البصرة.. ورقة مهمة على طاولة الكاظمي..

الكاظمي أمام امتحان توفير مياه الشرب للبصرة بعد فشل الحكومات السابقة

الحكومات المتعاقبة منذ 2003 لم تنفذ وعودها بشأن حل فوري لإنهاء أزمة المياه في البصرة.

العراق

تدخل حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في امتحان فشلت فيه كل الحكومات السابقة منذ عام 2003، بتوفير الماء الصالح للشرب لأهالي محافظة البصرة التي تعد أغنى مدن العراق بثروتها البترولية.

ومع أن البصرة، “600 كلم إلى الجنوب من العاصمة بغداد”، التي توجد فيها أربعة حقول نفط عملاقة تضم 60 في المئة من ثروة العراق النفطية، وتقع على شط العرب الممتد إلى الخليج العربي، لكنها ما زالت مدينة ببنية تحتية رثة مليئة بالمساكن العشوائية ويعيش أغلب سكانها تحت خط الفقر.

ولم يكن لدى البصريين سوى القليل من المزايا التي كان ينبغي أن تعود عليهم من ثروتهم النفطية الضخمة. إلا أن هذا المورد، على الرغم من كونه ميزة للنخب الحاكمة، تحول في الواقع إلى لعنة على أهالي المدينة.

وخلال الاحتجاجات التي بدأت في أكتوبر من العام الماضي، اجتمع الآلاف أمام مبنى إدارة محافظة البصرة. وكما هو الحال مع المتظاهرين في ساحة التحرير ببغداد، طالب البصريون بتوفير الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية وإمدادات الكهرباء، ووضع حد للفساد المزمن، والبطالة، وتدخل إيران في شؤون مدينتهم. وطالبوا بإعطائهم حقا أساسيا حرموا منه منذ فترة طويلة، وهو الحق في مياه صالحة للشرب.

وعاد المتظاهرون ثانية في العاشر من مايو الماضي، متجاهلين حظر جائحة كورونا، ومنددين بتعيين الكاظمي رئيسا للوزراء.

ولم يلق غضب المتظاهرين على “حكومة اللصوص” كما يسميها أهالي البصرة، سنة تلو أخرى، سوى تيار مستمر من الوعود التي لا تتحقق في نفس الوقت الذي يضمنون فيه استمرار ثرائهم.

وكان أحد الوعود الحاسمة التي تم كسرها مرارا وتكرارا في البصرة ويحتاج إلى حل فوري هو إنهاء أزمة المياه.

وعلى الرغم من أن لدى البصريين خيار شراء المياه المعبأة في زجاجات أو خزّانات المياه التي يمكن بعد ذلك تصفيتها، إلا أن العديد من المنازل غير قادرة على تحمل تكاليفها ويجب عليها بدلاً من ذلك الاعتماد على استهلاك المياه ذات المستويات العالية من التلوث.

وقال أزهر الربيعي، الصحافي الذي يعيش في البصرة، “لسوء الحظ، لا تنفذ الحكومات المحلية والمركزية إستراتيجيات فعالة لتحسين الظروف المعيشية في البصرة، ولهذا السبب تزداد الظروف المعيشية سوءاً عاماً بعد عام”.

وفي مدينة كان يُشار إليها ذات مرة باسم “فينيسيا الشرق الأوسط” أصبحت قنوات البصرة وشط العرب مغمورة بالنفايات الصناعية والزراعية والبشرية. ووفقًا لتقرير هيومن رايتس ووتش لعام 2018 “تسببت إخفاقات الحكومات المتعددة منذ الثمانينات (من القرن الماضي)، بما في ذلك سوء إدارة مصادر المنبع، وعدم القدرة على تنظيم التلوث والصرف الصحي، والإهمال المزمن وسوء إدارة البنية التحتية للمياه، في تدهور جودة هذه الممرات المائية”.

وأشار التقرير إلى ما أسماه “أزمة كاملة” في صيف عام 2018 عندما تم إدخال ما يقرب من 120 ألف شخص إلى المستشفى نتيجة لمياه الشرب الملوثة بزهر الطحالب والمواد البرازية والملوثات الأخرى.

وتشمل الأعراض الإسهال والقيء والطفح الجلدي والجرب. وقد تسببت الأزمة في إرباك العاملين في المستشفيات الذين واجهوا تدفقاً هائلاً للمرضى وقلة المخزون المتاح من الأدوية.

وبعد ما يقرب من عامين، لم يتغير شيء. تبقى المياه ملوثة بشدة. وتظهر الصور التي التقطها مجلس اللاجئين النرويجي قنوات البصرة على مستويات مكتظة بالقمامة والحطام.

ويظهر شط العرب الذي يمر عبر مدينة البصرة وهو مليء بالطحالب ونفايات النفط والطمي بعد أن فتحت إيران المجاورة مجرى للنفايات يصب فيه.

ويقول أهالي المدينة القاطنون جوار قنوات البصرة المائية إن رائحة التلوث غالبا ما تؤدي إلى أعراض مثل الصداع والغثيان.

ويطالب أهالي البصرة بتحسين النظام الصحي، الذي دمرته بالفعل سنوات من الفساد والإدارة غير الكفوءة بعد استحواذ الميليشيات المدعومة من إيران على صفقات البنية التحتية دون إنجازها.

وفشلت الأنظمة المتعاقبة في بغداد في التعامل مع أزمة الصحة والمياه، حيث وضعت أولوياتها في مكان آخر. ووفقًا لبيانات منظمة الصحة العالمية، وزعت الحكومة 2.5 في المئة فقط من ميزانية الدولة البالغة 106.5 مليار دولار على وزارة الصحة، في حين حصلت قوات الأمن على 18 في المئة ووزارة النفط على 13.5 في المئة عام 2019.

وفي ما يتعلق بالميزانيات، تبقى البطالة في البصرة مشكلة كبيرة، كما هو الحال في جميع أنحاء البلاد. وعلى الرغم من أن المعدل الرسمي يبلغ 7.9 في المئة، إلا أن بطالة الشباب تصل إلى أكثر من ثلاثة أضعاف هذا المستوى حيث تقف عند نسبة 25 في المئة.

ومما يفاقم الشعور بالظلم أنه في قطاع الطاقة، من المفترض أن توظف شركات النفط في البصرة غالبية السكان المحليين. لكن أزهر الربيعي يشير إلى أن ما يحدث هو العكس، حيث أن غالبية الموظفين من خارج المدينة والدولة.

وقال “يحصل الخريجون من محافظة البصرة على وظيفة إذا كانت لآبائهم ارتباطات قوية بالحكومة”.

ومع ارتفاع معدل البطالة في البصرة، بالإضافة إلى جميع المشاكل الأخرى التي يضطر الناس إلى العيش والتعامل معها بسبب الفساد الحكومي المستشري، يترقب أهالي البصرة تحرك الكاظمي لاعتماد إصلاحات تدريجية، ووضع خطط فعالة، لمعالجة الفساد وإحالة المتهمين به، خصوصا من الرؤوس الفعالة في مؤسسات الدولة والميليشيات، إلى المحكمة.

وإذا تم المضي قدما في مكافحة الفساد، يمكن للبصريين أن يأملوا في أن يكون أحد مكاسبهم هو الحصول على مياه شرب نظيفة. كما يطالبون حكومة الكاظمي بأن تهتمّ بتحسين المعايير الطبية وتوزيع الوظائف على أساس الجدارة وليس الانتماءات.