترشيح البيت الأبيض إيمي جوتمان، رئيسة جامعة بنسلفان
قد لا يكون الاحتفاء الاستثنائي الذي حظيت به المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في واشنطن، وهي أول زعيم أوروبي يستقبله جو بايدن خلال فترة رئاسته، مستغرباً نظراً لأهمية الدور الذي تلعبه ألمانيا على الساحة الأوروبية من جهة، ولما آلت إليه علاقات البلدين من توتر في عهد سلفه الجمهوري دونالد ترامب.
مهدت الإدارة الأمريكية الجديدة لإعادة الدفء للعلاقة بين البلدين عبر عدد من الخطوات بدأتها بإلغاء قرار كان ترامب قد اتخذه بسحب أكثر من 12 ألف جندي أمريكي من ألمانيا، تلتها خطوة اتخاذ مدينة شتوتجارت الألمانية مقراً لقيادة القوات الأمريكية في أوروبا. ثم أردفت تلك الخطوات التمهيدية بالتنازل المفاجئ في موقف الولايات المتحدة المتشدد من مشروع خط غاز «نورد ستريم 2»، عشية قمة دول السبع التي عقدت في بريطانيا.
وكان من بين الخطوات اللافتة منذ البداية، إعلان ترشيح البيت الأبيض إيمي جوتمان، رئيسة جامعة بنسلفانيا، كسفيرة للولايات المتحدة في برلين، ما أكد عزم واشنطن على ترميم العلاقات الألمانية الأمريكية. وستكون جوتمان أول امرأة تشغل منصب سفيرة الولايات المتحدة لدى ألمانيا، بدلاً من السفير ريتشارد جرينيل، الذي أثرت تصريحاته في عهد ترامب سلباً على العلاقات الألمانية الأمريكية.
ويرى المتتبع لتطور العلاقة بين البلدين حرص الأمريكيين على تمتين الروابط مع برلين في الوقت الذي صعدوا من لهجتهم ضد كل من روسيا والصين، لإدراكهم بأن الألمان حريصون على الاحتفاظ بعلاقات خالية من التوتر مع موسكو من جهة، وأنهم يتعرضون لضغوط قطاع الأعمال فيما يخص الاستثمارات في الصين وضمان استمرار فتح الأسواق الصينية أمام الشركات الأوروبية من جهة أخرى.
حفاوة خاصة
وعكست الحفاوة التي حظيت بها ميركل، سواء في البيت الأبيض أو في الدعوة الخاصة لمأدبة فطور نائبة الرئيس كاميلا هاريس، التي قالت إنها تشرفت للغاية بلقاء المستشارة الألمانية، حرص الطرفين على التمسك بما تبقى من روابط «القيم المشتركة» التي تحدثت عنها هاريس، في استمرار العلاقات الحيوية مع برلين حتى ما بعد مغادرة ميركل منصبها بعد شهرين.
وكانت إدارة بايدن التي وجهت الدعوة للمستشارة لزيارة واشنطن خلال قمة السبع، حريصة على معالجة العقبة الأساسية التي تحول دون عودة العلاقات إلى طبيعتها، وهي مشكلة اتفاق خط أنابيب «نورد ستريم 2» الذي ينقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر البلطيق بعيداً عن أوكرانيا، ما يحرم الأخيرة من عائدات المرور التي هي في أمسّ الحاجة إليها.
فقد اتخذت الإدارة قراراً بتعليق العقوبات الأمريكية على خط الأنابيب، وهو الخط الذي سينقل 55 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً إلى ألمانيا ودول أوروبية أخرى، وتتجاوز تكاليفه 12 مليار دولار. وترى إدارة بايدن التي تعرضت لانتقادات من الجمهوريين في الكونجرس حول تعليق العقوبات، أنه يشكل اختراقاً سياسياً روسياً في أوروبا يهدد أمنها من عدة طرق.
وقد كان الاتفاق بين ميركل وبايدن حول مشكلة الخط من أبرز إنجازات الزيارة باعتباره أزال الكثير من الإشكالات في العلاقة بين البلدين. وقد تم التأكيد على قوة الشراكة بين البلدين والموقع الذي تشغله واشنطن كدولة شريكة وليس مجرد صديقة. وقال بايدن في ختام اللقاء، إنه والمستشارة ميركل مقتنعان تماماً بأنه يجب عدم السماح لروسيا بأن تستخدم الطاقة سلاحاً لإكراه جيرانها أو تهديدهم. ورحبت ميركل بالاتفاق الذي تم التوصل إليه مع الولايات المتحدة حول مشروع خط الأنابيب، لكنها أضافت بأن «خلافات» ما زالت قائمة.
مشاريع الطاقة
وقالت ميركل، إن الاتفاق بشأن «نورد ستريم 2» الذي يهدد بفرض عقوبات على روسيا في حال استخدمت طاقتها سلاحاً ضد أوكرانيا، هو خطوة جيدة تظهر الاستعداد لدى برلين وواشنطن للعمل على الوصول إلى تسوية، رغم أن هناك خلافات لا تزال قائمة.
وأشار الاتفاق إلى أن ألمانيا سوف تستمر في دعم مشاريع الطاقة الثنائية مع أوكرانيا، وخصوصاً في مجال الطاقة المتجددة، من خلال تخصيص مبلغ 70 مليون دولار أمريكي لدعم تلك المشاريع، ولتسهيل انضمام أوكرانيا إلى مشروع بناء القدرات السيبرانية الألمانية.
وكانت مبادرة البحار الثلاثة حاضرة على طاولة المفاوضات؛ حيث أكد البيان المشترك أن ألمانيا سوف تساند دعم مشاريع الطاقة من ميزانية الاتحاد الأوروبي، وتُسهم بمبلغ يصل إلى 1.77 مليار دولار بين عامي 2021 و2027. والأهم من ذلك أن ميركل تعهدت بأن تستمر ألمانيا في ممارسة الضغوط باتجاه استمرار مرور الغاز الروسي عبر أوكرانيا لمدة عشر سنوات.
وتأمل واشنطن أن يتمثل الرد الألماني الإيجابي على مبادراتها حيال برلين، في تليين موقفها فيما يتعلق بحجم الإنفاق الدفاعي، وهو الالتزام الذي تعهدت به الدول الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو عام 2014 بزيادة إنفاقها العسكري إلى 2% من الناتج القومي قبل 2024. و قد عارضت ألمانيا هذا الاقتراح سابقاً، ما عمّق الخلاف مع إدارة ترامب التي قررت سحب القوات الأمريكية من ألمانيا.
واستغلت ميركل التوجهات الانفتاحية لإدارة بايدن وتركيزها على العلاقات متعددة الأطراف ولم الشمل بين الحلفاء، في طرح رؤية ألمانيا لحل مشكلة الرسوم الجمركية التي فرضتها الإدارة الأمريكية السابقة على منتجات الصلب والألومنيوم المستوردة من دول الاتحاد الأوروبي، والتي جمدها بايدن مؤقتاً.
الوباء والمناخ
وفي الوقت الذي تستعد ميركل لمغادرة منصبها أسهمت زيارتها لواشنطن، وهي آخر زيارة رسمية تقوم بها، في وضع الأسس الأولية لعودة التنسيق بين ضفتي الأطلسي، في وقت يبدو الطرفان، ومعهما كل دول العالم في حاجة إلى التنسيق في مواجهة عدد من المشاكل الملحة وعلى رأسها مواجهة الوباء الذي استوت فيه معاناة الدول الغنية مع الفقيرة، وهو يتطور يومياً حاملاً تحديات جديدة. ويهيّئ اللقاء الفرصة للتعاون بين واشنطن وبرلين من خلال تطوير وتوزيع اللقاحات عبر دعم جهود منظمة الصحة العالمية.
ويأمل العالم أن يعزّز الاتفاق الأمريكي الألماني أيضاً فرص التعاون والتنسيق العالمي في قضايا المناخ والتجارة الحرة، خاصة أن من أولويات الرئيس بايدن إزالة العقبات في وجه التجارة مع أوروبا التي تعرضت لنكسات متتالية، في ظل سياسة الحمائية التي فرضها ترامب عبر شعار «أمريكا أولاً».