اليمن..

جذور طائفية وسياسية وراء إعدام 9 أشخاص جماعياً

الصماد في أحد المناهج الدراسية- وسائل التواصل الاجتماعي

كيوبوست

نفذت سلطات الحوثيين في اليمن حكم الإعدام بحق تسعة أشخاص زُعم تورطهم في مقتل زعيم حوثي بارز في عام 2018. تم تنفيذ حكم الإعدام يوم السبت 18 سبتمبر، وسط حشد جماهيري في ميدان التحرير في صنعاء، والذي يُعد أحد أشهر ميادين العاصمة ورمز ثورة26  سبتمبر، التي قضت على الحكم الزيدي الملكي في عام 1962.

وحسب وكالة الأنباء اليمنية “سبأ”، التابعة للحوثيين، فقد نفذت النيابة العامة حكم القصاص الشرعي بحق تسعة من أعضاء خلية “تخابر”، متورطين في جريمة اغتيال صالح علي الصماد، ومرافقيه، في مدينة الحديدة، في19  أبريل 2018م.


يُذكر أن سلطات الحوثيين قد أدانت16  شخصاً في قضية مقتل الصماد، وأقرت عليهم الإعدام حداً وقصاصاً وتعزيراً، وتشمل قائمة المدانين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حسب ما نشرته وكالة الأنباء.

يُعد صالح الصماد أحد أبرز قادة الحركة الحوثية؛ حيث كان يرأس المجلس السياسي الأعلى في حركة أنصار الله (الحوثيين)، وكان له دور بارز في اتفاق التحالف بين الحوثيين وحزب الرئيس اليمني السابق علي صالح، (حزب المؤتمر الشعبي العام)، والذي عزز من قوة حركة المتمردين. كان الصماد أحد مريدي حسين بدر الدين الحوثي، أحد زعماء الزيدية، وأحد قادة الحوثيين.

قُتل الصماد في غارة جوية نفذها التحالف العربي، وذلك خلال زيارة قام بها لمحافظة الحديدة، وقد وُجهت تهمة التخابر إلى المُدانين التسعة الذين ادعت سلطات الحوثيين أنهم كانوا قد أسهموا في عملية تحديد وتتبع الصماد؛ لكن تُهم الحوثيين لاقت غضباً محلياً كبيراً، حيث وصف وزير الإعلام اليمني المحاكمة بأنها “صورية”،كما  أكد بيان صادر عن وزارة حقوق الإنسان التابعة للحكومة الشرعية، أن المحاكمة “باطلة تفتقد أبسط مقومات العدالة من قِبل محكمة غير قانونية”.

أدانت عدة منظمات ومؤسسات يمنية وغير يمنية تنفيذ الحكم، والذي شمل فتًى قاصراً لم يبلغ الثامنة عشرة من العمر،كما أن مُداناً عاشراً كان قد لقي حتفه تحت التعذيب في السجن. ومن بين المنظمات والمؤسسات التي شجبت المحاكمة، هيئة مجلس النواب التابع للسلطات الشرعية، والمركز الأمريكي للعدالة، والبرلمان العربي، والتحالف الوطني للأحزاب، والقوى السياسية.. وغيرها.


يحظى صالح الصماد بمكانة عالية لدى جماعة الحوثي، ويأتي تنفيذ حكم الإعدام مع موعد حلول ما يسميه الحوثيون الثورة التصحيحية في عام 2014، والذي يصادف 21 سبتمبر. كان عام2014  هو العام الذي التحق فيه الصماد بالسلك السياسي التابع للحوثيين، وبدأ مسيرته كمستشار سياسي. يتم تدريس سيرة الصماد في مناهج التعليم في المدارس الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وذلك ضمن جهودهم لتثبيت المبادئ الجهادية والإسلام الثوري، التي يقوم عليها الفكر والحكم الزيدي الذي يُعد امتداداً للنهج الإيراني الشيعي في اليمن، وامتداداً لحكم الأئمة الزيديين الذين حكموا اليمن الشمالي لقرون حتى عام 1962 م.

جذور تاريخية وطائفية

إن ردة الفعل الوحشية، التي تبنتها الحركة الحوثية، لمقتل الصماد تمثِّل أبعاداً أعمق من تقديم أبرياء للانتقام وخلق شعور زائف بالرد، ويمكن ملاحظة ارتباطات وعوامل تفسر هذا السلوك لدى الحوثيين؛ ومن أهمها العلاقة بين الطائفة الزيدية في اليمن والمجتمع التهامي في الحديدة، حيث إنه من المعروف أن أهالي الحديدة، إذ ينتمي المدانون التسعة، سُنَّة شوافع، ولطالما دخلوا في صراع مع حكم الزيدية، وهي طائفة شيعية، طوال التاريخ.

غالباً ما كان سكان المناطق الشافعية في شمال اليمن؛ مثل الحديدة وتعز، يتبرمون من تسلُّط الطائفة الزيدية والسلالة الهاشمية أثناء حكم الملكية الزيدية في البلاد، ولطالما شكوا التمييز العنصري والمذهبي؛ مما أدخلهم في عدة صراعات مع السلطات. خلال الستينيات من القرن الماضي، على سبيل المثال، لعب أهالي وضباط وموظفو الشرطة في الحديدة وتعز دوراً محورياً للإطاحة بحكم الإمامة الزيدية، أسلاف الحوثيين، في شمال اليمن. وتم تنفيذ عدة هجمات؛ منها إلقاء القنابل في قصر الحاكم بتعز، ومحاولة اغتيال فاشلة للإمام أحمد بن يحيى في الحديدة.


من جانب آخر، تعد الحديدة أحد أكثر الأماكن أهمية في شمال اليمن؛ بحكم موقعها الاستراتيجي على البحر الأحمر، ومينائها الذي يُعد نافذة شمال اليمن على العالم؛

هذه الأهمية جعلت اهتمام مؤسسة الحكم الزيدية تستميت في الحفاظ عليها وإخضاعها لسيطرتها، لكن النهج الزيدي المتشدد يحتم على زعمائه إبقاء هذه المناطق على مستوى حد الكفاف، وإبقاء الأهالي في حالة عوز وضعف دائم؛ حتى لا يفكروا مطلقاً في الاستقلال بأمرهم، لأسباب مذهبية معززة بقدرات اقتصادية.


وبدافع من ذلك النهج المتشدد، نرى أهالي الحديدة في حالة تنكيل واستبداد دائم من قِبل سلطات الحوثيين وأسلافهم، ولا أدل على ذلك، في التاريخ المعاصر، من وجود كمية هائلة من الألغام الأرضية التي زرعها الحوثيون في الحديدة، وهي الكمية الأكبر تقريباً في اليمن، إضافة إلى موجات التهجير والقنص التي يتعرض إليها المواطنون باستمرار منذ اندلاع الصراع.


إن إعدام تسعة أبرياء من قِبل الحوثيين بتبجح وإصرار في ساحة عامة، والابتهاج بذلك، ليس مجرد حادثة عنيفة أخرى يقوم بها الحوثيون؛ بل هو انعكاس لتاريخ دموي لهذه الطائفة، وانعكاس لفكر متطرف، ناهيك بالتأثر بالنظام الإيراني، الداعم الأول للجماعة؛ حيث تعتبر إيران إحدى أكثر دول العالم تنفيذاً لحكم الإعدام، بما في ذلك إعدام أشخاص تقل أعمارهم عن18  عاماً.

غالباً ما تستخدم السلطات في إيران عقوبة الإعدام ضد المعارضين السياسيين، بعد إدانتهم في محاكمات جائرة استناداً إلى أدلة مشبوهة، وتعذيب أثناء انتظار الحكم. وتشمل أسباب أحكام الإعدام بشكل عام في الدول التي تمارس هذه العقوبة، التمييز الاجتماعي والديني والطائفي، وتسعى عدة منظمات ودول، منذ عقود، لإلغاء هذه العقوبة التي تعدها منظمات، مثل “العفو الدولية”، انتهاكاً لحقوق الإنسان.


يُذكر أن نحو 170 دولة أبطلت عقوبة الإعدام أو أوقفت تنفيذها؛ سواء بالقانون أو الممارسة، وقد تم تحديد يوم10  أكتوبر من كل عام يوماً عالمياً لمناهضة عقوبة الإعدام.

يسعى الحوثيون لإقامة حكم سلالي طائفي متزمت في اليمن بدعم من إيران، والأخذ بتلابيب الشعب إلى عصر الظلمات؛ من خلال العنف الجسدي والفكري والتسلُّط، ولا يمكن سوى للجهد الدولي والإرادة المحلية إيقاف هذه المسيرة الباطلة التي تزعزع الاستقرار في المنطقة العربية.