معضلة أمنية معقدة..

خطابات التطرف.. هل تهرب من حصار تويتر وتلغرام إلى ساوند كلاود وسبوتفي؟

محمود زكي

تحولت المنصة الإلكترونية الشهيرة ساوند كلاود إلى منصة بديلة وآمنة لتنظيم الدولة الإسلامية والجماعات المتطرفة في الغرب لنشر خطاباتها المتشددة بعد اشتداد الحصار عليها في المنصات ووسائل التواصل الاجتماعي التقليدية.

تعد محاصرة خطاب الكراهية والعنف التحدي الأصعب للسلطات التي تحارب الجماعات المتطرفة والشركات التي تدير مواقع التواصل الاجتماعي. فأمام الإجراءات التي اتخذتها منصات تقليدية مثل تويتر وفيسبوك وتلغرام، لجأ المتطرفون إلى منصات أخرى صاعدة، على غرار موقعي ساوند كلاود وسبوتفي.

مع صعود موجة البودكاست، سجلت هذه المواقع مؤخرا حضورا مكثّفا لخطابات جماعات متطرفة، بشقيها الغربي والإسلامي، على غرار البديل الألماني وتنظيم الدولة الإسلامية. وميزة هذه المواقع أنه يصعب فرض رقابة على المقاطع الصوتية التي تنشر فيها.

منصة جديدة لداعش

اقتحمت المئات من المقاطع الصوتية الدينية الطويلة والقصيرة مواقع التواصل الاجتماعي التي تعتمد على خاصية الصوت بشكل ملحوظ ومربك. وفي قلب المنصة الأشهر والأكثر استخداما لاستماع الموسيقى في العالم ساوند كلاود، أضحت أمام كل مستخدم إمكانية الاستماع لخطب دينية تدعو تارة إلى أفكار راديكالية، وأخرى تشرح وسائل تنفيذ أعمال متطرفة.

لم يتوقف زحف خطاب داعش الإعلامي عند ساوند كلاود، لكنه وضع لائحة من العشرات من التطبيقات ومواقع التحدث والتواصل الجديدة لتكون بديلا لتويتر وتلغرام اللذين ظلا من الأدوات الأكثر تطويعا في يد الجماعات الجهادية في السنوات الماضية. ومن بين تلك المواقع تام تام ورويت الروسيان وروكت شات الأميركي وبي.سي.أم الصيني. وكان داعش استخدم تطبيق تام تام ليعلن عبره عن مسؤوليته عن هجوم جسر لندن.

 

ويقول ديفيد غليبرت، الباحث المتخصص في الإرهاب الرقمي بجامعة ليستر البريطانية، إن داعش واجه حصارا قويا في العامين الأخيرين بعد النشاط الكبير للفرق الأمنية بموقعي التواصل التقليديين فيسبوك وتويتر، بسبب الضغط الذي فرضته الحكومات الأوروبية والمجتمع الدولي عليهما لسد الثغرات أمام حراك المتطرفين على وسائل التواصل الاجتماعي.

وأوضح لـ”العرب” أن داعش عاجز الآن، ويواجه الكثير من التحديات الميدانية والافتراضية، ما جعل فرق التنظيم الخاصة بمنصات التواصل تتجه نحو وضع شروط جديدة تتناسب مع الخطاب الإعلامي لداعش وتدعم قدراته على الإدارة والتجنيد على الإنترنت.

ويفضل داعش دائما المنصات متعددة الخصائص، ولديه قدرة على جذب الناشطين على تلك المواقع. ومن أهم الخصائص المطلوبة تقديم الموقع لخدمات التواصل عبر الكتابة والرسائل الصوتية والفيديو، والنشر المفتوح بين هذه الخصائص الثلاث.

وتكمن الغاية الأهم في وجود روابط أو منتديات مغلقة تستطيع أن تضم أعدادا كبيرة، لكن دخول المنتدى له شروط ويجب أن يحصل على موافقة مؤسسه. وأضاف غليبرت أن بي.سي.أم أكثر المواقع المرشحة لأن تكون البديل لموقع تلغرام بعد غلق الآلاف من الحسابات المشبوهة عليه.

ورأى الباحث الأميركي الهندي الأصل أن المنصة الصينية تتميز بجودة شبكتها وسهولة استخدامها، وفتح الباب أمام إنشاء مدونات يصل الأعضاء فيها إلى أكثر من مئة ألف شخص، لافتا إلى أن أهم مميزات بي.سي.أم هي اعتماد وسائل التواصل بين الأعضاء على الرسائل الصوتية المؤمّنة التي يصعب اختراقها أو فك شفرتها.

منظومة أمان قوية

 

 

لم تنتظر الجماعات المتشددة كثيرا لحسم مسألة البديل الرقمي الجديد، واتجهت مباشرة إلى المنصات الصوتية الشهيرة، مثل ساوند كلاود وسبوتفي كمنصات مؤقتة لتمرير خطابات جهادية وسط أغان ومقاطع دراسية لصعوبة تعقبها، لأنه إذا امتلكت تلك المواقع الشهيرة منظومات أمان قوية فإنها ستستغرق بعض الوقت لاكتشاف المقطع المتطرف.

ويبدو من الحالة التي وصل إليها الموقع، أن هناك ثغرات في الرقابة الفنية والبحثية للمقاطع الصوتية، التي تحمل دعوات وخطابات كراهية وحثا مفرطا على العنف. وتتشابه تلك الصور مع بدايات سيطرة الجماعات المتطرفة، مثل تنظيمي القاعدة وداعش، على منصات بعينها، مثل تويتر وتلغرام، لتجنيد الشباب وإدارة عمليات دون قدرة حقيقية على دحر تلك الحسابات المتشددة.

وأوضح الخبير في مواقع التواصل الاجتماعي أحمد علاء أن خصائص وسمات منصات التواصل عبر الرسائل الصوتية تتيح لأي مستخدم بث مقطع صوتي لم يخترق حقوق الملكية الفكرية للأغاني الشهيرة، لكنه لا ينظر بدقة إلى المحتوى من خطابات ومواعظ دينية يتم بثها باعتبار أن أساس بناء تلك المواقع تقديم الأغاني وتشجيع المواهب على نشر أعمالها على المنصة.

وأشار علاء في تصريح لـ”العرب” إلى أن ساوند كلاود، الذي أطلق منذ أكثر من 11 عاما بالسويد، فتح الباب أمام من يريد إلقاء محاضرات ومناقشات في موضوعات معينة. واختار الكثير من الأكاديميين حول العالم هذه المنصة لنشر أفكارهم ودراساتهم والتواصل بشكل غير مباشر مع الطلاب والباحثين على الموقع بحكم كثافة استخدامه. ووصل الأمر إلى أن المحطات الإذاعية أضحت تركز على بث حلقاتها على الموقع أكثر من شبكتها الإذاعية لأن عدد المستمعين أكبر على الإنترنت.

 

 

وضعت تلك التحولات إدارة ساوند كلاود أمام تحديات خاصة بمراجعة كل كلمة يتم بثها للتأكد من عدم انتهاكها لقواعد الموقع، وهي مسألة شديدة الصعوبة، وسمحت للخطاب المتطرف بالتسرب من بين الملايين من المقاطع.

وتتسبب بعض المواقع في إجبار المستخدم أحيانا على الاستماع تلقائيا لخطب أو مقاطع لم يخترها، وأشهر تلك الخصائص، خدمة التنقل العشوائي بين الأغاني والمقاطع المسجلة، بحسب نظام الترشيحات المفضلة؛ وهي سلسلة اختيارات يقدّمها الموقع للمستخدم عشوائيا، حسب المعلومات المذكورة عنه واختياراته. فمثلا إذا قام المستخدم بسماع سورة من القرآن الكريم أو إنشاد ديني أو ترانيم معينة، يقدم له الموقع تلقائيا خطبا دينية عامة. تمثل تلك السمة أكثر الخصائص خطورة، لأنها تسهّل على صاحب المقطع إيجاد الشرائح المطلوبة بسهولة.

خطاب معاد للمهاجرين

 

لم تعد تلك النزعة المتشددة على الموقع محصورة في الوازع الديني وحده، حيث قدّمت دراسة لجامعة مانشستر البريطانية تفنيدا لظاهرة بث خطاب الكراهية عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وجاءت المواقع ذات الخدمات الصوتية ضمن المراتب المتقدمة التي يفضلها أصحاب الآراء اليمينية والشعبوية لإذاعة أفكارهم دون حائط صد لتلك الأفكار المتشددة.

وكان حزب البديل الألماني واحدا من أكثر الأحزاب التي لجأ أنصارها إلى استخدام موقعي ساوند كلاود وسبوتفي لنشر الأفكار المعادية للأقليات والمهاجرين، وبلغ عدد مستمعي بعض تلك المقاطع الصوتية أكثر من ثلاثة ملايين مستخدم.

وصار موقع ساوند كلاود وما يشبهه من منصات صوتية إلكترونية أمام معضلة أمنية صعبة الآن مع سيل تلك المقاطع المتشددة والعنصرية. ولذلك أصبحت سبل مواجهتها أكثر تعقيدا من المنصات الأخرى التي تقدم خدمات نصية ومصورة مثل فيسبوك وتويتر.

ويرى البعض من الخبراء الأمنيين أن تحقيق سيطرة فعالة على تلك المواد يحتاج إلى فريق أمني أكبر وأكثر دقة ومهارة لتنقية المواد المحملة، علاوة على المزيد من التعاون المعلوماتي مع الحكومات لتعزيز الروابط، وضمان إتاحة منصة اجتماعية آمنة للجميع.