الإدارة الأميركية..

جهود الولايات المتحدة لاحتواء الصين وسط أزمة أوكرانيا تحتاج إلى استراتيجية شاملة

"أرشيفية"

واشنطن

 تنشغل السياسة الخارجية الأميركية بما يجري في أوكرانيا والحرب التي لا يبدو أنها ستنحسر قريبا، وإنما تدفع الولايات المتحدة تدريجيا نحو تصادم مباشر مع روسيا. في المقابل، تشتت حرب أوكرانيا جهود واشطن، مما يسمح لبكين بالتوسع أكثر وتقويض نفوذ الولايات المتحدة.

ويرى الدبلوماسي الأميركي السابق زلماي خليل زاد أنه من بين التحديات التي تواجه السياسة الخارجية لبلاده في الوقت الحالي هناك تحديان يشكلان الخطر الأكبر المحتمل لأمن البلاد ولمستقبل النظام العالمي.

وقال السفير الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة في تحليل نشرته مجلة ناشونال إنترست الأميركية إن الخطر الأول هو التحدي الذي تفرضه الصين كقوة صاعدة تسعى لتجاوز الولايات المتحدة كأبرز قوة في العالم. أما الثاني، فهو روسيا التي تشكل قوة آخذة في الانحسار ترتكب عملا عدوانيا صادما ضد أوكرانيا في محاولة غير ذات جدوى لاستعادة مجد إمبراطوري.

ويرى خليل زاد، الذي عمل أيضا سفيرا لبلاده في العراق وأفغانستان، أنه في حين أن التحدي الذي تفرضه حرب روسيا على أوكرانيا يعتبر أمرا عاجلا، من منظور الأمن القومي، تشكل الصين تهديدا أكثر شمولا وخطورة وذا أبعاد اقتصادية وسياسية وتكنولوجية وعسكرية.


زلماي خليل زاد: الصين تهديد خطير يدفعنا إلى تركيز اهتمامنا ويوحّد بيننا

وحتى في الوقت الذي تتعامل فيه الولايات المتحدة مع مسألة أوكرانيا يتعين أن “يظل التهديد الصيني هو التركيز الأساسي (…) ولم يكن الحال كذلك خلال معظم فترة ما بعد الحرب الباردة، وهو ما سمح بالصعود المستمر للصين، والذي تواصل الولايات المتحدة الإسهام فيه.

وركزت الولايات المتحدة في أعقاب تفكك حلف وارسو والاتحاد السوفياتي على أوروبا، وتوسيع حلف شمال الأطلسي (الناتو) شرقا، وحملت على عاتقها مسؤولية غير متناسبة تتعلق بأمن أوروبا، مثل مواجهة التحديات في منطقة البلقان.

وبدلا من أن تركز واشنطن بشكل جاد على التهديد الصيني المتنامي، واصلت بشكل أساسي سياستها إزاء بكين، كما كان الحال خلال الحرب الباردة، فقط مع تغيير المنطق المصاحب لذلك.

وقد احتضنت الولايات المتحدة الصين خلال الفترة الأخيرة من الحرب الباردة بسبب إيمانها أن السوفييت أقوى من الولايات المتحدة، وذلك اعتقادا من واشنطن بأنه في ظل العداء الصيني – السوفياتي، سيخدم وجود صين قوية المصالح الأميركية. ولكن حتى بعد أن اتضح أن الاتحاد السوفياتي أضعف كثيرا مما كانت تعتقد الولايات المتحدة وحتى بعد تفككه ظلت تحتفي باحتضان الصين بدلا من التشكك فيها.

وواصلت الولايات المتحدة بعد نهاية الحرب الباردة اتباع نفس السياسات التي دعمت الصين، واعتقدت أن التقدم الاقتصادي سيحول الصين إلى دولة ديمقراطية وسيقوض سلطة الحزب الشيوعي الصيني. ولكن هذا لم يحدث.

ويوضح خليل زاد أن الصين تتحرك على جبهات مختلفة لتصبح القوة الأبرز في العالم. وفي ما يتعلق بالتكنولوجيا، سبقت الصين الولايات المتحدة في بعض المجالات، كما أن قوتها العسكرية تتزايد. وأنجزت الصين تقدما واسعا في المجال الاقتصادي. وفي معظم هذه المجالات، حققت بكين مكاسب مهمة “من خلال مشاركتنا الخاطئة في ذلك، وتوظيفهم الحاذق للفرص التي يوفرها القطاع الخاص الأميركي”.

وكانت العمالة الرخيصة ومنشآت الإنتاج السريعة ذات التكلفة المنخفضة والسوق الضخمة في الصين وراء انجذاب الشركات الأميركية لنقل عمليات تصنيع رئيسية إلى الصين. ونتيجة لذلك ازدهرت الصين وصارت الولايات المتحدة تعتمد عليها في مجالات أساسية.


وقال خليل زاد إن الحزب الشيوعي الصيني استخدم القوة الاقتصادية لمد النفوذ الصيني في أنحاء العالم، فقد صارت العديد من دول العالم مديونة بشكل كبير للصين. كما أن بكين تستفيد من علاقاتها الاقتصادية ومبادرة الحزام والطريق لتحقيق مميزات جيوسياسية.

وتسعى بكين لإنهاك واشنطن خارجيا بدعم أعداء الولايات المتحدة مثل إيران وكوريا الشمالية، كما تعمل على تقويض الداخل الأميركي بدعم روح الانقسام، والنيل من ثقة الشعب الأميركي في مؤسسات بلاده من خلال أدوات تشمل تطبيق تيك توك، وإدمان الشباب للمخدرات المنتجة في الصين مثل الفنتانيل، وهذه نقاط ضعف يتعين على الأميركيين أن يقروها وأن يتعاملوا معها.

وفي خضم ذلك تأتي حرب أوكرانيا، ويعتمد الأمر على الولايات المتحدة فيما إذا كانت هذه القضية ستصب في صالح الصين، أو في تنشيط الغرب. وينطوي غزو الرئيس فلاديمير بوتين على مخاطر جمة، ولكنه يقدم أيضا فرصا مهمة.

ويقول خليل زاد “يبدو أن حلفاءنا الأوروبيين صاروا يدركون أخيرا أنهم يواجهون مخاطر أمنية حقيقية، وأنه يتعين عليهم أخذها على محمل الجد من خلال وضع ميزانية واقعية للدفاع، وخفض الاعتماد على إمدادات الطاقة من روسيا”.

من المهم للولايات المتحدة أن تولي الاهتمام للشرق الأوسط للحيلولة دون وجود هيمنة إيرانية والحد من تزايد نفوذ الصين

ويرى الدبلوماسي الأميركي أن الأداء السيء لروسيا في أوكرانيا قد خلق فرصا لمزيد من التعاون الدفاعي مع دول مثل الهند، وآخرين اعتمدوا بشكل كبير على المعدات العسكرية الروسية. وقال إن إطالة أمد الصراع وكلفته في أوروبا مع امتصاص القوة العسكرية الأميركية والاهتمام الدبلوماسي، من شأنه أن يجعل روسيا أكثر اعتمادا على الصين، وهو ما يخدم أغراض بكين على غرار ما جرى في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر، ولذلك يتعين التوصل إلى نهاية سريعة للصراع في أوكرانيا من خلال تسوية تفاوضية مقبولة لموسكو وكييف.

كما أنه من المهم للولايات المتحدة أن تعطي مزيدا من الاهتمام للشرق الأوسط للحيلولة دون وجود هيمنة إيرانية في المنطقة، والحد من تزايد نفوذ الصين، والبحث عن فرص. وأكد أن البناء على “الاتفاقات الإبراهيمية”، على سبيل المثال، يخدم الاستقرار العالمي بإقامة علاقات تعاون بين دول تركز على السلام والنمو.

وبالنسبة إلى الصين، يقول زلماي خليل زاد إن على الولايات المتحدة اتباع استراتيجية احتواء شاملة يشارك فيها الحزبان الجمهوري والديمقراطي “حيث نواجه تهديدا خطيرا يدفعنا إلى تركيز اهتمامنا ويوحد بيننا”.

وتشمل العناصر الأساسية لهذه الاستراتيجية تعزيز الولايات المتحدة لقوتها في مواجهة التحديات التي تفرضها الصين، وضمان الريادة التكنولوجية، وتفحص أوجه القصور ونقاط الضعف في سلاسل التوريد الأميركية، ومعالجتها، ومواجهة توظيف الصين للتجارة والعلاقات الاقتصادية لتغيير ميزان المصالح في المناطق الحيوية وخاصة في آسيا. وأخيرا، على واشنطن الالتفات لنقاط الضعف الصينية، وتقرير أفضل الطرق لزيادتها، وبشكل خاص ما يتعلق بإجراءات بكين الفعالة لتقويض الولايات المتحدة من الداخل.

وفي ختام تحليله، يؤكد خليل زاد أن اتباع هذا النوع من الاستراتيجية لا يعني عدم الانخراط مع الصين أو تجنبها في قضايا حيوية للأمن الإقليمي والدولي، أو تحاشي التعاون في مجال مكافحة التغير المناخي “ولكن هذا التفاعل يجب أن يتم من مركز قوة، مع تقدير للحقائق المفزعة التي نواجهها