اليمن..

هدنة بشروط حوثية.. تصعيد على الأرض يسبق مفاوضات الأردن

"أرشيفية"

موسكو

في كل محطة تسعى مليشيات الحوثي للمتاجرة بمعاناة اليمنيّين، باستخدامها أوراق ضغط، للمزيد من التنازلات ضمن أي مفاوضات تجمعها بالشرعية.

فقد استبقت مليشيات الحوثي عقد مفاوضات لرفع حصار تعز، المقررة في الأردن نهاية الأسبوع الجاري، ودفعت بتعزيزات غير مسبوقة إلى جبهات المحافظة اليمنية، للضغط على إبقاء الهدنة بشروطها.


يأتي ذلك، وما زالت مليشيات الحوثي لم توافق صراحة على تمديد الهدنة اليمنية، المقرر انتهاؤها في الثاني من يونيو/حزيران المقبل، بذريعة أن التهدئة "لم تكن مشجعة بما يكفي"، وأنها بحاجة لـ"مزايا اقتصادية وإنسانية" على حد اشتراطاتها الجديدة.

ويتمسك الحوثيون بعدم تقديم أي تنازلات في الهدنة، بما في ذلك فتح الطرقات إلى تعز، وتسليم المرتبات من رسوم الوقود الذي تدخل عبر ميناء الحديدة، في حين استوفت الحكومة اليمنية والتحالف العربي كافة البنود، وفقا للاتفاق.

عبث حوثي على الأرض
وقال مصدر عسكري، لـ"العين الإخبارية"، إن مليشيات الحوثي دفعت بمئات العناصر المدججة بالأسلحة إلى جبهات مدينة تعز، بالتزامن مع إعلانها وصول ممثليها إلى الأردن، لعقد مفاوضات، يفترض أنها لفتح شريان إلى المدينة.

وأوضح أن عشرات الأطقم العسكرية المحملة بالأفراد والمدافع، وصلت إلى جبهات"حذران" و"غراب" و"الدفاع الجوي" و"الأربعين" شمالي تعز، فضلا عن مجاميع نشرتهم في الجبهات التي تطوق المدينة شرقا وغربا.


وبحسب المصدر ذاته فإن التصعيد على الأرض، يستهدف من خلاله الحوثيون الضغط لفرض هدنة بشروطهم، ولن يتحقق أي اختراق لفتح ممرات إلى تعز، كون الطرقات باتت حقول ألغام ضخمة.

وكان مصدر عسكري آخر قال لـ"العين الإخبارية"، إن مليشيات الحوثي كثفت من نشاطها العسكري في جبهات جنوبي مأرب، وسعت لدعم عناصر قبلية مسلحة في مسعى للهجوم على مواقع العمالقة في أطراف "حريب".

في المقابل كان مجلس القيادة الرئاسي قد أعلن مؤخرا أنه استوفى كافة بنود الهدنة، بما فيها تدفق الوقود عبر ميناء الحديدة، والرحلات عبر مطار صنعاء بجوازات سفر حوثية، فضلا عن الالتزام بوقف إطلاق النار الشامل رغم الخروقات الحوثية.

هدنة من طرف واحد
يرى سياسيون يمنيون أن مليشيات الحوثي تريد من التصعيد على الأرض فرض حضورها العسكري لأخذ تنازلات إضافية، بجانب فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة، وفصل الشق الإنساني والاقتصادي عن العسكري بتعز. 

ووفقا لرئيس مركز "جهود للدراسات" في اليمن عبدالستار الشميري، فإن مليشيات الحوثي تمرست جيدا على إدارة المفاوضات، وعلى إدارة التصعيد بالتفاوض، لترفع سقف مطالبها مؤخرا، بعد أن حصدت تنازلات بلا مقابل، كفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة وصفقة الأسرى.


وقال الباحث السياسي -في تصريحات لـ"العين الإخبارية"- إن "مليشيات الحوثي تريد أن تأخذ ضمانات إضافية، وتشترط أن يكون هناك المزيد من المساعدات، وأن تؤسس لدويلة في مناطق سيطرتها، ولا تريد أن تقدم أي تنازل".

وأشار إلى أن مليشيات الحوثي ما زالت تتمسك بكل شروطها سياسيا؛ من بقاء السلاح تحت سيطرتها، وعدم استكمال اتفاق الحديدة، الذي يقضي بالانسحاب من رأس عيسى والصليف، فيما تتمنع عن تنفيذ اتفاق ستوكهولم.

خطوة مقابل خطوة
وبالنسبة لرأيه بشأن الآليات المطلوبة في مفاوضات حصار تعز، أكد الشميري أنه "يتوجب على الشرعية أن تعيد مسار التفاوض إلى طريقه الصحيح، بفرض معادلة وازنة، وأن يكون مقابل كل خطوة يريدها الحوثي خطوة مقابلة".


وحول تنفيذ الحكومة اليمنية كل تعهدات الهدنة، يرى الباحث اليمني أنه كان ينبغي أن يكون فتح مطار صنعاء، قد رافق فتح معابر تعز، وأن يكون إدخال السفن إلى ميناء الحديدة -التي تتعدى رسومها مليار ريال يمني- مع بدء صرف وتسليم المرتبات للموظفين.

لكن الحكومة اليمنية ما زالت لم تفقد بعد أوراق القوة، ولا يزال بإمكانها اتخاذ سياسة العصا والجزرة، بحيث تتحدث بصوت خفيض وتلوح بعصا غليظة، بما فيه ورقة الانسحاب من اتفاق ستوكهولم، والتلويح بالخيار العسكري، وفقا لرئيس مركز جهود للدراسات باليمن.

"تكيتك إيراني"
وأضاف: "ما يدور حاليا هو هدنة من طرف واحد، وأن الحوثيين -بتكتيك إيراني- يحصدون كل شيء ولن تأخذ الشرعية شيئا واحدا من الهدنة حتى الجبهات في مأرب وحجة وتعز تعيد المليشيات ترتيب صفوفها مجددا فيها".

وأكد ضرورة إعادة الشرعية النظر في طريقة تفاوضها، وعدم الرضوخ للضغوط الدولية والأممية، التي تأخذ من الشرعية تنازلات، ولا تضغط على الطرف الحوثي، وهذا واضح في مكاسب الهدنة، من حيث تزمينها وتوقيتها وليس أدل على ذلك من اعتماد وثائق حوثية للسفر.

ويحث الشميري أيضا على أهمية سرعة وفاعلية مجلس القيادة الرئاسي في إعادة توحيد القوات العسكرية، وإعادة ترتيب الجيش اليمني، وهي خطوة لم تبدأ بعد، وكلما تأخرت تعد ورقة رابحة بلا شك لمليشيات الحوثي. 

اختبار حصار تعز
لا يزال رفع حصار تعز امتحانا آخر، لإثبات جدية الحوثيين في السلام، إضافة إلى فاعلية المجلس الرئاسي، واختبار لمسار هدنة الوسيط الدولي في اليمن هانس جروندبرج.

ومنذ عام 2016، كان ملف تعز حاضرا في كل الاتفاقيات والمشاورات، التي وافقت عليها المليشيات، لكنها أبقته ملفا هامشيا، أو ورقة تمسكت بها للضغط والمناورة.

وطبقا للناشط السياسي في حزب المؤتمر الشعبي العام رشاد الصوفي فإن فتح شريان إلى تعز، وتمديد الهدنة، لا يعني نهاية المواجهات، أو التوصل إلى اتفاق سياسي؛ حيث إن "رعونة الحوثي ما زالت أكبر من إغراءات التهدئة وحتى الإقليمية".

ويرى الصوفي -في تصريح لـ"العين الإخبارية"- أن موقف مليشيات الحوثي الأخير من تمديد الهدنة يأتي في إطار الاستهلاك الإعلامي فقط، بينما الممارسات على الأرض تذهب بعيدا، وتؤكد أن كل التحركات تؤسس لاستمرار التصعيد واستثمار الهدنة لتعزيز الحضور العسكري.

وأوضح أنه خلال شهري الهدنة لم تتوقف الخروقات الحوثية يوما واحدا، وواصلت ماكينة الحرب الحوثية في تشييد المتارس والخنادق وإيصال التعزيزات، كما لم تنفذ المليشيات أي بند من بنود الهدنة من رفع حصار تعز إلى دفع مرتبات الموظفين إلى التصعيد العسكري.

وتعمدت مليشيات الحوثي إبقاء ملف تعز إلى آخر أيام الهدنة، بعد أن تمسكت بالحصار كورقة، مقابل ميناء الحديدة، ثم مطار صنعاء، ومؤخرا مقابل تمديد الهدنة، من أجل "مزايا إنسانية واقتصادية" لم تحدد ماهيتها بعد.

وبحسب السياسي اليمني البارز وسفير اليمن بلندن ياسين سعيد نعمان؛ فإن "التغني الحوثي بتشغيل مطار صنعاء، وكذلك تسهيلات ميناء الحديدة، تستهدف قلب الطاولة على المعنى الوطني والإنساني لهذه الهدنة".

وأشار نعمان -عبر حسابه على"فيسبوك"- إلى أن "التنازلات التي قدمتها الشرعية أظهرت الحوثيين على حقيقتهم، كطرف يتحدث عن الحصار والإنسانية، لكنه يمارس أبشع أنواع الحصار على أكثر من ثلاثة ملايين مواطن، في ظروف غاية في البؤس والقسوة والمعاناة في محافظة تعز".

ومنذ 2016، يناور الحوثيون بالقضايا الإنسانية للهروب من استحقاقات السلام، إلا أنهم يرفضون فتح شريان إنساني واحد إلى مدينة تعز، كبرى مدن اليمن كثافة سكانية.

ومن المقرر أن تنطلق مفاوضات بين وفدي الحكومة اليمنية ومليشيات الحوثي الخميس المقبل، لرفع حصار ترزح تحته تعز، ضمن استحقاقات الهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة.

وعرقلت مليشيات الحوثي -بشكل متكرر- جهود الأمم المتحدة لفتح الممرات والطرقات إلى مدينة تعز، كان آخرها "تفاهمات تعز" بموجب اتفاق ستوكهولم، الذي وافق الحوثيون عليه، قبل أن يتنصلوا من تعهداتهم.