الجيش السوري يحقق تقدما في معركة إدلب مستثمراً تشتت الجهود التركية بين ملفات إقليمية وفي مقدمتها الملف الليبي..
دمشق وموسكو تسرّعان فرض الأمر الواقع على أنقرة في إدلب
التقدّم السريع للقوات السورية المدعومة من روسيا في إدلب بالشمال السوري هو بمثابة سباق ضدّ الساعة لفرض الأمر الواقع على تركيا في أهم معقل لحلفاء أنقرة على الأراضي السورية، وهو هدف بصدد التحقّق لكن بأثمان إنسانية باهظة حيث أوقعت المعركة التي يُعتمد فيها على القصف الجوي بشكل مكثّف خسائر كبيرة في الأرواح وأطلقت موجة نزوح عاتية.
واصل الجيش السوري المدعوم من روسيا تقدّمه في إدلب على حساب القوى المدعومة من تركيا، محقّقا بذلك تقدّما في المعركة التي تمّ استئنافها مؤخّرا واعتبرها ملاحظون مؤشرا على الانهيار التدريجي للتوافقات الروسية التركية حول سوريا نتيجة لتصاعد الخلافات بين موكسو وأنقرة بشأن ملفات أخرى على رأسها الملف الليبي.
وتشهد معركة إدلب تطوّرات سريعة جعلتها أقرب إلى سباق ضدّ الساعة لفرض الأمر الواقع من قبل دمشق وموسكو على أنقرة التي أصبحت جهودها مشتتّة بين سوريا حيث تورّط جيشها في تدخّل مباشر لمواجهة القوات الكردية بشمال شرق البلاد، وليبيا حيث تحاول دعم تماسك حكومة الوفاق ضدّ زحف قوات الجيش الوطني الليبي على معقلها في طرابلس.
واستعادت القوات السورية السيطرة على العشرات من البلدات والقرى في محافظة إدلب بشمال غرب سوريا من قبضة من تسميهم تركيا معارضين، بينما تقول دمشق وموسكو إنهم بالأساس متشدّدون تابعون لجبهة النصرة.
ويجعل التقدم الأخير للقوات السورية وحليفتها الروسية على وشك السيطرة على أكبر تجمع سكاني في آخر المعاقل الخارجة عن سيطرة النظام السوري.
وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن، الأحد، إنّ الهجوم الجديد “محاولة للاقتراب من معرة النعمان”، مؤكّدا انطلاق موجة نزوح كبيرة للآلاف من المدنيين.
وقال المرصد الذي يتخذ من بريطانيا مقرّا له ويعتمد على شبكة واسعة من المراسلين على الأرض، إنّ أكثر من 30 ألف شخص أجبروا على النزوح خلال الأيام القليلة الماضية.
وتسيطر هيئة تحرير الشام على الجزء الأكبر من محافظة إدلب التي تؤوي ثلاثة ملايين شخص، نصفهم تقريبا نازحون من مناطق أخرى..
ورغم التوصّل في أغسطس الماضي إلى اتفاق هدنة توقف بموجبه هجوم واسع شنته القوات السورية لأربعة أشهر في إدلب، تتعرض المحافظة منذ أسابيع لقصف تشنه طائرات حربية سورية وروسية. وأسفرت الاشتباكات عن مقتل 71 عنصرا من القوات السورية و103 من الفصائل الجهادية.
وما يضاعف الخسائر في صفوف المدنيين اعتماد القوات السورية والروسية بشكل كبير على القصف الجوي في المعركة.
وعلى الطرف المقابل تعمل أنقرة على توظيف العوامل الإنسانية في محاولة خلق رأي عام دولي مضاد للعملية العسكرية في إدلب والتي يعني حسمها لمصلحة دمشق وموسكو خسارة تركيا لإحدى أهمّ أوراقها في سوريا.
وكثيرا ما هدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أوروبا بملف اللاجئين السوريين في مساومته أوروبا على ملفات وقضايا خلافية معها.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الخميس، إن 50 ألف شخص يفرون من إدلب باتجاه حدود سوريا مع تركيا، بينما قالت وكالة الأناضول التركية، الأحد، إن 25 ألف شخص فروا من إدلب منذ أن أدلى أردوغان بهذه التصريحات وأضافت أنهم وصلوا إلى منطقة قرب الحدود التركية.
وذكرت الوكالة أن نحو 205 آلاف شخص تركوا منازلهم في منطقة إدلب منذ أوائل نوفمبر الماضي بسبب الهجمات الروسية والسورية. وأشارت إلى أن المدنيين الفارين توجهوا إلى مناطق في سوريا سيطرت عليها تركيا في عمليات عسكرية سابقة أو إلى مناطق أخرى من إدلب.
وشنت تركيا ثلاث عمليات عسكرية عبر الحدود في شمال سوريا ضد وحدات حماية الشعب الكردية السورية التي تعتبرها جماعة إرهابية.
وسيطرت أنقرة على مناطق شاسعة من الأرض على الجانب الآخر من الحدود في تلك العمليات وتسعى لإعادة توطين اللاجئين السوريين الذين تستضيفهم في تلك المناطق.
ولم يمنع تناقض السياسات الروسية والتركية في سوريا، من وجود مصالح مشتركة بين الطرفين هناك أفضت إلى عدّة تفاهمات قادت لعملية تهدئة في سوريا وهيأت لبدء مسار من التسويات السياسية، غير أن كل ذلك يبدو اليوم سائرا نحو الانهيار بفعل تداخل الملفات وتضارب المصالح الروسية التركية.