هل يدفع الجيش التونسي إلى مهمات غير محسوبة..

تونس موقع متقدم للتدخل الأميركي في ليبيا

قائد أفريكوم يعلن عن تنسيق مشترك وتحريك قوات وسط صمت رسمي تونسي، وواشنطن تستعيد النموذج الأوكراني لمواجهة النفوذ الروسي.

تونس

وضعت قيادة أفريكوم (القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا) السلطات التونسية في موقف صعب بعد كشفها عن إمكانية نشر قوات أميركية في تونس، ما يضع تونس كموقع متقدم للتدخل الأميركي في ليبيا لمواجهة الوجود الروسي هناك، والذي تقول واشنطن إنه أبعد من الحديث عن دعم قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر إلى التأسيس لنفوذ روسي دائم في ليبيا.

وقالت أفريكوم، في بيان، إن قائدها ستيفن تاونسند، أعرب لوزير الدفاع التونسي عماد الحزقي، في اتصال هاتفي، عن الاستعداد لنشر “قوات”. وأضاف “نحن ندرس مع تونس طرقا جديدة لمواجهة القلق الأمني المشترك ويشمل ذلك استخدام لواءنا للمساعدة الأمنية”، في خطوة قد تفتح الباب أم تحريك قوات أميركية من تونس باتجاه ليبيا.

وتابع تاونسند “سنبحث عن طرق جديدة لهواجسنا الأمنية المشتركة باستخدام قواتنا”، وأن “تونس تدرك تقدر الشراكة مع الولايات المتحدة”.


وتلازم السلطات الرسمية التونسية الصمت تجاه التصريحات الأميركية التي تضع تونس في قلب الحرب الليبية، وما تحمله من أخطار أمنية، لكن ما يلفت الانتباه أن كل التصريحات من قادة عسكريين وأن الاتصال مع وزير الدفاع التونسي تم من قائد عسكري مشرف على ملف أمني إقليمي وليس من وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، أو من أيّ جهة سياسية أميركية.

وفي محاولة لامتصاص ردة الفعل الغاضبة في تونس أصدرت أفريكوم بيانا لاحقا أشار إلى أن القوة المرسلة لن تكون كبيرة وستعمل على تدريب القوات التونسية وليست من القوات العسكرية المقاتلة.

وتقول أوساط سياسية تونسية إن قائد الأفريكوم وضع تونس، وخاصة الرؤساء الثلاثة، في موقف حرج؛ رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة إلياس الفخفاخ ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، وأن السكوت عن هذه التصريحات سيعتبر اعترافا بالأمر الواقع، وهو ما يعطي مصداقية لتقارير سابقة تحدثت عن وجود عسكري أميركي في تونس ومساهمة في الحرب على الإرهاب، وهو ما حرصت حكومات سابقة على التقليل منه وربطه بتنسيق أمني لا يتجاوز المشورة والتدريب.

وسيكون الأمر أكثر صعوبة على الإسلاميين الذين قد يرغبون في التدخل الأميركي لمواجهة الروس حلفاء حفتر لكنهم لا يريدون أن يكون الأميركيون مؤثرين أكثر من اللازم في الملف الليبي على حساب الدور التركي، والذي ينظر إليه إسلاميو تونس وليبيا على أنه حماية مشروعة وضرورية لتثبيت أرجلهم في حكم بلدين استراتيجيين في جنوب المتوسط.

وتحمّل أطراف سياسية تونسية الإسلاميين مسؤولية التطورات الجديدة التي تقود إلى توريط تونس في الملف الليبي لأنهم ساهموا بشكل أو بآخر في استدعاء التدخل الأميركي من خلال إلزام تونس بسياسة المحاور وفتح الطريق سياسيا أمام التدخل التركي، فضلا عن العلاقة القوية بإسلاميي ليبيا.

وحمّل عبيد البريكي، أمين عام حركة تونس إلى الأمام، حركة النهضة مسؤولية ما يجري من خلال جر تونس إلى مربع المحور التركي القطري، معتبرا أن “النهضة هي الطرف الضالع في التدخل السافر في ليبيا وتحويل تونس إلى منطقة عبور”.

وتساءل البريكي في تصريح لـ”العرب” أين السيادة التونسية من كل هذا في إشارة إلى الجهات المتحكمة في القرار السياسي التونسي.

من جهته، أكد أمين عام حركة الشعب، زهير المغزاوي، في تصريح لـ”العرب” أن حزبه “يرفض قطعا أيّ تدخل خارجي في بلاده والزج بها في صراع إقليمي خطير.”

وأضاف القيادي بحركة الشعب (طرف في التحالف الحاكم)، أن حزبه يؤيّد “المساعي نحو الاهتداء لحل ليبي – ليبي وإيجاد صيغة سياسية سلمية بعيدا عن الخيارات العسكرية.”


ويبدو أن الموقف التونسي، الذي يدّعي تبني الحياد من الصراع الليبي والنأي بالنفس عن النزاع، تحوم حوله الشكوك ويبقى محفوفا بالغموض، حيث تجدد أطراف سياسية اتهامها لأخرى على رأس السلطة بجرّ البلاد نحو التحالف والصراع.

ووجه رئيس حركة مشروع تونس محسن مرزوق لحركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي العديد من الاتهامات بالعمالة للنظام التركي وبالاصطفاف وراء حكومة الوفاق والإسلاميين في ليبيا.

وقال مرزوق، في تصريح لوسائل إعلام تونسية، “النظام التركي نظام استعمار يسعى للسيطرة على ليبيا وحركة النهضة ورئيسها يدافعان عن المصالح التركية”، ووصف رئيس البرلمان بالقنصل التركي في تونس، داعيا إلى سحب الثقة منه.

ويقول مراقبون إن الإعلان الأميركي عن تحريك قوات من تونس يؤكد أن واشنطن لا تمتلك بدائل تتحرك من خلالها بسبب بعد المغرب عن مسرح العمليات، وبرود العلاقة مع مصر التي تبدو أقرب إلى الروس، فيما الجزائر بطبعها ليست الحليف القريب، فضلا عن تردد المؤسسة العسكرية في لعب أدوار إقليمية مباشرة.


ورغم أن الدلالات الأولية تشير إلى تكرار السيناريو السوري في ليبيا، إلا أن الولايات المتحدة تبدو أكثر تأثرا بالدرس الأوكراني حين بادرت روسيا إلى “هز الباب” في شرق أوروبا وتحركت عندما اكتشفت أن “الباب مفتوح” وأن بوسعها التدخل هناك براحة من دون مواجهة حقيقية مع الناتو أو أن تصعّد الدول الأوروبية والولايات المتحدة عقوباتها الاقتصادية على موسكو.

وكانت واشنطن قد اتهمت روسيا، في وقت سابق من هذا الأسبوع، بإخفاء هوية ما لا يقل عن 14 مقاتلة حربية في قاعدة عسكرية بسوريا، قبل إرسالها إلى ليبيا، لدعم “مرتزقة روس” يقاتلون إلى جانب قوات حفتر، الرجل القوي في الشرق.

وقال جنرال أميركي الجمعة إن الجيش الأميركي يعتقد أن تسليم روسيا طائرات حربية إلى ليبيا ربما لن يغير التوازن في الحرب الأهلية التي بلغت طريقا مسدودا، لكنه يمكن أن يساعد موسكو في نهاية المطاف في ضمان معقل استراتيجي في شمال أفريقيا.

ونبه البريجادير جنرال جريجوري هادفيلد نائب مدير إدارة المخابرات في أفريكوم إلى أن موسكو قد لا تكون بحاجة إلى انتصار صريح لحفتر لتعزيز المصالح الروسية، مضيفا أن “الأمر لا يتعلق في الحقيقة بكسب الحرب وإنما بإقامة معاقل”.

وأضاف “إذا ضمنت موسكو موقعا دائما في ليبيا، والأسوأ، إذا نشرت أنظمة صواريخ طويلة المدى، فسيغير هذا قواعد اللعبة بالنسبة إلى أوروبا وحلف شمال الأطلسي وكثير من الدول الغربية”.

فيما قال زميله الميجر كارل ويستر، المتحدث باسم الأفريكوم ، إنه “من المحتمل أنه عندما يتلاشى الدخان في ليبيا يكون لروسيا قاعدة للوصول إلى الجناح الجنوبي لأوروبا، وأنظمة الصواريخ بعيدة المدى أيضًا”.