الانصراف عن الموضوع الأساسي وتحويل وجهة المعركة..
طهران وواشنطن تتبادلان رسائل غير ودية عبر الساحة العراقية
تواصل الولايات المتحدة تضييق الخناق على رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي، في سياق تحوّل الموقف الأميركي بشأن الملف العراقي من اللين والمواربة إلى المواجهة الصريحة.
ومثلت الاحتجاجات التي يشهدها العراق منذ مطلع أكتوبر الماضي ضد الطبقة السياسية المتهمة بإشاعة الفساد وسرقة المال العام وتغليب مصالح خارجية على مصالح البلاد، فرصة ثمينة أمام الولايات المتحدة للبرهنة على مدى اهتمامها بالملف العراقي، الذي تراجعت قدرتها على التأثير فيه منذ أعوام، بفعل تمدد النفوذ الإيراني.
ووجدت واشنطن في القمع الدموي الذي مارسته الحكومة العراقية بتشجيع إيراني ضد المتظاهرين العزّل، وتسبب في سقوط الآلاف بين قتلى وجرجى، نقطة انطلاق لإعادة صياغة موقفها من العراق الذي اتسم بالسلبية خلال الأعوام السبعة الأخيرة، ولاسيما ما يتعلق بالجانب السياسي.
وعندما وجدت أن الاحتجاجات موجهة برمتها ضد إيران استخدمت الولايات المتحدة وزير خارجيتها وسفيرها في العراق، مع مسؤولين آخرين، لإعلان انتقادات حادة ضد القمع الحكومي للمتظاهرين في العراق، محذّرة من سيطرة الميليشيات الموالية لطهران على القرار السياسي في بغداد.
وكانت هذه الانتقادات، أكثر من كافية لإثارة رد إيراني ضد الولايات المتحدة، وتحديدا في العراق، وهو ما ترجم عبر 10 هجمات طالت مواقع يملك الأميركيون فيها وجودا عسكريا، في هذا البلد، خلال الشهرين الماضيين. ولا تتبنى الميليشيات العراقية الهجمات الصاروخية التي تطال المواقع الأميركية في البلاد، لكنها تترك منصات الإطلاق في مواقع تابعة لها بشكل متعمّد قصد توجيه رسائل عبرها.
وقالت مصادر استخبارية مطلعة في بغداد لـ“العرب”، إن “الحرس الثوري الإيراني نسق على الأقل اثنين من الهجمات التي طالت الأميركيين في العراق، خلال الأسابيع القليلة الماضية”، مشيرة إلى أن أحد الهجومين استهدف قاعدة عين الأسد في غرب العراق والتي توصف بأنها المعقل الأهم للقوات الأميركية على الأراضي العراقية.
ومطلع هذا الأسبوع هاتف وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، حيث عبر عن “قلقه لتعرض بعض المنشآت إلى القصف، وضرورة اتخاذ إجراءات لإيقاف ذلك”.
إيران تهضم تدريجيا فكرة تراجع مستوى تأثيرها في العراق وتسعى إلى مواجهة بالوكالة مع الولايات المتحدة على أراضيه
وقال مكتب عبدالمهدي إن رئيس الوزراء العراقي عبّر “عن قلقه أيضا لهذه التطورات، وطالب ببذل مساع جادة يشترك بها الجميع لمنع التصعيد الذي إن تطور سيهدد جميع الأطراف”، مشيرا إلى أن “أيّ إضعاف للحكومة والدولة العراقية سيكون مشجعا على التصعيد والفوضى”. كما نبه إلى أن “اتخاذ قرارات من جانب واحد ستكون له ردود فعل سلبية تصعّب السيطرة عليها وتهدد أمن وسيادة واستقلال العراق”.
ولم يكن واضحا ما إذا كانت تحذيرات عبدالمهدي موجهة للأميركيين لحثهم على ضبط النفس وعدم الرد، أم للميليشيات العراقية الموالية لإيران، المتورطة في قصف المواقع الأميركية داخل العراق.
ويقول مراقبون إن اختيار عبدالمهدي لهذه اللغة خلال حديثه عن ملف يمثل مستوى عاليا من الحرج لحكومته، يعكس عجزه عن التدخل أو السيطرة، إذ لا يملك الرجل الاعتراض على أيّ قرار إيراني بما في ذلك قصف الميليشيات الموالية لطهران مبنى السفارة الأميركية في بغداد، ولا يستطيع في المقابل التعهد للأميركيين بتوفير الحماية لجنودهم الموجودين في العراق بطلب من الحكومة المنتخبة.
وإثر المكالمة الهاتفية مع رئيس الوزراء العراقي، قال الوزير الأميركي إنه دعا عبدالمهدي إلى “اتخاذ خطوات لوقف استهداف قواعد تستضيف قوات أميركية”.
وقال إسبر “نحتاج مساعدة العراقيين من أجل استقرار الوضع الأمني ووضعه تحت السيطرة، لكننا مازلنا نحتفظ بحقنا في الدفاع عن النفس وسنمارسه”.
وعندما سئل إسبر عمن يعتقد أنه وراء الهجمات الصاروخية الأخيرة، قال “أظن أن إيران وراء هذه الهجمات، مثلما هي وراء الكثير من السلوكيات الخبيثة في أنحاء المنطقة، لكن من الصعب الجزم”.
ويقول مراقبون إن طهران لم تفتح جبهة جديدة ضد الولايات المتحدة في العراق، بالتزامن مع الاحتجاجات الشعبية الواسعة، بشكل عبثي أو في توقيت عشوائي، إنما وفقا لخطة مدروسة.
ويبدو أن إيران تهضم تدريجيا فكرة تراجع مستوى تأثيرها في العراق خلال المرحلة المقبلة، لذلك تسعى إلى مواجهة بالوكالة ضد الطرف الأميركي، تبقيها بين اللاعبين الأشد تأثيرا في هذا الملف.
ويقول مقربون من زعماء ميليشيات عراقية موالية لإيران إن الولايات المتحدة لن تستطيع تحمل ضربات يسقط فيها جنود أميركيون، لأن هذا التطور سيثير الرأي العام ضد إدارة الرئيس دونالد ترامب، الذي لا يمكن أن يخوض حربا، حتى ولو كانت سريعة أو محدودة، قبيل الانتخابات.
لهذا، ترى طهران وحلفاؤها العراقيون أن الضغط على الولايات المتحدة في بغداد، في هذا التوقيت، هو أمر مثالي، فإن كان لواشنطن من تأثير في العراق، فيمكن توجيهه نحو دعم ترشيح رئيس وزراء جديد يحافظ على مصالح الولايات المتحدة وإيران في الآن نفسه.