رفع مستوى المعيشة وتحسين الخدمات مفتاح نجاح قيس سعيد

نعم مشروطة
تراهن الفئات الضعيفة في تونس على التفاتة من الرئيس قيس سعيد لرفع مستوى المعيشة، حيث تتطلّع تلك الفئات إلى التمتع بالمنح وتوفير مشاريع صغرى، ما يمكن أن يرسي استقرارا اجتماعيا تحتاجه البلاد.
وعانت الفئات الضعيفة اجتماعيا من تردي الخدمات الأساسية في السنوات الماضية، وسط تشكيات متصاعدة من تدهور منظومات الصحّة والتعليم والنقل التي عمقت أزماتها التجاذبات السياسية وارتباك القرارات وغياب المخططات.
وكرّس تدهور الخدمات وضعف المخططات التنموية، فضلا عن أزمات البطالة والفقر وضعف البنية التحتية خصوصا في الجهات الداخلية، التفاوت الجهوي بين المحافظات، ما يجعل الرئيس سعيّد أمام رهان تحسين الخدمات وتحقيق تطلعات المواطنين.
ويكتسي ملف التنمية الجهوية في تونس أهمية بالغة، لكنه ظل مجرد خطاب تردده الطبقة السياسية والحكومات المتعاقبة، وهو أمر لا يمكن حلحلته حسب مراقبين إلا بوضع خيارات إستراتيجية ذات جدوى.
وتعتبر العدالة التنموية والاجتماعية والتوزيع المتساوي للثروة بين الجهات مسؤولية جسيمة بالنسبة إلى الحكومة الحالية، كما هو الحال أيضا بالنسبة إلى الحكومات السابقة، ما يتطلب دفع عجلة الاستثمار والبحث عن فرص شغل جديدة للعاطلين عن العمل والمهمشين.
وترى شخصيات سياسية أن الفئات الضعيفة و”المسحوقة” اجتماعيا راهنت على مشروع قيس سعيد وتوجهاته المستقبلية التي دشّنها بإجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021 ودعّمها بالمصادقة على الدستور الأسبوع الماضي، لكنها في المقابل تطالب بتحسين أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية.
وأقرّ الناشط السياسي حاتم المليكي بأن “ضرورة تحسين الظروف الاجتماعية والارتقاء بمستوى الخدمات أمران متفق عليهما، لكن وفق أي مقاربة ومن أين سيتم تمويل ذلك؟”، وقال “المقاربة الممكنة بالنسبة إلى تونس تكمن في حلّ خلق الثروة”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “الفئات المهمشة تبحث عن تحسين أوضاعها حتى قبل الاستفتاء على الدستور، لأن الدولة متخلّفة على مستوى الخدمات وعليها أن تبحث عن حلول لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية”.
وأردف المليكي قائلا “الفئات التي دعمت الرئيس سعيّد تطالب كذلك بالارتقاء بالخدمات الأساسية، على غرار الصحة والتعليم والنقل ومد شبكات الكهرباء والماء، فضلا عن توظيف الشباب وتحسين البنية التحتية”.
وتمرّ تونس بوضع اقتصادي واجتماعي هو الأصعب منذ عقود، ما يعسّر مهمة الرئيس في الإصلاح والتغيير وإيجاد حلول مناسبة، خصوصا بعد ارتفاع نسبة البطالة والتضخم وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين بسبب تداعيات جائحة كورونا وانعكاسات الأزمة الروسية – الأوكرانية على الأسعار في العالم.
ويرى مراقبون أن الرئيس سعيّد إذا أراد إنجاح مستقبله السياسي ونيل رضا التونسيين عليه أن يفي بوعوده للفئات الضعيفة ويحسّن مستوى الخدمات وينكب على فتح ملفات التنمية والتشغيل.
وقال الكاتب والمحلل السياسي محمد ذويب “تونس تعيش أزمة اقتصادية واجتماعية متفاقمة نتيجة مخلفات العشرية السوداء وبقايا أزمة كورونا وارتدادات الأزمة العالمية، وهذه الأزمة مست خاصة الطبقات الفقيرة والمتوسطة والجهات المهمشة”.
وصرّح لـ”العرب” بأن “الفئات المهمشة تساوي تقريبا أكثر من ثلثي التونسيين، وهي القادرة على رسم المشهد السياسي في البلاد خلال الأشهر والسنوات القادمة سواء بالاقتراع أو بالتغيير عبر الشارع، وإذا أرادت الحكومة ورئيس الجمهورية البقاء في السلطة فما عليهما إلا تغيير واقع هذه الفئات نحو الأفضل أو على الأقل طمأنتها عبر تقديم بوادر للتغيير، وهذا ما نتمناه في القريب العاجل خاصة وأن عامل الزمن يحاصر الحكومة والرئيس”.
وتابع محمد ذويب “على رئاسة الجمهورية والحكومة الشروع في سن القوانين الكفيلة بذلك وخاصة مقاومة التهريب والاحتكار والتهرب الضريبي ومقاومة الفساد وإصلاح المنظومة الجبائية وجلب الاستثمار وإحداث فرص الشغل وتحسين البنية التحتية في الجهات المهمشة” .
وسبق أن كشفت دراسة حول التفاوت الاجتماعي والاقتصادي والسياسي أن 63 في المئة من التونسيين يعتبرون أن التفاوت بين الفئات الاجتماعية اتسع أكثر.
وأفاد الباحث عزام محجوب بأن “الدراسة سعت، قدر الإمكان، لتسليط الضوء على أوجه عدم المساواة وفقاً للنوع الاجتماعي والفئات الاجتماعية والبعد الجغرافي بين المناطق، أي المناطق الداخلية والساحلية من جهة، والبيئات الحضرية والريفية من جهة أخرى، وأيضاً على مستوى الدخل والثروة”، وبحسب الدراسة “تم التأكيد على ازدياد التفاوتات البينية داخل الجهات المختلفة، وخاصة في المدن الكبرى”.
وتشير أرقام رسمية في تونس إلى توسّع قاعدة الفقر في تونس لتشمل حوالي ثلث السكان، أيّ 4 ملايين تونسي، بينما بلغت نسبة البطالة 16.1 في المئة خلال الثلاثي الأول من السنة الحالية.
ويجمع خبراء ومتابعون للشأن التونسي على أن ثورة 14 يناير غير مكتملة في ظل استمرار التهميش والصعوبات الاقتصادية وعدم إرساء سياسة اجتماعية ذات جدوى في مواجهة استشراء الفقر بشكل مقلق وعدم الإصغاء إلى مطالب سكان المناطق الداخلية المستائين من حرمانهم المستمر من نصيبهم في التنمية وحقهم في العمل.