قيس سعيد قادر على فتح كل الملفات متسلحا بصلاحياته الواسعة

الدستور التونسي الجديد يعزّز جهود الرئيس في مكافحة الفساد

يمنح الدستور الجديد الرئيس التونسي قيس سعيد صلاحيات واسعة لمواصلة حربه على الفساد دون حسابات سياسية، وذلك بعد أن استغلت الحكومات السابقة الملف كورقة في المعارك الدائرة بين مكونات النخبة الحاكمة في البلاد.

مكافحة الفساد من أهم وعود قيس سعيد الانتخابية

تونس

تجمع أوساط سياسية وحقوقية على أن الدستور الجديد في تونس يعزّز جهود الرئيس قيس سعيّد في الحرب على الفساد بالبلاد، بعد أن نخرت ممارسات الفساد المالي والإداري مختلف مؤسسات الدولة، وظلّت مقاومة الظاهرة مجرّد شعارات تكررها الحكومات المتعاقبة بعد 2011.

ويستند قيس سعيد في مهمته إلى فصول الدستور الجديد المخالف لسابقه، فضلا عن الصلاحيات الواسعة التي منحه إياها، خصوصا وأن دستور 2014 تم فيه تقاسم السلطات، وهي عوامل من شأنها أن تجعل الرئيس سعيّد يقطع أشواطا مهمة في الحرب على الفساد.

ويرى متابعون للشأن التونسي أن الحكومات السابقة استغلت الفساد كورقة في المعارك الدائرة بين مكونات النخبة الحاكمة في البلاد، وتم استخدام هذا الملف بشكل انتقائي لإضعاف نفوذ الخصوم على الساحة السياسية.

وتقول شخصيات سياسية إن مقاومة الفساد من أهم الملفات المطروحة على مكتب الرئيس وحكومته، بعد أن أضحت مطلبا شعبيا من أجل تعقب أثر الفاسدين ومحاسبتهم وفق القانون وبقضاء عادل.

وقال أمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي “أعتقد أن أول الملفات المطروحة الآن هو ملف محاربة الفساد، والدولة تحولت إلى دولة عصابات تتحكم في العملية السياسية، فضلا عن كون الشعب يطالب بمحاسبة من تلطخت أياديهم بدماء التونسيين ومحاسبة المستغلين للمال العام”.

وصرّح لـ”العرب”، “محاربة الفساد من الأهداف التي قامت عليها ثورة يناير 2011، وكذلك تكررت في مسار الخامس والعشرين من يوليو 2021، وفي السنوات الماضية كانت مجرد شعارات للحكومات المتعاقبة”.

وربط المغزاوي نجاح الرئيس سعيّد في الحرب على الفساد بـ”ضرورة تحرير القضاء من كل العراقيل الماضية وجعله قضاء عادلا، بعدما كان جزءا منه مرتبطا باللوبيات، علاوة على فتح كل الملفات دون حسابات سياسية”، مشيرا إلى أن “الرئيس سعيّد سيقدم مردودا أفضل في مهمته”.

ونجح الرئيس التونسي في اختبار الاستفتاء بموافقة غالبية كبيرة من المشاركين فيه على مشروع الدستور الجديد الذي يمنحه صلاحيات واسعة.

وأعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر مساء الثلاثاء قبول الهيئة مشروع نص الدستور الجديد للجمهورية التونسية المعروض على الاستفتاء بعد أن أيده 94.6 في المئة من الناخبين.

ويعد ملف مكافحة الفساد من بين المواضيع التي لم تكن تطرح بطريقة مباشرة قبل ثورة يناير 2011 لضلوع النظام السابق في ملفات الفساد بصفة مباشرة أو غير مباشرة وإصراره على انتهاج سياسة التعتيم، ولذلك لم يكن النظام القانوني المتعلق بمكافحة الفساد قبل الثورة متكاملا وذا فاعلية يهدف بجدية إلى تطويق هذه المعضلة.

ويتطلّع التونسيون إلى فتح ملفات فساد من الوزن الثقيل، كتلك المتعلقة بالمال السياسي الفاسد والتمويلات الأجنبية للأحزاب والجمعيات، فضلا عن فتح ملفات قضايا الإرهاب والتهريب والكشف عن الضالعين في تسفير الشباب نحو بؤر التوتر.

بدورها قالت الناشطة السياسية شيراز الشابي في تصريح لـ”العرب”، “الرئيس سعيد قادر على محاربة الفساد، إذا توفّرت إرادة سياسية قوية، ونأمل أن يتم فتح الملفات بصفة جدية”.

ويدعو مراقبون إلى ضرورة إضفاء صبغة مجتمعية شاملة على مفهوم الحرب على الفساد وتوفير مختلف الآليات اللازمة لذلك على غرار الكفاءات العلمية والقيام بدراسات معمقة ودقيقة تحت إشراف رئاسة الدولة.

واعتبر المحلل السياسي المنذر ثابت أن “الموضوع يتعلق بالمنهج وتحديد مفهوم الفساد والتشريعات المتعلقة به، فضلا عن معالجة شاملة للفساد كثقافة ومفهوم مجتمعي”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “نحتاج إلى مواجهة حقيقية للفساد، والرئيس سعيّد قادر على ذلك بالدستور الجديد، وعليه أن يتحمل مسؤوليته بتلك الصلاحيات الواسعة، وهو في اتجاه الصلح الجزائي وغلق ملفات تصفية الحسابات السياسية”.

وتابع ثابت “يمكنه إعداد دراسة شاملة وتحديد الآليات لمقاومة الفساد، وضروري أن تكون العملية وفقا لمقاييس، لأن مؤسسة رئاسة الجمهورية هي المؤسسة المركزية في الجمهورية الجديدة، ويجب أن يكون مركز الدراسات الاستراتيجية ضمن دائرة عمل الرئيس، وقيس سعيّد مطالب بأن يحيط نفسه بفريق من الكفاءات العلمية لتحقيق النجاح”.

وفي وقت سابق أعرب قيس سعيد خلال لقائه الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة عمالية)، نورالدين الطبوبي، عن رفضه الحوار مع من وصفهم بـ”الفاسدين”، وندد بمن قال إنهم يسعون إلى تعطيل العمل في المرافق العمومية (مؤسسات الدولة).

وقال إن “تونس دولة واحدة، ولا بد أن تسير مرافقها العمومية ”.

وإثر الإجراءات التي أعلنها في الخامس والعشرين من يوليو جدد قيس سعيد التزامه بخوض حرب ضروس على كل مظاهر الاحتكار والمضاربة بالمواد ومنها المواد المدعومة، قائلا “سنواصل حرب التصدي لكل مظاهر الاحتكار، ولا مجال للتسامح مع كل من يعمد إلى التحكم في تزويد السوق وزيادة الأسعار والتنكيل بقوت المواطنين، وسنتعقب المحتكرين أينما كانوا”.

وأكّد أن “المحتكرين يسعون إلى التحكم في السوق، ولا مجال للتسامح معهم، وإنهم سيدفعون الثمن غالياً… هؤلاء مجرمون ينكلون بالشعب التونسي ويدفعون المال لمن يغض الطرف عنهم، لكن الدولة ستنتصدى لهم”.

وقام الرئيس سعيد بزيارات مفاجئة إلى مخازن تبريد وتخزين الخضروات والغلال، كما داهمت المصالح الحكومية مستودعات لمن وصفتهم بالمضاربين في مادة الحديد أيضاً.

وشكلت مكافحة الفساد إحدى الأولويات التشريعية لجميع الحكومات المتعاقبة بعد الثورة، حيث وقع سن قانون سنة 2011 يتعلق بإحداث لجنة وطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد، ثم سن قانون في العام ذاته يتعلق بمصادرة الأموال المنهوبة. كما تم في الإطار نفسه، ولدعم الشفافية، سن قانون يتعلق بالنفاذ إلى الوثائق
الإدارية.

ومع ذلك يعتبر أغلب التونسيين أن الفساد ما زال منتشرا بشكل مرتفع منذ عام 2011.