العنف ضد المرأة..
غابت السياسة في مصر فحضرت الإثارة وقصص تعنيف الزوجات

"أرشيفية"
من يطالع تطورات الأوضاع في مصر من خلال وسائل إعلامها المحلية أو العربية يجد أن غالبية التقارير التي تعالج حالها وأحوالها تتعلق بقضايا اجتماعية أو فنية مثيرة، من قتل الزوجات وانتحار الفتيات وحتى طلاق فنانة وحلق شعرها تماما، كأن الأحداث السياسية تلاشت عنها والمشروعات التنموية المتناثرة لا تحتل أهمية.
قال حمدي علام، وهو مصري مقيم في إحدى دول الخليج، إنه وهو يتابع موقعا إلكترونيا لقناة فضائية عربية وجد على الصفحة الرئيسية نحو سبعة تقارير عن مصر تدور حول: فتاة النعناع التي تشكو زوجها، وآخرعن فتاة رمت نفسها من الطابق الثامن، وثالث عن مشاجرة فتاة مع زوجها ليلة عرسها، ورابع بشأن مواطن قتل زوجته وأولاده، وفي هذا الفلك تدور جميع القضايا التي أبرزها الموقع العربي.
وأضاف علام لـ”العرب” أن كل تقرير تتوالى عنه متابعات تشي بأن مصر خلت تماما من أي أحداث خارج هذا الإطار، ما يؤدي إلى تشويه الواقع الذي يستحق تناوله بطريقة إيجابية، لأن ما يقدم يؤكد أن السياسة ماتت إكلينيكيا والمشروعات التي تتكاثر لا تستحق متابعة والتحديات التي تواجها البلاد في المحيط الإقليمي ليست خطيرة.
عبدالحميد زيد: وسائل الإعلام تتحمل الجزء الأكبر من نشر الوقائع السلبية
تعكس هذه الحالة ما يدور على الساحة الداخلية من اهتمامات، فقد غابت السياسة في الفضاء العام ومن الطبيعي أن تبحث وسائل الإعلام عما يشبع غريزة متابعيها، ووجدت في الإثارة المجتمعية وسيلة جذب تريحها والقراء والمسؤولين في الدولة.
ولذلك فالدولة المصرية هي الخاسر الأكبر من تنامي هذه الحالة، حتى لو كانت تخفف عنها الإزعاج الآن وتجنبها تداعيات التفتيش في قضايا سياسية تمثل صداعا لها، من نوعية البحث عن مساحة كبيرة للحريات أو الحديث عن قضايا حقوق الإنسان.
لا تخلو كثافة التقارير ذات الأبعاد المثيرة من مضامين سياسية غير مباشرة، فعندما تكون الأوضاع الاجتماعية قاتمة وفقا لما يتم تصويره حاليا يعني أن المستوى الاقتصادي، ومردوداته، غير مقبول، بما يقلل من أهمية الجهود التي تقوم بها الدولة.
وعندما تبدو حوادث قليلة ظاهرة في دولة يتجاوز عدد سكانها المئة مليون نسمة تصبح عرضة لتوترات سياسية وأمراض أخلاقية، وربما انهيارات مجتمعية عميقة.
أكد عبدالحميد زيد، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الفيوم، جنوب غرب القاهرة، أن المؤسسات الحكومية مقصّرة في شرح النتائج التي تصل إلى الناس حول المشروعات التنموية، ما يجعل الإثارة بارزة وتسهم في تغذية تراجع منظومة القيم في المجتمع.
وذكر لـ”العرب” أن وسائل الإعلام تتحمل الجزء الأكبر من نشر الوقائع السلبية والمثيرة، لتسليطها الضوء على نوعية توحي بأن المجتمع مفكك وتنتشر فيه الجريمة على نطاق واسع، وهذا من شأنه أن يشيع الإحباط الذي يضاعف المسؤولية على الحكومة في إقناع الشارع بأن الأوضاع السياسية والاقتصادية جيدة.
لعل استفادة الحكومة المصرية من انشغال الناس عن السياسة لا تضاهي خسائرها في المواقف الحاسمة، فإذا وجدت راحتها في التضييق على الحريات وتكميم الأفواه بشأن الكثير من القضايا السياسية، ففي لحظة معينة يمكن أن تحتاج إلى يقظة هؤلاء وانتباههم وتركيزهم عندما تتصاعد التحديات الخارجية.
يدلل مراقبون على هذا التقدير بغياب الاهتمام بقضايا حيوية في صميم الأمن القومي المصري، مثل تطورات الأزمة في ليبيا، والانسداد الحاصل في سد النهضة، وعدم استبعاد اشتعال الأوضاع في كل من السودان وغزة وجنوب البحر الأحمر.
وقد تحتاج الحكومة إلى حشد سياسي كبير خلفها في أي من القضايا السابقة، إذا خرجت إحداها عن مسارات الهدوء التي تتعايش القاهرة معها الآن، ووقتها سوف تعلم أن حضور السياسة بكل ما تنطوي عليه من إزعاجات أفضل من غيابها تماما.
ويخشى المراقبون أن تجني مصر خسائر باهظة جراء انسداد الأجواء السياسية، فإذا كانت الإثارة أحد الإفرازات المباشرة، فإن الشائعات هي إفراز ثان غير مباشر، حيث تجد قوى معارضة في غياب المعلومات فرصة لترويج رؤيتها، بما يمثل ضغطا على القاهرة ويدفعها نحو تقديم تفسيرات وتبريرات لمواقف كأنها في موضع اتهام.