بروز المطامع الأميركية – الروسية يفقد فرنسا حصرية النفوذ في مالي

الجزائر تبحث عن إنقاذ اتفاق السلام في مالي قبل انفجار بؤرة صراع دولي

انحسر النفوذ الفرنسي التاريخي في أفريقيا وخاصة في دولة مالي بشكل متسارع، ما فتح البلاد أمام مطامع قوى دولية أخرى تسعى لملء الفراغ وهو ما يمثل تحديا أيضا أمام دول الجوار المتدخلة في الشأن الأمني الإقليمي.

روسيا بصدد ملء الفراغ الفرنسي

الجزائر

شكل بروز المطامع الأميركية والروسية بشكل لافت في دولة مالي، إيذانا صريحا بنهاية النفوذ الحصري والتاريخي لفرنسا في دولة مالي، فبعد تصريحات ممثلة معهد كارتر والسفيرة الأميركية في الجزائر بيزا ويليامز حول عدم قدرة باريس على حل الأزمة المالية منفردة، جاء تأكيد رئيس الدبلوماسية الروسية سيرجي لافروف حول استعداد موسكو لمساعدة باماكو في محاربة الإرهاب، وفيما تتشبث الجزائر باتفاق السلام المبرم على أراضيها، تتجه الأزمة المالية إلى المزيد من التعقيد والتشابك بين القوى الدولية.

وصرح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، بأن بلاده ستواصل دعم مالي في حربها ضد الإرهاب، وذلك خلال لقائه بنظيره المالي عبدالله ديوب، وهو التصريح الذي يأتي في سياق مسلسل متسارع تستشف منه لعبة استعراض القوى والمصالح بين القوى المتصارعة.

وقال لافروف “من المهم للغاية بالنسبة إلينا أن نستمع إلى تقييماتك الجديدة للوضع المتطور في بلدكم، وحول جهود حكومتكم في تطبيع الوضع، بما في ذلك ما يتعلق بالقضاء على التهديدات الإرهابية، وسوف نواصل كافة الدعم الممكن لكم “.

وأضاف “أفريقيا هي صديقتنا القديمة، ونحن معنيون بالمساعدة في حل الأزمات التي تواجهها القارة، والتي لا زالت قائمة مع الأسف، في أقرب وقت ممكن، وروسيا بصفتها عضوا في مجلس الأمن، وكذلك على المستوى الثنائي، سوف تستمر في تقديم الدعم والمساعدة”.

وجاء تصريح وزير الخارجية الروسي، الذي تدعم بلاده السلطات المالية الحالية، في أعقاب محاولة انقلاب فاشلة قادها ضباط مدعومون من عواصم غربية، حاملا رسالة تنبئ بوصول الصراع إلى مرحلة كسر العظم بين الطرفين في الدولة الأفريقية الفقيرة، ولا يستبعد أن تكون القوات الأمنية الروسية العاملة في باماكو هي التي أفشلت الانقلاب.

وأعرب وزير الخارجية الروسي الجمعة عن معارضة بلاده لمحاولات فرنسا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي فرض هيمنتها على أفريقيا، وقال “نفهم محاولات فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى الادعاء بهيمنتها على منطقة أو أخرى في العالم، غير أن هذه المحاولات لا تعجبنا”.

واستدل على ذلك بكون وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان ومفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الأمن والسياسة الخارجية جوزيب بوريل أعربا له في سبتمبر الماضي في نيويورك، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، عن “قلقهما إزاء تطوير موسكو اتصالاتها مع أفريقيا وخصوصا مالي”.

وتابع “بوريل ولودريان بررا موقفهما هذا بالقول إن أفريقيا هي منطقة مسؤولية الاتحاد الأوروبي ونفوذه ومصالحه، وبطبيعة الحال لا أستطيع القبول بمثل هذه البراهين لأنها تعكس الاستعمارية الخالصة والاستعمارية الجديدة والعجز عن التخلي عن العوائد السابقة التي أدت بأفريقيا إلى الوضع الصعب في ذلك الحين”.

ويبدو أن موسكو تريد استغلال موجة الرفض المتوسعة في القارة السمراء للوجود الغربي، وإحياء مشاعر مناهضة الأفارقة للاستعمار الأوروبي، عبر إحياء ما تبقى من نزعة المقاومة الأفريقية.

وذكر لافروف في هذا الشأن بأنه “لا يزال صدى هذا الماضي الاستعماري محسوسا حتى الآن، خاصة فيما يتعلق بالحدود التي تم ترسيمها دون مراعاة أيّ عوامل سوى الممتلكات الاستعمارية لهذه الدولة أو تلك، وغيرها من الصعوبات التي يعاني منها الآن أصدقاؤنا الأفارقة”.

ولفت إلى أن “فرنسا تحاول الآن أن تملي على مالي ماهية الدول التي يتعين أو لا يتعين عليها التواصل معها”، مضيفا “هذا الأمر غير مقبول ولا يحسن سمعة الجمهورية الفرنسية والأساليب الفرنسية”.

وتأتي تصريحات رئيس الدبلوماسية الروسية في سياق مسلسل متسارع ظهرت فيه نوايا إقليمية ودولية لوضع موطئ قدم في الأزمة المالية، بالموازاة مع تراجع حظوظ اتفاق السلام المبرم في الجزائر العام 2015، والذي ترعاه رفقة المجموعة الدولية لكنه لم يتجسد إلى حد الآن، إن لم يكن قد أصبح من الماضي.

وأكدت السفيرة الأميركية بيزا ويليامز في محاضرة لها ألقتها بمقر وزارة الخارجية الجزائرية على أن “فرنسا غير قادرة على حسم وجود اتفاق سلمي من عدمه في مالي”.

وألمحت إلى نهاية حصرية النفوذ التاريخي الفرنسي بالمنطقة بالقول “ليس فرنسا من يمكنها حسم وجود اتفاق سلمي من عدمه في مالي، رغم أن توتر العلاقات بين باريس وباماكو هو مشكلة في هذا الملف، وأن جميع التدخلات العسكرية الأجنبية في القارة الأفريقية لم تكن إيجابية”، في إشارة أيضا إلى التغلغل الروسي عبر قوات فاغنر.

وأضافت “حالة الأمن في مالي تفقد الثقة في مالي مع دول جوارها ودول أفريقية أخرى وكذا من خارج القارة، وأن قدوم قوات شركة فاغنر إلى مالي قد عقد الوضع فيها وأدى إلى ردود فعل من طرف بعض الدول ومنها دول صديقة لمالي”.

وحول حظوظ اتفاق السلام الجزائري في حل الأزمة ذكرت ويليامز “لا أقول إن الجزائر ستحل مشاكل مالي، ولكن لها تأثير ايجابي وخبرة جيدة في التسيير والمساعدة في إفهام الفرقاء، وليست المرة الأولى التي تلعب فيها الجزائر دور الحكم في مثل هذه القضايا، وهي رئيسة ميثاق السلم والمصالحة، لاسيما وأنها تلتزم الحياد وترفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتمد في نفس الوقت يد المساعدة لبلدان الجوار، فضلا عن علاقاتها التقليدية مع السلطات في باماكو، وبهذا تستطيع أن تحل بعضا من المشاكل لكن على مالي حل مشاكلها بنفسها”.

وشددت ويليامز على أنه ” ليس من مصلحة أوروبا أن تبقى مالي في الحرب كونها تتكبد جميع المشاكل ومنها الهجرة غير الشرعية، وهذا يخيفها، وفي رأيي فإن دول الاتحاد الأوروبي ليست على اتفاق مع نظرة فرنسا وهناك اختلافات فيما بينها، وهناك بلدان في أوروبا تبحث عن طرق لمساعدة مالي وتخفيف الضغط عنها”.