انتقادات للتعويل الأميركي المستمر على إسلام أباد

باكستان تشعل الأزمات وتبادر لإطفائها

لم يعد تعويل الإدارة الأميركية على باكستان واعتبارها حليفا يلقى ترحيبا من قبل أوساط أميركية تنظر للبلاد كراع للفوضى والإرهاب في أفغانستان.

رعاية باكستانية

واشنطن

 تستفز التصريحات الأميركية المثمنة لدور باكستان في إيجاد حل للأزمة الأفغانية خبراء أمنيين أميركيين يرون أنه حان الوقت لإعادة النظر في العلاقات معها.

وفي 27 أغسطس، غرد السناتور الأميركي ليندسي غراهام أن “أي حل مستدام في أفغانستان يجب أن يشمل باكستان”، معربا عن تقديره لـ”جهود الحكومة الباكستانية للمساعدة في إجلاء المواطنين الأميركيين وحلفائنا”.

ويقول هؤلاء الخبراء إن باكستان أمضت عقودا في إشعال الحرائق في جنوب آسيا ثم توقعت الثناء والمكافأة لعرضها إخمادها وهو الأمر الذي يواصل المسؤولون الأميركيون نشره. وتقول الخبيرة الأمنية الأميركية كارول كريستين فير “حان الوقت للتفكير بشكل نقدي في ضعف واشنطن الدائم أمام خدع باكستان التي تسعى إلى تحقيق الريع. فلطالما كان كلا الحزبين السياسيين مسؤولين عن تدليل باكستان وعلى الرغم من أن تورط باكستان في أفغانستان يعود إلى ما يقرب من سبعة عقود، إلا أن النخبة في واشنطن تستمر في الوقوع في فخ جهود هذه البلاد لتسويق نفسها كحل للمشكلات ذاتها التي أوجدتها”.

وتعود الخبيرة الأميركية في مقال لـ”فوريين بوليسي” إلى جذور التدخل الباكستاني في أفغانستان قائلة “كانت باكستان تهتم بشؤونها عندما أقنعتها الولايات المتحدة في 1979، بتحمل عبء النضال ضد الشيوعية في أفغانستان التي يسيطر عليها السوفييت. ويزعم المسؤولون الباكستانيون أنهم كانوا ضحية الغدر الأميركي عندما نسيت واشنطن وجود بلادهم في التسعينات، تاركة إسلام أباد للتعامل مع الفوضى بينما فرضت عقوبات على الحليف المخدوع بسبب جهوده المعروفة لتأمين سلاح نووي”.

لكن مراقبين يرون أن لمصالح باكستان في أفغانستان جذورا عميقة حيث ورثت إسلام أباد المفهوم البريطاني لأفغانستان كدولة عازلة مع روسيا.

اتخذت أفغانستان قرارات مصيرية مبكرة من شأنها أن تضع البلاد في منافسة أمنية لا يمكن كسبها مع باكستان. وحاولت أفغانستان في البداية منع محاولة باكستان للانضمام إلى الأمم المتحدة. وبدءا من سبتمبر 1950، بدأت أفغانستان عمليات توغل عسكرية في المناطق القبلية الباكستانية ومقاطعة بلوشستان. واستمرت جهود أفغانستان في استعداء جارتها الأقوى في السبعينات.

وفي المقابل بدأت باكستان، التي تسعى للتأثير على جارتها الغربية العنيدة، في دعم نمو التنظيم الإسلامي الإصلاحي “الجماعة الإسلامية” في أفغانستان، حيث لم يكن لديها في الأصل سوى القليل من الدعم. وكان هذا التطور مواتيا. حيث كانت غالبية ما يسمى بجماعات المجاهدين التي ستحشدها باكستان في نهاية المطاف متجذرة في الجماعة الإسلامية.

ودمجت المخابرات الباكستانية حوالي خمسين من مجموعات المقاومة الأفغانية في عدد أصغر يمكن التحكم فيه. وتكفلت وكالة الاستخبارات الباكستانية بتعميق الروابط بين الجماعات الإسلامية الباكستانية والأفغانية. وأسفرت هذه الجهود عن سبع مجموعات إسلامية مسلحة سنية أفغانية رئيسية، بالإضافة إلى العديد من الجماعات الشيعية. وبحلول الوقت الذي عبر فيه السوفييت نهر جيحون (آموداريا) إلى أفغانستان، كان جيش ضياء الحق وجهاز المخابرات الباكستانية قد أنشآ بالفعل الجماعات الإسلامية الرئيسية التي أصبحت لاحقا حجر الزاوية لما يسمى الجهاد ضد السوفييت.

تقول فير “هذا الانخراط في دعم الجماعات الإسلامية مستمر اليوم. وقد رعت المخابرات الباكستانية حركة طالبان في تجسدها الأول وساعدت في إنشائها ودعمها. وعادت إلى فعل الشيء نفسه بعد سقوط نظام طالبان في أواخر سنة 2001. وقد نشرت خبراءها لتزعم خلاف ذلك باستخدام نفس الإستراتيجية القديمة. وتزعم باكستان أنها الضحية الحقيقية للإرهاب، وأنها تتعرض للضرر ظلما، وإذا أراد الغرب محاربة الإرهاب، فعليه أن يمنح باكستان المزيد من الأموال ويتجاهل أخطاءها، التي تشمل رعاية العديد من الجماعات الإرهابية الإسلامية”.

إن الباكستانيين العاديين هم في الواقع ضحايا للوحوش الإرهابية - وحوش ربّتها المخابرات العسكرية ودرّبتها. وسبق لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أن أمام تجمع للباكستانيين في 2011، “لا يمكنك الاحتفاظ بأفاعي في فناء منزلك الخلفي وتتوقع منها أن تعض جيرانك فقط”. ومع ذلك، تواصل إسلام أباد ذلك، وتقدم خبرتها في اصطياد الثعابين عندما تهرب.

وترجع الخبيرة الأميركية ثقة الولايات المتحدة في باكستان لعدة أسباب، فأولا وقبل كل شيء، تستغل باكستان عدم تناسق المعلومات.

وتضيف “غالبا ما يفتقر  الأميركيون إلى المعرفة الأكثر بدائية عن العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان ويميلون إلى الإقتناع بالروايات المعروضة. حتى أن مسؤولي الاستخبارات ليسوا على دراية كافية بالعمليات مع باكستان، ويرجع ذلك جزئيا إلى مشكلات الحصول على تصاريح للاتصالات الدولية الجوهرية والسفر. وتشمل التعيينات الخريجين الشباب غير المتمتعين بالخبرة الدولية”.

وتتفهم إسلام أباد قيمة وفود الكونغرس في تشكيل آراء صانعي السياسة. وتستغني، على عكس الهند المقيدة بالبروتوكول، عن جميع البروتوكولات الدبلوماسية في هذه المناسبات. ويلتقي المندوبون بقائد الجيش، ورئيس وكالة الاستخبارات الباكستانية، ورئيس الوزراء، وغالبا ما يتم التعامل معهم من خلال فرص السياحة العسكرية.

ومع إغلاق السفارة الأميركية في كابول من المحتمل أن تجد الولايات المتحدة نفسها أكثر اعتمادا على باكستان لأنها تسعى إلى غرس موطئ قدم للاحتفاظ بالتعاون الاستخباراتي وقاعدة محتملة للطائرات دون طيار لاستهداف ملاجئ الإرهابيين في أراضيها. وستستمر باكستان في تقديم الحد الأدنى من النتائج لتبرير النفقات لكونغرس أميركي يكون دائما حذرا منها دون فعل أي شيء ذي معنى للحد من اعتداءاتها التي لا تعد ولا تحصى. وتستفيد الأصول الباكستانية المسلحة المدرّبة للعمل في الهند بشكل كبير من الملاذات الآمنة للإرهابيين التي تحميها الحكومة الأفغانية التي تقودها طالبان.

وتتساءل فير “بدلا من المشي لمسافات طويلة على طول المسار غير الآمن الذي تسلكه واشنطن مع باكستان منذ الخمسينات، هل يمكننا تخيل مستقبل مختلف للعلاقات بين البلدين؟ نعم. لكن الأمر يتطلب شجاعة سياسية تفتقر إليها واشنطن”.

وتشرح بالقول “أولا، يجب على الولايات المتحدة أن تنسى الخوف من أن باكستان أخطر من أن تفشل. وتُجبر باكستان الولايات المتحدة وبقية المجتمع الدولي من خلال إثارة شبح انهيار دولة حيث تقوم واحدة أو أكثر من الجماعات الإرهابية المتنوعة في باكستان بتأمين أسلحة نووية أو مواد انشطارية. ولدرء هذا السيناريو، كانت الولايات المتحدة تريد تجنب فرض عقوبات ثنائية على باكستان، ناهيك عن قطع إمداداتها عن الأنظمة المالية الدولية. والغريب أن باكستان تحصل على كعكتها وتأكلها أيضا”.

وبينما تريد الدولة الباكستانية العميقة أن يُنظر إليها على أنها مؤهلة، فهي سعيدة تماما بتشجيع هذا الاعتقاد، لأنه مربح. كما أن الدولة العميقة لا تهتم حقا بالخسارة في أرواح الباكستانيين من ردود الفعل العكسية، لاسيما إذا كانت الخسائر في صفوف مواطنين فقراء.

ومع ذلك، فقد أثبتت باكستان أنها مستقرة في حالة عدم استقرار شديدة.

فلم يكن من المتوقع أبدا استمرارها كدولة مستقلة نظرا للتفاوت في الموارد البشرية وغيرها من الموارد الموروثة من مستعمرة شبه القارة الهندية البريطانية السابقة. وتوقع البريطانيون والهنود على حد سواء عودة باكستان إلى الهند. وبعد مسار الاستقلال البنغالي، توقع العديد من المعلقين اللاحقين أن تخضع باكستان للمزيد من المطالب العرقية. ولم يحدث ذلك. وخرجت باكستان من حرب 1971 أقوى وأكثر قدرة على إبراز مصالحها على الرغم من خسارة نصف سكانها ومواردها الطبيعية الثمينة ومساحتها الكبيرة. كما نجت باكستان من أكثر الكوارث الطبيعية فداحة دون أي آثار سلبية متوقعة من الدرجة الثانية. وقد حان الوقت للتخلي عن فكرة أن باكستان ستنهار أو التخوّف من انهيارها.

وتكتسي نفس القدر من الأهمية الأسطورة المزدوجة القائلة بأن الأسلحة النووية الباكستانية ستقع في أيدي الإرهابيين. إن أهم أصول باكستان هي أسلحتها النووية. وتبقى هذه الأسلحة تهديدات مفيدة فقط إلى الحد الذي تتمتع فيه باكستان بقيادة وسيطرة موثوقة. وفي حين لا يمكن للمرء أبدا استبعاد الأحداث ذات الاحتمالية المنخفضة، فإن الحقيقة هي أن مصالح باكستان في تأمين هذه الأسلحة والمواد الانشطارية والتكنولوجيا تتوافق تماما مع مصالح الولايات المتحدة.

وبدلا من السعي للاحتفاظ بالوصول إلى بلد ما من خلال محاولة تأجيره، يجب على الولايات المتحدة أن تتخلى عن الوهم الذي يزعم وجود مزيج غامض من الإغراءات التي ستجعل من باكستان دولة مسؤولة.

وترى فير أنه “يجب على واشنطن وشركائها في الوقت الحالي التركيز على تخفيف الكارثة الإنسانية التي خلقتها الولايات المتحدة وباكستان. ويجب على المجتمع الدولي أن يطالب باكستان بتوفير ممر آمن لأولئك الأفغان الذين لا يريدون أن يعيشوا مكبلين أمام أهوال نظام طالبان. ويجب أن توفر ممرا آمنا حتى لأولئك الأفغان الذين عملوا في الحكومة الشرعية والذين قد يُنظر إليهم على أنهم أعداء لباكستان وحلفائها من طالبان. ويجب تعويض باكستان عن هذه الخدمات من خلال هيكل تكلفة وثيق الصلة بالاقتصاد الباكستاني بما يتعارض مع شروط السداد المربحة لبرنامج صناديق دعم التحالف. ويجب أن تكون هناك عقوبات قاسية للفشل في حماية الأفغان أو تسهيل إعادة توطينهم في مكان آخر”.

وتضيف “في نفس الوقت، يجب على الولايات المتحدة أن تتخذ خطوات لمعاقبة باكستان على دعمها العسكري المستمر لطالبان وشبكة حقاني والمتشددين الإسلاميين الآخرين الذين تستخدمهم في الداخل والخارج”.

وأعلنت حركة طالبان عن حكومتها المؤقتة، والتي تضم الإرهابي المعلن سراج الدين حقاني، وهو زعيم شبكة إرهابية وحشية تحمل نفس الاسم، وزيرا للداخلية بالإنابة، بالإضافة إلى العديد من الأشخاص الآخرين المدرجين على قوائم عقوبات أميركية وأخرى تابعة للأمم المتحدة.

وبحسب فير يجب أن يعمل الكونغرس على تجريد باكستان من وضعها كحليف رئيسي من خارج الناتو، وهو ما أعلنه وزير الخارجية آنذاك كولن باول في 2004. وبينما كان الهدف من التصنيف تعزيز الإيمان الباكستاني بالتزام الولايات المتحدة تجاه الدولة حيث سعت للحصول على دعم باكستان في حملاتها الدولية لمكافحة الإرهاب، كان من المفترض أيضا أن تكون وسيلة للحصول على وجه السرعة على المنصات العسكرية الباكستانية لنفسها بالإضافة إلى مجموعة من الامتيازات الأخرى. وفشلت جهود الكونغرس السابقة لحرمان باكستان من هذا الوضع، بما في ذلك تلك التي حدثت في يناير الماضي. وحان الوقت لإنهاء هذه المهزلة.

كما يجب على الولايات المتحدة أن تفرض عقوبات بشكل حاسم وبموجب وزارة الخزانة على أي مسؤول باكستاني توجد بشأنه معلومات استخباراتية موثوقة تشير إلى أنه دعم شبكة مرافق تدريب الإرهابيين في باكستان وأفغانستان. وستركز مثل هذه العقوبات المحددة على أسوأ الجناة، دون زيادة إفقار أكثر من 200 مليون باكستاني الذين هم أيضا رهائن لدولتها العميقة.

كما يجب على الولايات المتحدة أن تعلن باكستان دولة راعية للإرهاب مع معايير محددة بوضوح يمكن بموجبها عكس هذا الوضع. حيث تصنف وزارة الخارجية كوبا وكوريا الشمالية وإيران وسوريا على أنها راعية للإرهاب. فكيف لا تفي باكستان بالمعايير؟

وحتى إذا كانت واشنطن تفتقر إلى الشجاعة لإعلان باكستان دولة راعية للإرهاب، فعليها على الأقل أن تسمح بوضعها على القائمة السوداء التي تستحقها عندما تقيّمها مجموعة العمل المالي (وهي الهيئة العالمية التي تقيم الفساد وغسل الأموال وتمويل الإرهاب في الأنظمة المالية الوطنية) في المرة القادمة. فقد فضلت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بشكل غير رسمي أن تظل باكستان على القائمة الرمادية للمنظمة لضمان استمرارها في تلقي تمويل من صندوق النقد الدولي.

وتخشى باكستان من إمكانية فرض حتى أكثر العقوبات تواضعا على اعتداءاتها التي لا نهاية لها وهذا هو السبب في أنها شنت هجوما دبلوماسيا آخر واستهدفت منتقديها. ويحتاج القادة الأميركيون إلى التوقف عن الوقوع في هذا الخط والبدء في التأكد من أن إسلام أباد تدفع ثمن أفعالها المتهورة وتكلفة أرواح الأفغان والهنود والباكستانيين.