وساطة مصرية فاعلة لإنهاء النزاع في ليبيا..

تقرير: لوبي دبلوماسي لوقف تردد القوى الدولية لحل الأزمة الليبية

مراقبون: التردد الغربي يرجع إلى الخوف من رد الفعل التركي السلبي، في ظل امتلاك أنقرة لأوراق تمثل ابتزازا لبعض العواصم الغربية.

واشنطن

بدأت وزارة الخارجية المصرية خطة للتحرك على الصعيد الدولي بالتنسيق مع بعض القوى الإقليمية، لتوفير المزيد من الزخم لإعلان القاهرة المتعلق بحل الأزمة الليبية، وتشكيل قوى ضغط، من روسيا وفرنسا والإمارات وغيرها، خوفا من حدوث فتور يعيد الموقف إلى الجمود والاستمرار في الحسم العسكري.

وبعد مضي أسبوع على المبادرة المصرية لم تحصل القاهرة على نتائج ملموسة للتأييد السياسي الذي حصدته من قوى متعددة، ما يجعل تصرفها كأن هدفه فقط إنقاذ وحدة جبهة الشرق الليبي، بعد أن مُني الجيش الوطني بهزائم دفعته لإعلان انسحابه من طرابلس.

أثبتت تجارب الأزمة الليبية أن المبادرات السياسية بشأنها تحظى باهتمام سرعان ما يفتر بعد قليل، وتخشى بعض الدوائر أن يتكرر ذلك مع المبادرة المصرية، فإذا لم يتم البناء عليها بإحكام ستواجه المصير نفسه، وتتوالى فصول الكر والفر.

وقالت مصادر مصرية لـ”العرب”، إن “الوضع هذه المرة مختلف، فقد تحركت القاهرة عقب مشاورات مع قوى عدة ورسمت معها الخطوط العريضة، وقدمت مبادرة مقبولة من الأطراف الراغبة في استئناف التسوية السياسية، ولم تتوقف عن الحركة في الفضاء الدبلوماسي”.

وأجرت القاهرة وحلفاؤها، محادثات مكثفة مع الاتحاد الأوروبي لحضّه على التخلي عن التردد واستغلال قدرات حلف شمال الأطلسي (ناتو) لوقف عملية تهريب الأسلحة إلى ليبيا، لأن أي تسوية أو مبادرة ستتحطم على أعتاب استمرار تدفق الأسلحة التركية إلى ليبيا.

وأعلن الاتحاد الأوروبي، الجمعة، أنه اتخذ خطوات عملية بشأن التعاون مع الناتو لفرض تطبيق صارم على منع تصدير الأسلحة إلى ليبيا، وهي خطوة مهمة ستحدد لأي مدى تريد الدول الغربية وقف الحرب في ليبيا.

كشف تعدد الأصوات في الولايات المتحدة عن تفاوت في الرؤى، فسّر الكثير من جوانب التناقض في المواقف الأميركية عموما حيال الأزمة الليبية، في وقت بدأت إيطاليا تخفف من حساسية موقفها حيال الخطوات التي تحظى بتأييد فرنسي كبير.

وعلمت “العرب” من مصدر سياسي مصري، رفض الكشف عن اسمه، أن جميع الحوارات الدبلوماسية التي خاضتها القاهرة مع قوى غربية، أكدت وجود نقص في التفاصيل حول التطورات الجارية على الأرض، “كل طرف لديه رؤية أو قناعة مسبقة يتصرف بموجبها”.

وأضاف المصدر، أن مشكلة الدول الغربية المهتمة بالصراع أنها أسيرة لحسابات تتعلق بأفكارها النظرية عن الديمقراطية والحريات والتعددية، وتنظر إلى القيادات العسكرية نظرة سلبية حتى لو كانت ضمانة للأمن والاستقرار، وهذا جعلها تتعاطف مع حكومة الوفاق في طرابلس، حتى لو كانت تتلقى دعما من تركيا ومرتزقة وإرهابيين، ففي النهاية لديها غطاء مدني.

ولفت إلى أن رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، عليه أن يتقدم الواجهة السياسية، فإعلان القاهرة بني على مبادرته السياسية السابقة، وباعتباره يرأس الجسم الوحيد الذي يحظى بشرعية دستورية لا أحد يشكك فيها، فتجربة المشير خليفة حفتر في تصدر المشهد أسيء توظيفها سياسيا.

وأكد أنه من خلال المناقشات، التي شارك في جزء كبير منها في عواصم مختلفة، يستطيع القول أن جزءا من التردد الغربي يرجع إلى “الخوف من رد الفعل التركي السلبي، في ظل امتلاك أنقرة لأوراق تمثل ابتزازا لبعض العواصم الغربية، وازدواجية المعايير التي تتحكم في التصرفات، فتعامل الدول الأوروبية مع الأزمة يختلف من دولة إلى أخرى”.

أفضت هذه السياسة إلى تخبط أوروبي واضح، استفادت منه أنقرة في توغلها في ليبيا، وخلقت واقعا محرجا للدول التي تشدقت بأنها قادرة على الحسم، حيث بدأت أوراق البعض تتآكل.

وتعلم القاهرة أن الهدف الرئيسي للتدخل التركي ينحصر أساسا في المكون الاقتصادي عبر مكونات عسكرية، لتحقيق مكاسب من وراء الثروة الليبية مباشرة، والاستفادة من الشراكة مع حكومة طرابلس في تعظيم الفوائد في غاز شرق البحر المتوسط.


وتحركت مصر على هذا المستوى مبكرا من خلال تعضيد التحالفات مع قبرص واليونان أولا، ثم تشكيل منتدى غاز شرق المتوسط، ضم قوى عديدة، يجمعها التضرر من الطموحات التركية والرغبة في الاستحواذ على مساحة كبيرة من مياه المتوسط.

ويزور القاهرة، وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس، الخميس المقبل، لتوقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع مصر، بعد أن طلبت أثينا رسميا، الأربعاء، إدراج سلوك تركيا في المنطقة على جدول أعمال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الاثنين.

ووقعت اليونان اتفاقا لترسيم الحدود البحرية مع إيطاليا، الثلاثاء الماضي، في خطوة مؤجلة منذ أكثر من أربعة عقود، بما وضعها في إطار تسخين الحرب الدبلوماسية على تركيا، وتغيّر تدريجي في موقف روما. يقطع الاتفاقان، الإيطالي والمصري، الطريق على توسيع نطاق الاستفادة التركية من السواحل الليبية، فهما يحصلان على جزء من الجغرافيا البحرية التي أرادت أنقرة ضمها إليها.


وأشار وزير الخارجية المصري الأسبق، محمد العرابي، إلى أن القاهرة نجحت في فرض واقع سياسي جديد في الأزمة الليبية، بينما فرضت أنقرة واقعا عسكريا، ما وضع العالم أمام خيارين، أحدهما يعالج مصالح الشعب الليبي وتمتد آثاره الإيجابية لقضايا أخرى ترتبط بوقف خطر تمدد الإرهاب الذي ترعاه أنقرة، والآخر عسكري يعني أن الأزمة سوف تطول لسنوات.

 وأضاف أن النظام الدولي الحالي ينحاز إلى منطق القوة، والعمل العسكري هو الذي يقود الوضع السياسي وليس العكس، لكن هناك رغبة من القاهرة في أن تضع العالم أمام مسؤولياته، الأمر الذي وضح من التحركات الدبلوماسية المكثفة، ومن خلال دعوة غالبية سفراء الدول المعتمدين في مصر لحضور توقيع إعلان القاهرة.

لدى القاهرة قناعة بأن جهودها الدبلوماسية لن تستطيع بمفردها وضع آلية تنفيذ الإعلان على الأرض، فالأمر بحاجة إلى دور أكبر من الأمم المتحدة، وأطراف مؤتمر برلين، لكنها قادرة على حماية حدودها بالشكل الذي لا يمثل خطراً عليها، إذا لم تجد الاستجابة السياسية المطلوبة.