ألم وغموض يخيمان على سكان غزة رغم مرور عام على إعلان الهدنة

عودة التصعيد العسكري بين حماس وإسرائيل مسألة وقت

لا يزال لدى سكان قطاع غزة تخوف من عودة التصعيد العسكري بين الفصائل وإسرائيل على الرغم من مرور عام على إعلان الهدنة، ويسود الشارع الاعتقاد بأن المواجهة الجديدة قد تكون “مسألة وقت” فقط.

سكان غزة يدفعون ثمن التصعيد

غزة

يرى مراقبون فلسطينيون أن عودة التصعيد العسكري بين الفصائل الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة وإسرائيل بعد عام من وقف إطلاق النار بين الجانبين قد تكون “مسألة وقت”، في ظل تعثر الوصول إلى حل يفضي إلى إنهاء أزمات القطاع.

ويقول المراقبون إن إسرائيل تنصلت من كافة التفاهمات في غزة عقب انتهاء موجة التوتر في مايو 2021 أبرزها فتح المعابر بشكل كامل ومستمر وإنهاء الحصار المفروض على القطاع وإدخال مواد البناء لإعادة الإعمار، بالإضافة إلى وقف الاعتداءات على القدس والمسجد الأقصى.

وعلى مدى 11 يوما، شن الجيش الإسرائيلي هجمة عسكرية واسعة النطاق على القطاع العام الماضي، تعد الأعنف منذ العام 2014، في أعقاب إطلاق الفصائل الفلسطينية المسلحة وابلا من الصواريخ.

وخلال موجة التصعيد التي بدأت في العاشر من مايو، استهدف الطيران الحربي المئات من المنازل السكنية والبنى التحتية، مخلفا أكثر من 260 قتيلا، بينهم أطفال ونساء، فيما قتل حوالي 14 إسرائيليا جراء الهجمات الصاروخية.

وفي الحادي والعشرين من مايو من نفس الشهر توصلت الفصائل الفلسطينية على رأسها حركة حماس إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع إسرائيل برعاية مصرية، مقابل أن تلتزم إسرائيل بتنفيذ التفاهمات تجاه القطاع الذي يقطنه زهاء مليوني نسمة ويعاني أوضاع اقتصادية صعبة.

وشهد القطاع عقب انتهاء جولة التصعيد انتعاشا اقتصاديا بعد إعادة السلطات الإسرائيلية فتح المعابر جزئيا والسماح لآلاف من العمال الفلسطينيين بالتوجه إلى العمل داخل إسرائيل، بالإضافة إلى إدخال مواد بناء من أجل البدء بإعادة الإعمار.

واعتبر مسؤولون فلسطينيون أن من شأن تخفيف الحصار الإسرائيلي عن غزة المساهمة في التوصل إلى اتفاق تهدئة طويل المدى، مما يتيح للجانبين (الفلسطيني والإسرائيلي) الاهتمام بالوضع الداخلي لكليهما أكثر وإعادة ترتيب أولويات الشعبين.

وساهمت تلك التخفيفات في إعطاء الأمل للسكان المحليين في الشريط الساحلي بقرب التوصل إلى اتفاق سياسي مع إسرائيل يساهم بشكل كبير في إعادة بناء القطاع عمرانيا واقتصاديا في المستقبل القريب.

ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة مخيمر أبوسعدة إن أهم العوامل التي كانت سببا في اندلاع موجة التوتر الماضية هو التصعيد الذي كان مسيطرا على المسجد الأقصى بسبب الاستفزازات الإسرائيلية وهو ما يزال مستمرا حتى الآن.

ويؤكد أبوسعدة أن الإسرائيليين يواصلون اقتحام الأقصى ومنع المصلين من تأدية طقوسهم الدينية وشن حملات دهم واعتقال للفلسطينيين في الضفة الغربية، يترافق مع ذلك بقاء الحصار على غزة وعرقلة عملية الإعمار.

ويضيف أبوسعدة أن الأحداث الميدانية “هي عبارة عن صواعق تفجير تنذر بأن خوض عملية تصعيد عسكرية جديدة في غزة ما هي إلا مسألة وقت (…) هذا مرتبط بشكل أساسي بالتطورات التي تجري على الأرض”.

وأكدت حركة حماس التي تسيطر على القطاع منذ العام 2007 أن المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل متوقفة منذ فترة، مشيرة إلى أنها عادة ما تكون “موسمية ولوقت محدد وتنشط عادة في أوقات التوترات العسكرية، لكنها تتوقف مباشرة بعد انتهاء تلك التوترات”.

ويقول حازم قاسم الناطق الرسمي باسم الحركة في غزة “حاليا نحن نعيش أوضاعا متوترة سياسيا وأمنيا، ولا يوجد أي حديث عن تهدئة أو مفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي”.

وأضاف أن كل ما يتم تداوله “محليا أو إسرائيليا” عن وجود مفاوضات للوصول إلى تهدئة مع إسرائيل غير صحيح، لافتا إلى أنه “لا يمكن الحديث عن مثل هذا الاتفاق في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على أهلنا في القدس والضفة الغربية وإبقاء حصار غزة كما هو”.

ومع ذلك، بحسب الناطق باسم حماس، يسعى الوسطاء العرب والأمميون جاهدين لمنع التورط في توتر جديد من خلال تكثيف “اتصالاتهم ومناقشاتهم مع الحركة لضبط النفس”.

ويقول قاسم “لا يمكن مقايضة المقاومة من خلال بعض التسهيلات التي تقدمها إسرائيل، لأن ذلك لن يمنعنا من إسناد أهلنا في القدس، وأن نتبنى مواقف وطنية تجاه قضايانا الأساسية في مقدمتها القدس والمسجد الأقصى”.

ويحتاج قطاع غزة إلى حوالي مليار دولار من أجل تعمير الأضرار التي خلفتها الحروب الإسرائيلية، ومليارين لإنعاشه من جديد وإعادته إلى الحياة، بحسب وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية ناجي سرحان.

ويقول سرحان إن احتياجات القطاع بسبب الموجة الأخيرة فقط حوالي 479 مليون دولار، خاصة أن نحو 1500 وحدة سكنية تم تدميرها بالكامل، إضافة إلى 880 وحدة دمرت بشكل جزئي غير صالحة للسكن، و56 ألفا ما بين جزئي وطفيف.

وأشار سرحان إلى وجود احتياجات إضافية يجب توفيرها للقطاع من جراء الحروب السابقة، في ظل وجود عدد غير بسيط من المنشآت التي لم يتم إعادة إعمارها حتى الآن.

وشرعت الوزارة التي تديرها حماس في غزة في عملية الإعمار من خلال صرف أموال بواسطة الأمم المتحدة للمتضررين لإعادة بناء منازلهم المتضررة أو المهدمة بشكل كامل.

وفيما تعمل مصر على بناء 3 مدن سكنية تشمل قرابة 4 آلاف شقة كانت قد أعلنت عن تمويلها بقيمة 500 مليون دولار، ورغم ذلك ما تزال عجلة الإعمار تسير ببطء بعد مرور نحو عام.

ويرجع المتحدث باسم حماس أسباب ذلك إلى أنها سياسية “بحتة”، متهما إسرائيل والأمم المتحدة والسلطة الفلسطينية بذلك.

ويقول “إسرائيل تواصل فرض قيودها على القطاع وتمنع دخول الأموال بشكل مباشر للمتضررين، بينما تتعامل الأمم المتحدة ببطء مع عملية الإعمار على الرغم من توفر أموال المانحين لديها، فيما تمنع السلطة الفلسطينية البنوك من استقبال أموال المانحين”.

ومنذ مارس الماضي قتل 18 إسرائيليا في هجمات نفذها فلسطينيون داخل مدن إسرائيلية في أخطر موجة تصعيد منذ 7 أعوام.

وبعد ذلك حرض مسؤولون وصحافيون إسرائيليون على استئناف عمليات الاغتيال بحق قادة فلسطينيين خاصة زعيم حماس في غزة يحيى السنوار، مشيرين إلى دعوة أطلقها خلال كلمة في غزة إلى الشباب الفلسطينيين داخل إسرائيل لاستئناف العمليات الفردية ردا على الممارسات في الأقصى.

وعلى الرغم من أن حماس قللت من شأن التهديدات الإسرائيلية، إلا أن أبوسعدة يرى بأنه في حال تم “اغتيال السنوار” فإن الحركة ستخوض “حربا شرسة” مع إسرائيل قد تمتد إلى ساحات أخرى خارج قطاع غزة.

وأضاف أبوسعدة أن “اغتيال السنوار لا يعني انتهاء حماس”، مشيرا إلى أن اغتيال “قادة سابقين من الصف الأول في الحركة سياسيين وعسكريين لم يضعفها”.

وفي المقابل شكك المحلل السياسي حسام الدجني في احتمالية حدوث تصعيد عسكري في القطاع على الرغم من ضبابية وجود حل سياسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الأفق.

ويقول الدجني إن حماس “لن تذهب إلى مواجهة بغرض المواجهة فقط، يجب أن يكون هنالك محدد ميداني قوي يفرض عليها ذلك التوجه، مثل اغتيال أحد قادتها (…) ولكن إسرائيل ستفكر ألف مرة قبل أن تفعل ذلك”.

وأضاف الدجني أن “حربا جديدة مع حماس تعني تفكيك الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الذي يقوده نفتالي بينيت”، مشيرا إلى أن حكومة بينيت عملت في أكثر من مناسبة على منع توتر مع غزة من بينها وقف مسيرة الأعلام التي حاول المتشددون الإسرائيليون تنفيذها في المسجد الأقصى الشهر الماضي.

ويرى الدجني أن حماس وإسرائيل “غير معنيتين بحرب جديدة ولكن قد تتجه الأمور نحو الأسوأ في حال رضخ بينيت لضغوطات الأحزاب اليمينية المتطرفة”، مشيرا إلى أنه “سيخسر مسيرته السياسية حينها إلى الأبد خاصة مع تعاظم قوة المقاومة الفلسطينية عسكريا”.