مواقع التواصل وقود الاحتجاجات..

الرسائل النصية تقود الثورة والتحريض معا على الاحتجاجات في شوارع المدن

مواقع التواصل تهدف إلى الانتشار أكثر عبر تطوير تطبيقات إيصال الرسائل والفيديوهات والبث الحي، بغية وصولها إلى أكبر عدد ممكن من المستخدمين.

واشنطن

لا تكتفي الاحتجاجات والتظاهرات بأن تكون في الشارع فقط، سواء كانت في المدن الأميركية أو في العراق أو في لبنان، هناك ثورة موازية لهذه الاحتجاجات تتصاعد على التطبيقات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي، بالتحريض على المشاركة فيها أو بعرقلتها والتشويش عليها.

وما يحدث في الاحتجاجات الأميركية ثورة على الأرض من قبل الجمهور بهواتفه الذكية، تقابلها ثورة تكنولوجية من قبل وسائل التواصل وتطبيقات الاتصالات لتوفير ميزات حماية الرسائل وإيصالها إلى أكبر عدد متاح من المستخدمين.

وتساعد بساطة التصوير ومشاركة مقاطع الفيديو على تسهيل تسجيل أعمال العنف التي يمكن أن تنتشر بين الملايين من المتابعين في غضون لحظات؛ مثلما ساعد مقطع فيديو موت جورج فلويد الذي تم تصويره بهاتف ذكي في إثارة الغضب الواسع الذي أدى إلى الاحتجاجات في الولايات المتحدة.

 

ويستخدم المتظاهرون مجموعة متنوعة من الأدوات التكنولوجية لتنظيم التجمعات وتسجيل عنف الشرطة والتواصل خلال المسيرات التي تجتاح المدن الأميركية ودولا أخرى بعد وفاة فلويد.

وتتضمن هذه الأدوات خدمات المراسلة الآمنة التي تقدمها شركات واتساب وفيسبوك وسيغنال، والتي يمكنها أيضا تشفير الرسائل والتشويش على الجواسيس.

وتتمتع هذه التطبيقات، إلى جانب تطبيقات أخرى للاستماع إلى حديث رجال الشرطة على أجهزة الراديو الخاصة بهم، وتسجيل الفيديو، بزخم شعبي مطرد.

ويجمع أغلب الخبراء في التكنولوجيا الرقمية على أن تسهيل وصول المستخدمين إلى الرسائل الرقمية دون تنصت ومراقبة، إضافة إلى وقت إيصال هذه الرسائل، يعدّان من أهم شواغل مطوري التكنولوجيا في مواقع التواصل الاجتماعي.

وتهدف مواقع التواصل إلى الانتشار أكثر خلال هذه الاحتجاجات عبر تطوير تطبيقات إيصال الرسائل والفيديوهات والبث الحي، بغية وصولها إلى أكبر عدد ممكن من المستخدمين.

ويقول ستيف جونز، الباحث في وسائل الإعلام بجامعة إلينوي في شيكاغو، “الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص هو المعيار الأول للمنصة التي سيستخدمها شخص ما”.

وأضاف جونز الذي يدرس تكنولوجيا الاتصالات أنه قبل نصف قرن أثناء احتجاجات الحقوق المدنية، كان من شبه المستحيل معرفة ما يجري أثناء الاحتجاج، فقد “كان هناك الكثير من الشائعات والأقاويل. لكن الآن، يمكنك الوصول إلى الجميع وبشكل فوري”.

وهذا يعني أن منصات مثل تويتر وفيسبوك وإنستغرام لا تزال أسهل الطرق بالنسبة إلى الناس لتنظيم الاحتجاجات الجماعية وتوثيقها.

ويستخدم المحتجون أيضا تطبيق تليغرام، وهو تطبيق يسمح بإرسال الرسائل الخاصة إلى الآلاف من الأشخاص في وقت واحد، وبإنشاء قنوات لمدن محددة من أجل تقديم تحديثات حول أوقات ومواقع الاحتجاج، بالإضافة إلى تحديثات بشأن المكان الذي تقوم فيه الشرطة باعتقالات أو تنظيم عمليات.

وتحظى أدوات فيسبوك بشعبية كبيرة على الرغم من الانتقادات الموجهة إليها بسبب تقاعس المنصة بعد أن نشر الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسالة تشير إلى أنه يمكن إطلاق النار على المتظاهرين في مينيابوليس.

وترى سارة وايلدمان، التي شاركت في ثلاثة احتجاجات في أتلانتا واستخدمت إنستغرام لتحديد موقع المظاهرات التي شاركت فيها وتوثيقها، إن مزايا إنستغرام في هذه المرحلة تفوق عدم استخدامه.

وتستخدم وايلدمان أداة “البث المباشر” في تطبيق إنستغرام لمعرفة ما يحدث أثناء الاحتجاجات، خاصة عندما لا يعرف المتظاهرون في الخلف ما يحدث في المقدمة.

وقالت “في إحدى المرات بدأ الناس يصرخون بأن الشرطة تستخدم الغاز المسيل للدموع، لكن ذلك لم يكن صحيحا، وهو ما علمته من خلال التحقق من إنستغرام”.

مع ذلك يواجه المستخدمون مشكلةَ التأكد من المعلومات وأماكن التجمع ومواعيدها، لأن هناك جهات تعمل على التشويش على التظاهرات بنشر الرسائل النصية المضللة عن أماكن التجمع والطرقات الموصلة إليها، وأخبارٍ غير دقيقة عن إلغاء التظاهرات.

وقال مركز التطرف التابع لرابطة مكافحة التشهير في مدونة على الإنترنت إنه وجد قوميين بيضا يستخدمون تطبيق تليغرام في محاولة لإحداث فوضى خلال الاحتجاجات.

وأضاف “ينشط البعض، وخاصة أولئك الذين ينتمون إلى معسكر يأمل في تصاعد العنف كي يؤدي ذلك إلى حرب عرقية طال انتظارها، في حث المتعصبين البيض على الاستفادة الكاملة من هذه اللحظة”.

ووجدت رابطة مكافحة التشهير أنه في إحدى قنوات تليغرام اقترح المشاركون قتل المتظاهرين، ثم نشْر الشائعات لإلقاء اللوم على القناصين من رجال الشرطة.

ووفقاً للرابطة، يريد البعض الآخر زيادة تفاقم التوترات العرقية. حيث نشر أحد المستخدمين في إحدى قنوات تليغرام “ريفورم ذا ستيتس” بعض المنشورات مثل “حان الوقت المناسب لقطع العلاقات العرقية”.

كما تشهد تطبيقات جديدة مثل “سيغنال” زيادة كبيرة في عدد التنزيلات وفقا لمؤسسة “آبتوبيا”، التي تتعقب هذه البيانات. وتم تحميل تطبيق “سيغنال” حوالي 37 ألف مرة خلال عطلة نهاية الأسبوع في الولايات المتحدة، وهو أكبر عدد تنزيلات حدث منذ إطلاقه في عام 2014؛ حيث لم تشهد تطبيقات المراسلة الخاصة الأخرى، مثل  تليغرام وويكر، ارتفاعا مشابها.

وقال توبي أندرسون (ثنائي العرق) إنه قام بتنزيل تطبيق “سيغنال” المشفر قبل عدة أيام بناءً على طلب والدته السوداء، معبرًا عن قلقه على سلامته وحرصه على إدراك أي إجراء أمني إضافي يمكن أن يحميه مع والدته.

وحققت تطبيقات مثل “بوليس سكانر”، والتي تسمح لأي شخص بالاستماع إلى محادثات رجال الشرطة -وقد تكون غير قانونية في بعض الولايات- حوالي 213 ألف عملية تنزيل خلال عطلة نهاية الأسبوع، بنسبة قدرها 125 في المئة مقارنة بعطلة نهاية الأسبوع السابقة.

وتم تنزيل تطبيق “سيتيزين”، الذي يرسل تنبيهات في الوقت الفعلي ويتيح للمستخدمين نشر فيديو مباشر للاحتجاجات ومشاهد الجريمة، 49 ألف مرة.