الرئيس المصري يمنح درجات علمية جديدة لخريجي الكليات العسكرية

مصر تعول على الضابط الاستراتيجي

القاهرة

أحدث القرار الذي أصدره الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أخيرا بشأن منح درجات علمية مدنية بالتوازي لخريجي الكليات العسكرية جدلا واسعا، خاصة أن الدرجات العلمية تتضمن العلوم السياسية والاقتصاد وإدارة الأعمال والاتصالات ونظم المعلومات، وكلها تمنحها الجامعات المدنية.

واختزل معارضو قرار الرئيس المصري رؤيتهم في اعتباره مقدمة لفتح الباب على مصراعيه أمام خريجي الكليات العسكرية لشغل المزيد من الوظائف المدنية في العديد من القطاعات الحيوية، وتهميش الخريجين من الجامعات الحكومية.

واستثمر المعارضون، ومعظمهم ينتمون لجماعة الإخوان أو يتعاطفون معها، صمت الحكومة في توضيح أهداف القرار ومغزاه وتوقيته وقدموا تفسيرات سياسية مختلفة تؤدي إلى إثارة الرأي العام ومحاولة إقناع الناس بأن أفراد الجيش أصبحوا دولة داخل الدولة وسوف يحصلون على امتيازات واسعة خصما من رصيد المدنيين.

ومنذ صدور القرار ونشره في الصحيفة الرسمية الأسبوع الماضي لم تتوقف بعض الأصوات المناوئة للحكومة عن التلميح إلى “تسييس” الجيش ليكون حزبا مواليا للسلطة، وهي مزاعم نفاها من قبل الرئيس المصري بشكل قاطع، لإدراكه خطورة ذلك على قوة وصلابة المؤسسة العسكرية، كما أن فكرة التسييس لا مكان لها داخل الجيش، وكانت من أسباب خصومة السيسي عندما كان وزيرا للدفاع مع نظام حكم الإخوان الذي سعى لأخونة المؤسسات الأمنية كافة.

ونص القرار على أن يحصل خريجو الكلية الحربية على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية والاقتصاد والإحصاء، ويحصل خريجو الكلية البحرية على بكالوريوس في العلوم السياسية، وتمنح الكلية الجوية للخريجين درجة البكالوريوس في التجارة وإدارة الأعمال تخصص إدارة الطيران والمطارات، وتمنح كلية الدفاع الجوي درجة البكالوريوس في الهندسة والاتصالات والإلكترونيات والروبوتات.

وتتزامن هذه الخطوة مع بدء الإعلان عن فتح باب التقديم للكليات العسكرية للحاصلين على شهادة الثانوية العامة (البكالوريا) التي سوف تعلن نتيجتها بعد أيام قليلة.

واشترطت وزارة الدفاع هذا العام حصول المتقدمين لكلياتها على مجاميع مرتفعة تقترب إلى حد كبير من تنسيق الكثير من الجامعات المدنية (من 72 في المئة فأكثر)، لإسكات الأصوات التي تدّعي دخول ضعاف المستوى إلى الكليات العسكرية، حيث كان من المعتاد فتح باب القبول من 60 في المئة فأكثر.

وتقوم الكليات العسكرية في مصر منذ فترة بإلحاق عدد من التخصصات المدنية بها، وكلية الشرطة، وتأهيلهم من خلال فترة دراسية مدتها حوالي عام، ليخدموا في مجالات بعيدة عن القتال.

الجديد هذه المرة يحمل إشارة بالتوسع في الكليات العسكرية وتخفيض الاعتماد على ما يسمى بالضباط المتخصصين في المستقبل.

ويرى خبراء أمنيون أن قرار رفع تنسيق القبول بالكليات العسكرية خطوة تستهدف تغيير الصورة التي علقت في أذهان البعض بأن الملتحقين بها من ضعاف المستوى الدراسي، وهي نغمة لعبت عليها تيارات معادية للسلطة، مثل جماعة الإخوان والسلفيين المحظور التحاق المنتمين لهما بالجيش المصري.

وحاولت بعض الأصوات ضرب علاقة الجيش بالشارع، مستغلة قرار السيسي بمنح خريجي الكليات العسكرية درجات علمية في كليات لا ترتبط بالقوات المسلحة، لتأكيد ما يصفه هؤلاء بـ”عسكرة الدولة” وتكريس السيطرة عليها من قبل الجيش.

وربط البعض بين زيادة حضور الجيش في الحياة المدنية من خلال قيامه بمشروعات تنموية واقتصادية ووجود جنرالاته في العديد من المناصب القيادية بالدولة، وبين تفكير السيسي في المزيد من التوسع لدور المؤسسة العسكرية، وقالوا بوجود مخطط لإبعاد المدنيين عن دوائر صناعة القرار داخل الحكومة والقطاعات الحيوية في الدولة.

واستبعد اللواء نصر سالم أستاذ العلوم الاستراتيجية بأكاديمية ناصر العسكرية العليا أن يكون منح خريجي الكليات العسكرية درجات علمية مقدمة لمزيد حضور الجيش في الحياة السياسية والاقتصادية وأن ذلك له علاقة مباشرة بما يُعرف بتصاعد “الحرب الهجين” التي تحتاج إلى إمكانيات خاصة في القائد العسكري.

وفسّر الخبير العسكري كلامه لـ”العرب” بأن الحروب الراهنة أبعد ما تكون عن حمل السلاح، لكنها سياسية واقتصادية وتجارية ورقمية ومعلوماتية، ما يتطلب من ضابط الجيش أن يكون ملمّا بكل هذه القضايا الشائكة، وعندما يتخرج في الكلية يكون ضابطا استراتيجيا، وهذا معمول به في دول متقدمة عديدة.

ولفت سالم، وهو عضو بلجنة التأهيل والإعداد لضباط القوات المسلحة المصرية، إلى أن الضابط الاستراتيجي من أهم متطلبات العصر، حتى يتعامل بفكر القائد، ما يتطلب منه الفهم الكامل لكل ما يدور حوله، بالتالي فالهدف من القرار تعزيز القوة العسكرية ليكون المقاتل صاحب سمات شخصية متكاملة.

ولا تزال الشخصية العسكرية لها أفضلية في العمل بالجهاز الحكومي ويرتاح لها الرئيس السيسي لقدرتها على إدارة الأمور بحسم وصرامة وانضباط، في ظل الترهل الواسع في الجهاز الإداري الذي تعرض لضربات قوية في مفاصله.

لكن مشكلة العديد من هؤلاء أنهم بلا خبرة سياسية كبيرة أو ثقل فكري ومعلوماتي وحنكة في التعامل مع الشارع، ما عرض بعضهم للإخفاق في مسؤولياتهم.

ولدى الكثير من المعارضين هواجس غير محدودة من الاعتماد على العسكريين في قطاعات الحكومة المختلفة، لكن السيسي عبر عن امتعاضه من هذه المخاوف، ويتعامل مع الجنرالات باعتبارهم من أدوات تماسك وقوة الدولة، لأن الانضباط جزء من تكوينهم الشخصي، وهو ما تحتاجه البلاد في الوقت الراهن.

وتشير دوائر سياسية إلى أن دراسة العلوم المدنية والسياسية والاقتصادية إلى جانب العلوم العسكرية ومنح مؤهلات علمية لها مقدمة للمزيد من الاعتماد على جنرالات الجيش في الجمهورية الجديدة التي يسعى السيسي لتعزيزها لتعتمد على سرعة الإنجاز والانضباط والصرامة بعيدا عن البيروقراطية.

ويبني هؤلاء رؤيتهم على أن الرئيس المصري يرغب في استحداث تخصصات علمية وسياسية واقتصادية بالكليات العسكرية لتوظيف بعض الخريجين في تحصين الجمهورية الجديدة من المخاطر المستقبلية بعيدا عن الحروب.
وقرر السيسي إنشاء مركز القيادة الاستراتيجي (الأوكتاغون) في العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة، ويحتاج إلى عسكريين بسمات معينة وسيكون مسؤولا عن إدارة الدولة بكل قطاعاتها بعقلية أمنية وسياسية وتكنولوجية، وهو ما يفسر دراسة طلاب الكليات العسكرية للسياسة مع الذكاء الاصطناعي.

وأكد سالم لـ”العرب” أن خريج الكلية العسكرية كلما كان على دراية بالحياة المدنية وتمرّس في العلوم السياسية والاقتصادية سيكون الاعتماد عليه أفضل في كل المجالات، وأن توقيت صدور القرار مرتبط بعدم وجود حروب حاليا تخوضها الدولة المصرية، لذلك تم استثمار الهدوء في التخطيط لتقديم عسكريين استراتيجيين لهم شخصية القائد لأن قوة الجيش تقاس بمعايير كثيرة بخلاف الشق العسكري والتسليح.

ويبدو أن الحكومة أدركت سلبية الاعتماد على عسكريين في مناصب قيادية أو ترشيحهم لقطاعات بعينها في غياب الخلفية السياسية والوعي الاقتصادي والمعلوماتي، وهي ثغرة اعتاد معارضو السلطة على توظيفها لتثبيت رؤيتهم أن نجاح الجنرالات عسكريا لا يعني بالضرورة تحملهم المسؤولية في الشق المدني بسهولة.

وبغض النظر عن دوافع النظام المصري من تخريج عسكريين بدرجات علمية مدنية ومدى علاقة ذلك بإمكانية الاعتماد عليهم مستقبلا، تظل مخاوف البعض مبررة بشأن تأثير العلوم المدنية على دراسة نظيرتها العسكرية، وحمل جنرالات المستقبل لأفكار سياسية بعينها قد تنعكس على العقيدة الأساسية، وهي القتال والدفاع عن الوطن.