أهالي الضحايا ينددون بتشكيل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء

حيلة "دستورية" لإفلات المسؤولين عن انفجار مرفأ بيروت

عادت قضية انفجار مرفأ بيروت إلى الواجهة مجددا مع مساعي البرلمان الجديد لتشكيل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وهو مجلس ينظر إليه على نطاق واسع على أنه منفذ المسؤولين عن انفجار المرفأ لتفادي المحاسبة.

أهالي الضحايا يرفضون المحكمة السياسية الصورية والوهمية

بيروت

 استأنف المشرعون اللبنانيون مساعيهم لتشكيل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء وهو مجلس يقول خبراء إنه “حيلة” دستورية لوأد التحقيق العدلي في انفجار مرفأ بيروت وإفلات المسؤولين من المحاسبة.

وفي ظل وجود مشاريع قوانين إصلاحية عاجلة على الرفوف، يستعجل البرلمان اللبناني النظر في تشكيل المجلس الذي لا يعتبر أولوية ملحة أمام الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد.

ورغم فشل البرلمان السابق في محاكمة المسؤولين المتهمين بالوقوف وراء الانفجار أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، جددت القوى السياسية مساعيها لتحويل الملف من القضاء العدلي إلى البرلمان الجديد، حيث يرجح مراقبون أن يتمكن المسؤولون عن الانفجار من الإفلات من المحاسبة الجزائية لجهة تحميلهم مسؤولية سياسية.

وندد أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت بإدراج القانون الرامي إلى تشكيل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء على جدول الجلسة النيابية خلال تحرك باتجاه مجلس النواب بالتزامن مع انعقاد الجلسة التشريعية.

وتوجه أهالي الضحايا إلى أعضاء مجلس النواب ورئيسه بالقول “إن انتخاب أعضاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء هو بدعة ولعبة من ألاعيبهم الشيطانية للهروب من التحقيق العدلي، وبالتالي المجلس العدلي، ولمنع محاكمتهم في أي جريمة ليكونوا الشرفاء النزيهين”.

وأضافوا “نرفض وبشدة هذه المحكمة السياسية الصورية والوهمية التي يحاولون من خلالها التنصل وبالإجماع من أي مسؤولية تقع عليهم، وتحت غطاء الدستور كما يقال الذي هم أسياده وهم من وضعوه”.

وطالبوا بالاعتراف بصلاحية القضاء العدلي لمحاكمة الوزراء في جريمة انفجار مرفأ بيروت.

ويرفض عدد من نواب البرلمان اللبناني استجواب زملائهم من جانب القضاء العدلي، مطالبين باتهامهم أمام المجلس الأعلى. ويرى حقوقيون لبنانيون أن طلب الاتهام هو بمثابة مناورة احتيالية لتهريب المتهمين من قبضة المحقق العدلي في قضية انفجار المرفأ، لأنه لا جديّة في الاتهام أمام هذا المجلس.

ويرى الخبير الدستوري عادل يمين أن “هذه المحاولة هي مسعى للالتفاف على التحقيقات التي يجريها قاضي التحقيق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت طارق بيطار، لأن الاتهام يتم بناء على آلية معقدة”.

ويضيف الخبير الدستوري أن “الآلية طويلة، خاصة أن لجنة التحقيق النيابية التي تنظر في الاتهام ليست مقيدة بأي مهلة زمنية، وهذا يقود إلى تمييع القضية”، معتبراً أن الأمر قد يعرقل عمل قاضي التحقيق.

وأخفق المجلس النيابي في تحويل استجواب النواب المتهمين إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، في ظل إصرار شعبي على مثولهم أمام القضاء، باعتبار أن الحصانات تسقط أمام هول جريمة مرفأ بيروت.

ويتألف المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء في لبنان من سبعة نواب (يتم انتخابهم بالاقتراع السري وبالغالبية المطلقة من مجموع أعضاء المجلس النيابي الـ128)، وثلاثة نواب آخرين احتياطيين، بالإضافة إلى ثمانية قضاة من أعلى القضاة رتبة بحسب درجات التسلسل القضائي أو باعتبار الأقدمية إذا تساوت درجاتهم وثلاثة قضاة احتياطيين، بحسب المادة 80 من الدستور اللبناني.

ويتولى المجلس الأعلى محاكمة رئيس الجمهورية على الجرائم العادية التي يرتكبها، أو على الخيانة العظمى أو على خرق الدستور، ويُتهَم أمامه رئيس الوزراء والوزراء بجرم الخيانة العظمى والإخلال بالواجبات المترتبة عليهم أو خرق الدستور. ويتم الاتهام من جانب المجلس النيابي فقط وبثلثين من أعضائه.

وذكرت المفكرة القانونية -وهي جمعية أهلية مقرّها بيروت وتضم قانونيين وباحثين- في دراسة على موقعها الإلكتروني أنه حصلت سابقة وحيدة دفعت المجلس النيابي إلى البتّ في طلبَي اتّهام عام 2003، وذلك بحق الوزيرين السابقين فؤاد السنيورة وشاهي برصوميان.

وأشارت المفكّرة إلى أن النوّاب رفضوا التصويت على طلب اتّهام السنيورة، ما أدى إلى ردّه، فيما وافقت غالبية 70 نائباً على طلب اتّهام برصوميان بتهمة بيع رواسب نفطية. ولكن في النهاية قرر البرلمان إغلاق ملف برصوميان وتبرئته بعد اعتبار أن الأفعال المنسوبة إليه غير ثابتة، ولا مبرّر قانونيا لاتهامه أو ملاحقته.

ولا تزال الأجندات السياسية تعيق تقدم التحقيقات المتعلقة بانفجار مرفأ بيروت، فيما فشلت ضغوط أهالي الضحايا في تحقيق أي اختراق في الملف مع رفض البرلمان اللبناني رفع الحصانة عن نواب (3 وزراء سابقين) مطلوبين للمثول أمام القضاء العدلي وتمسكه بمثولهم أمام مجلس محاكمة الرؤساء والوزراء الذي أخفق في عقد أي محاكمة منذ تأسيسه قبل 31 سنة.

وطلب المحقق العدلي في القضية طارق بيطار في يوليو الماضي رفع الحصانة عن 3 نواب للتحقيق معهم، وهم نهاد المشنوق وغازي زعيتر وعلي حسن خليل، إضافة إلى الوزير السابق يوسف فنيانوس.

إلا أن البرلمان لم يبتّ في الأمر، ورفع عدد من النواب عريضة اتّهام تطلب الإذن بملاحقة هؤلاء أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء لا أمام القضاء العدلي، وهو ما يرفضه أهالي الضحايا.

وفي بلد شهد خلال السنوات العشرين الماضية اغتيالات وتفجيرات وحوادث عديدة لم يكشف النقاب عن أي منها، إلا نادرا، ولم يحاسب أي من منفذيها، لا يزال اللبنانيون وعلى رأسهم أهالي 214 قتيلاً وأكثر من ستة آلاف جريح ينتظرون العدالة.

ويُشكك كثيرون في إمكانية التوصل إلى حقيقة ما حصل أو حتى محاسبة أي مسؤول سياسي أو أمني بارز.

وتؤكد مصادر قضائية أن الجزء الأكبر من التحقيق انتهى. لكن الحصانات والأذونات السياسية تقف اليوم عائقاً أمام استدعاء نواب ووزراء سابقين ورؤساء أجهزة أمنية وعسكرية كانوا يعلمون بمخاطر تخزين كميات هائلة من نيترات الأمونيوم في المرفأ، ولم يحركوا ساكناً لإخراجها منه.