الحكومة تسعى لتجنب التأثير السلبي للزيادات التراكمية

امتصاص صدمات الأسعار في مصر لا يضمن استقرارا سياسيا

ينذر ترفيع الحكومة المصرية في أسعار العديد من المواد الاستهلاكية بالمزيد من إثقال كاهل المواطنين، ما سينتج عنه، حسب مراقبين، حالة من التململ الشعبي تضرب الاستقرار السياسي في البلاد.

تواصل الزيادة في المحروقات ينذر بتململ شعبي

القاهرة

 مررت الحكومة المصرية الأربعاء زيادة جديدة في أسعار المحروقات للمرة السادسة على التوالي خلال ثلاث سنوات دون أن تواجه رفضا شعبيا أو تململ يذكر، وبدت أكثر ثقة في الإقدام على زيادة طالت هذه المرة أسعار السولار المستخدم الرئيسي في وسائل نقل البضائع والمواصلات العامة.

وتعوّل الحكومة على استمرار حالة الاستقرار الشعبي الظاهرة الحالية ولم يتم إدخال تعديلات في تشكيلتها، على الرغم من تكرار الحديث عن إمكانية تغييرها مؤخرا.

ويتوقع العديد من المتابعين أن يهتز هذا الاستقرار حول الحكومة في ظل تزايد المشكلات الاقتصادية والارتفاع المستمر في أسعار الكثير من السلع والخدمات، والذي يتزامن مع زيادات عالمية أرخت بظلالها القوية على الحالة المصرية.

وقالت وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية إن لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية قررت زيادة سعر كل من بنزين أوكتان 95 بمقدار جنيه واحد ليصبح 10.75 جنيه للتر، والبنزين أوكتان 92 بمقدار نصف جنيه ليصبح 9.25 جنيه للتر، والبنزين أوكتان 80 بمقدار نصف جنيه ليصبح 8 جنيهات، والسولار بمقدار نصف جنيه ليصبح 7.25 جنيه للتر، في وقت يقترب فيه سعر صرف الجنيه مقابل الدولار إلى نحو 19 جنيها.

وقررت اللجنة التي اعتمدت عليها الحكومة منذ أكتوبر 2019 كآلية للتسعير التلقائي لتحرير أسعار الوقود بهدف خفض تكلفة دعم المواد البترولية في الموازنة العامة، تثبيت أسعار المازوت المستخدم في الصناعات الغذائية ومحطات الكهرباء، مع زيادة سعره لباقي الصناعات بمقدار 400 جنيه (22 دولارا) ليصبح 5000 جنيه للطن (265 دولارا).

وتراجع الحكومة المصرية أسعار المواد البترولية كل ثلاثة أشهر بناء على تطورات الأسعار العالمية للنفط، وسعر صرف الجنيه مقابل الدولار، وأعباء التشغيل داخل مصر، على ألا تتجاوز نسبة الزيادة أو الخفض 10 في المئة كحد أقصى.

ولم تكن الجهات الحكومية بحاجة إلى تبرير موقفها من الزيادات هذه المرة، في ظل ارتفاع أسعار النفط العالمية نتيجة التأثيرات المستمرة للحرب الروسية – الأوكرانية.

ووظفت الأمر للإقدام على رفع أسعار السولار الذي تخوفت من الاقتراب منه السنوات الماضية، وعليها تحمل تبعات ردة الفعل الشعبية مع زيادة أسعار السلع بنسبة تصل إلى 15 في المئة، تزامنا مع ارتفاع الأسعار بشكل مستمر جراء انخفاض قيمة الجنيه.

وقالت وزارة التنمية المحلية المصرية إن تعريفة المواصلات العامة الداخلية وبين المحافظات وبعضها سترتفع ما بين 5 و7 في المئة على جميع الخطوط، بعد الزيادة الجديدة في أسعار الوقود، لكن تبقى قيمة زيادة نقل البضائع والسلع والمنتجات كافة متوقفة على أصحاب المصانع وتجار التجزئة.

وقد تتمكن الحكومة من تجاوز ردة الفعل السلبية هذه المرة، لكن من الصعب توقع تأثير الزيادات التراكمية، وفي تلك الحالة قد لا يكون تغيير بعض الوجوه في تركيبتها أو الإطاحة بها بشكل كامل كافيا، وعليها مراجعة سياساتها الاقتصادية بوجه عام.

وتكمن الأزمة في أن الطبقات الفقيرة ستتأثر مباشرة جراء رفع أسعار السولار، وعلى الحكومة اتخاذ إجراءات فاعلة للحد من النتائج السلبية المنتظر أن يصاحبها ارتفاع في منسوب الغضب مع زيادة معدلات التضخم، وقلة قدرة الأجهزة المحلية على ضبط الأسعار وبقائها أسيرة في يد قيادات تواجه اتهامات متكررة بالفساد والمحسوبية.

وأشار المحلل السياسي جمال أسعد إلى أن الاستقرار السياسي لأي نظام يعني أن تكون هناك أرضية صلبة تربطه بالغالبية العظمى من الجماهير، و”إذا تصورنا أن الاستقرار السياسي هو توقف المظاهرات، فذلك يعبّر عن نظرة خاطئة للمفهوم الشامل الذي يكون نتيجة لتراكمات قد تتسبب في زيادة الهوة بين الحكومة والمواطنين”.

وقال لـ”العرب”، “لا يمكن الحديث عن الاستقرار السياسي مع إقدام الحكومة على اتخاذ قرارات بزيادة أسعار المحروقات مع استمرار الأزمة الاقتصادية منذ تعويم الجنيه في العام 2016، ومع توالي اتخاذ القرارات التي يتحملها المواطن بشأن زيادة أسعار الخدمات والسلع وزيادة معدلات التضخم وقلة القدرة الشرائية، إلى جانب عجز الموازنة العامة وتوجيه نسبة كبيرة من إيرادات الحكومة لتسديد فوائد الديون”.

وأوضح أن الحكومة افتقدت القرار الرشيد في اتجاهها نحو زيادة أسعار المحروقات، لأن هذا أمر يؤشر على خطر قد يكون قريبا يحيط بها وإن لم يكن هناك حراك شعبي مباشر ضدها، فالاستقرار لابد أن يصاحبه تخفيف الضغوط على الشارع.

ويبدو تجاهل حالة الرفض الشعبي للزيادات على مواقع التواصل الاجتماعي عاملا آخر ربما يهدد استقرار الحكومة، وأن القياس على حراك الشارع فقط لا يجعلها في معزل من الاستهداف، وقد تكون معرضة لفقدان الثقة في كافة قراراتها، وربما تجد نفسها دون غطاء شعبي صلب يمكنها من الاستمرار.

وأكد رئيس حزب الدستور السابق (معارض) خالد داوود أن القرارات الأخيرة تزيد من الأعباء على المواطنين، ولابد أن تعالجها الحكومة بإجراءات مناسبة للتخفيف عليهم، سواء أكان ذلك من خلال زيادة مخصصات دعم سلع وخدمات أخرى أو عبر زيادة مرتبات الموظفين، وعليها كذلك إثبات تحملها فاتورة السياسات الاقتصادية التي اتبعتها منذ سنوات وأفضت إلى التأزم الراهن.

وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن بعض المواطنين لديهم تفهم لأبعاد هذه القرارات الآن، لكن تبقى حدود القدرة على التحمل هي المعيار، لأن البعض يجد الحكومة في حالة من الرفاهية الظاهرة من وراء المشروعات العملاقة وتوالي الاستدانة من الخارج، وتبقى الإجراءات المؤلمة على المواطنين فقط.

ولفت لـ”العرب” إلى أن جلسات الحوار الوطني ستشهد التطرق إلى السياسات الاقتصادية التي تتبعها الحكومة، والتعرف على ما حققته الحكومة عبر تنفيذها روشتة صندوق النقد الدولي.

وتحرص الحكومة على أن يكون توقيت زيادات أسعار المحروقات في الإجازات الرسمية، بما لا يؤدي إلى وجود تكدس في محطات الوقود.

وجاء رفع الأسعار هذه المرة خلال إجازة عيد الأضحى الممتدة نحو أسبوع، ما يشي بمخاوفها من ردة الفعل الشعبية جراء زيادة أسعار تعريفة المواصلات العامة التي تشهد تكدسا وزحاما مستمرين أثناء أيام العمل الرسمية.