باريس مستعدة لتزويد كييف بالسلاح بخلاف سياستها السابقة

ماكرون: حرب بوتين على أوكرانيا منعطف فاصل في التاريخ الأوروبي

اجتماع ماكرون في الإليزيه مع قادة (G7) أمس حول الأزمة الأوكرانية

باريس

 

بعد أن كان الرئيس الفرنسي، منذ زيارته الأخيرة لموسكو في السابع من الشهر الجاري يستبق الأحداث ويسعى، بما توافرت له من عزيمة واتصالات، للسيطرة عليها من خلال التوسط مع نظيره الروسي، ساعياً إلى توفير إجماع غربي يقتنص الفرصة لإيجاد تسوية سياسية - دبلوماسية للنزاع بين روسيا وأوكرانيا ولتدجين طموحات الرئيس بوتين، فإن باريس أخذت تلهث وراء الأحداث التي يرى الجميع أنها خرجت عن السيطرة.

والدليل على ذلك، وفق الأوساط الفرنسية، أنه لا الوعود ولا الوساطات ولا التهديدات نجحت في ثني الرئيس فلاديمير بوتين عن غزو أوكرانيا والسعي لتحقيق الأهداف التي حددها بوضوح، وهي تدمير القوات العسكرية الأوكرانية وإزاحة حكومة «النازيين» التي تحكمها وفرض حالة «الحياد» عليها ومنعها من الانضمام إلى الحلف الأطلسي. وحجته المباشرة للغزو تكمن في حماية سكان الجمهوريتين الانفصاليتين اللتين طلبتا منه المساعدة.

وفي الساعات الأخيرة، كثف ماكرون اتصالاته وواظب على حراكه الدبلوماسي منذ الصباح الباكر فاتصل بالرئيس الأوكراني مرتين في أقل من 12 ساعة، وكذلك برئيس المجلس الأوروبي والرئيس التركي وقادة غربيين آخرين، وغرّد معرباً عن تضامن بلاده مع أوكرانيا وسعيها لوقف الحرب.

ولاتصال ماكرون بإردوغان معنى خاص بالنظر إلى موقع تركيا الجغرافي وسيطرتها على المضايق البحرية «بين البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط» التي سبق للرئيس الأوكراني أن طلب إغلاقها في وجه السفن الروسية التي تشارك في الحرب على أوكرانيا. بيد أن أمراً كهذا لا يمكن أن يتحقق باعتبار أن المضايق ممرات بحرية عالمية وتحكمها اتفاقيات خاصة.

عملياً، رأس ماكرون مجلساً استثنائياً للدفاع وطلب عقد قمة عاجلة للحلف الأطلسي، وهو الطلب الذي دعمته ألمانيا وبريطانيا، ومن المقرر أن تنعقد اليوم.

ونظراً لخطورة الأوضاع، فقد توجه ماكرون بكلمة خاصة إلى «الأمة الفرنسية»، ووجه رسالة رسمية لمجلسي الشيوخ والنواب اللذين يلتئمان اليوم وستُقرأ في المحفلين. وبالتوازي، سيستقبل اليوم في قصر الإليزيه الرئيسين السابقين نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند للتشاور معهما ولإطلاعهما على القرارات التي اتخذها.

كذلك شارك في قمتي مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي اللتين حصلتا أمس.

وبعد أن كان ماكرون من أشد المدافعين عن ضرورة مواصلة الحوار مع الرئيس الروسي، فإن إخفاقه في انتزاع أي تنازل منه جعل خطابه ينتقل من النقيض إلى النقيض بحيث اعتمدت باريس في الأيام الأربعة الأخيرة خطاباً بالغ التشدد وشهدت سياستها تحولاً خصوصاً بالنسبة لمد القوات الأوكرانية بالسلاح. وأخذت فرنسا تدفع باتجاه تبني الأوروبيين أقسى العقوبات بعد أن كانت تدعو لعقوبات «متناسقة ومحددة الأهداف».

وفي كلمته للفرنسيين أمس، ندد ماكرون بالهجوم العسكري الروسي المكثف على أوكرانيا الذي ينقض «كل التزامات السلطات الروسية وينتهك شرعية الأمم المتحدة والمبادئ التأسيسية للنظام الأوروبي والعالمي». وفي تغريدة صباحية، دعا روسيا إلى «وضع حد فوراً لعملياتها العسكرية».

كذلك رأى أن بوتين الذي قطع الاتصالات معه منذ اعترافه باستقلال الجمهوريتين الانفصاليتين، قد وجه «ضربة قاضية للسلام والاستقرار في أوروبا»، مضيفاً أن الحلفاء والشركاء الأوروبيين «مستعدون لمواجهة الأزمة» وأنه إزاء الأعمال الحربية الروسية سوف يرد الحلفاء والشركاء الأوروبيون «بأعصاب هادئة، وبحزم ووحدة الموقف ومن غير ضعف» عبر قرارات القمم الثلاث المشار إليها.

وهدد ماكرون روسيا بمحاسبتها أمام مجلس الأمن الدولي، ووعد بأن تكون العقوبات «الجديدة» التي ستُفرض عليها «بمستوى الاعتداء الذي قامت به»، وأن الحلفاء والشركاء «لن يتهاونوا إزاءها لا على المستوى العسكري ولا الاقتصادي ولا في مجال الطاقة».

وفي جملة تحمل تأويلات كثيرة، أكد ماكرون أن فرنسا «ستدعم أوكرانيا من غير تردد وستتحمل مسؤولياتها لحماية سيادة وأمن حلفائنا الأوروبيين».

باستثناء الدعم السياسي والدبلوماسي، فإن باريس رفضت تزويد القوات الأوكرانية بالأسلحة. وقالت مصادر رئاسية أكثر من مرة إن الأسلحة التي قد توفرها فرنسا لأوكرانيا «لن تغيّر في موازين القوى شيئاً وإن الأفضل هو العمل السياسي».

ولم يهمل ماكرون الإشارة إلى أن الهجوم على أوكرانيا يشكّل «لحظة فاصلة» في تاريخ فرنسا وأوروبا كما «ستكون له تبعاته العميقة على حياة الفرنسيين ونتائجه الجيوسياسية» على القارة القديمة. إلا أنه طمأن الفرنسيين بقوله: «إننا سنعرف معاً كيف نردّ على ذلكّ» ووعدهم بتوفير الحماية لهم واتخاذ القرارات الضرورية التي تفرضها الأزمة.

من جانبه، ندد وزير الخارجية جان إيف لو دريان، بسماح نظام «الرئيس» لوكاشنكو باستخدام أراضي بيلاروسيا منطلقاً للاعتداء على دولة ذات سيادة «أوكرانيا»، منبهاً إلى أنه سيكون «باهظ الثمن ونتائجه وخيمة».

ووعد لو دريان الذي شارك صباحاً في اجتماع مجلس الدفاع، بأن «تعزز فرنسا دعمها لأوكرانيا بالأشكال كافة». بيد أن لو دريان تحاشى الدخول في تفاصيل الدعم وما إذا كان يشمل تقديم أسلحة ومعدات عسكرية لأوكرانيا.

في المقابل، أعلن السفير الأوكراني في باريس فاديم أميلتشينكو، أنه قدم لائحة بالمعدات العسكرية، خصوصاً الدفاعات الجوية، إلى وزارة الدفاع الفرنسية. وأضاف السفير الأوكراني أن ماكرون قال لنظيره زيلينسكي إن رد باريس «سيكون إيجابياً» على مطالب كييف.

وحتى اليوم، رفضت باريس وبرلين إعطاء أسلحة لأوكرانيا بعكس الكثير من الدول الأوروبية الأخرى مثل دول بحر البلطيق وبريطانيا وبولندا.

وعمدت باريس إلى تعزيز حضورها في رومانيا كعضو في الحلف الأطلسي وفي سياق تعزيز جناحه الشرقي تحسباً لتمدد الحرب إلى الفضاء الأطلسي. وقال السفير إن العالم أصبح اليوم «على شفير الحرب العالمية الثالثة».

وبالنظر إلى التطورات الخطيرة في أوكرانيا، فقد عمدت الخارجية الفرنسية إلى تشكيل «خلية أزمة» لمتابعة أوضاع الفرنسيين الذين ما زالوا موجودين في أوكرانيا.

تأتي التطورات على المسرح الأوكراني في توقيت صعب لـماكرون الذي يُنتظر أن يعلن خوضه الانتخابات الرئاسية التي ستُجرى دورتها الأولى بعد 45 يوماً. وكان كثيرون يتوقعون أن نجاح وساطته ستنعكس إيجاباً على حظوظه في الفوز بولاية ثانية.

وبعد أن كانت مواقف الأحزاب السياسية متأرجحة بالنسبة إلى مطالب روسيا من أوكرانيا، فإن العمليات العسكرية الواسعة التي أمر بها الرئيس بوتين وحّدت الطبقة السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، مروراً باليمين المعتدل واليسار الاشتراكي، في التنديد بها.