دعوات لوضع أزمة رجال أعمال على أجندة العفو في مصر

شروط العفو الرئاسي تنطبق أيضا على رجال الأعمال
تلعب لجنة العفو المسؤولة عن إعداد قوائم للمحبوسين وعرضها على رئيس الجمهورية المصري للإفراج عنهم بعد التصديق عليها، دورا مهما في إشاعة أجواء إيجابية من الثقة بين الحكومة وقوى المعارضة بعد أن نجحت في إدراج عدد من الأسماء التي اتهمت في قضايا متعددة، بينها رأي وحريات.
ولم تتحدث لجنة العفو عن أي من رجال الأعمال الذين جرى اعتقالهم ومحاكمتهم ووضعوا في السجون السنوات الماضية، وأبرزهم حسن راتب ومحمد الأمين وصفوان ثابت، مع أن شروط العفو الرئاسي وموجباته فضفاضة وتتحمل سياسيين وغارمين وغارمات وجنائيين وصحافيين وحقوقيين، وغير مستبعد منها اقتصاديون.
وفتح رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات جرحا عميقا يتعلق برجال الأعمال المحبوسين عندما أصدر بيانا قبل أيام حوى مناشدة لاتحاد الصناعات المصرية واتحاد الغرف التجارية وجمعيات رجال الأعمال والمستثمرين للمطالبة ببحث موقف زملائهم المحبوسين احتياطيا أو على ذمة قضايا أخرى.
ومضى نحو يومين على استغاثة السادات ولم تتجاوب معها أي من الجهات التي قصدها مباشرة، في انتظار تكوين صورة صحيحة حول أهدافها الحقيقية، لأنها مربكة سياسيا.
وأبدى الرجل استغرابه من صمت هذه الجهات التي لها علاقة قوية بالدولة دون إشارة إلى أسماء بعينها، في وقت يعد فيه المناخ مهيئا لبحث موقف حالات كثيرة والإفراج عنهم مع انطلاق فعاليات الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي في أبريل الماضي، وجرى عقد ثلاثة اجتماعات لمجلس أمناء الحوار الأيام الماضية، ووضع ملف الإفراجات في مقدمة اهتماماته.
وتضمن بيان السادات رسالة بإدراج ملف الاقتصاديين المحبوسين على لجنة العفو التي تمارس عملية الفرز بناء على ما تتلقاه من أسماء تشملها القوائم التي تقوم بإعدادها على مراحل متلاحقة، وحث مجتمع رجال الأعمال على التحرك في الاتجاه المواتي.
ويفسر بيان رئيس حزب الإصلاح على أن هناك دوافع مختلفة تقف خلفه، منها أن الإفراجات تستثني فقط من ارتكبوا جرائم عنف أو حرضوا عليه أو خططوا له، ورجال الأعمال لم يضبط أحدهم بفعل ينافي هذه القاعدة.
وربما يكون صفوان ثابت صاحب شركة جهينة المعتقل وابنه منذ نحو عامين الوحيد الذي تردد أن له علاقة بجماعة الإخوان المصنفة إرهابية بمصر ووفر لها دعما ماديا.
ويكاد يكون صفوان الأكثر رواجا على مواقع التواصل الاجتماعي في المطالبة بالإفراج عنه، وتسبب اعتقاله في نشر معلومات وشائعات حول رغبة جهات سيادية في الاستحواذ على شركته (جهينة للألبان) وجرى “تلفيق” اتهامات حول علاقته بالإخوان.
وبينما جاءت اتهامات حسن راتب منصبة على تجارته في الآثار، ومحمد الأمين متعلقة بانتهاكات لحقوق أطفال، وهما من القضايا التي لا تمثل تهديدا لأمن الدولة، لكن لم يخل الأمر أيضا من شائعات حول خلافات في مجال الاستثمار والاستحواذ.
ويقول مراقبون إن القبض على هؤلاء الثلاثة ومحاكمتهم أثر سلبا على الاقتصاد وقلل من ثقة رجال الأعمال المصريين والأجانب في الاستثمار، فقد كان راتب والأمين من المقربين للحكومة، وفجأة جرى فتح ملفات أدت إلى الزج بهما في السجن بعد محاكمة مشكوك في أسبابها حملت فضائح أدت إلى تلويث السمعة والشرف.
ويضيف المراقبون أن استمرار هؤلاء في السجون وسط أزمة اقتصادية خانقة يمر بها الاقتصاد المصري ليس في صالح عملية جذب استثمارات تراهن عليها الحكومة، ووجود رجال أعمال في السجون يحمل رسالة قاتمة لمن يريدون التوسع في مصر، ومن المهم إيجاد مخرج مناسب لتسوية أوضاع المحبوسين من رجال الأعمال الكبار.
وذهبت بورصة التكهنات في مصر إلى أن بيان السادات بداية العد التنازلي للإفراج عنهم، والتي يمكن أن تتلوها مناشدات مباشرة، لأن عددا كبيرا من رجال الأعمال (من غير الإخوان) كانوا على علاقة جيدة بالنظام المصري ولكثير منهم إسهامات في المشروعات الاجتماعية التي تشرف عليها مؤسسة رئاسة الجمهورية.
ونجح غالبيتهم في التأقلم مع توسع المؤسسة العسكرية في المشروعات الاقتصادية، والتي أوجدت هامشا لتمكينهم من التحرك في مجال الاستثمار بشكل مباشر أو غير مباشر للتقليل من حدة الاحتقانات المتولدة عن اللاتوازن في المنافسة والمحاسبات الضريبية المختلة التي تُعفى منها الشركات التابعة للجيش.
وأثار رجال الأعمال والملياردير نجيب ساويرس هذه الإشكالية وتوقفت عندها تقارير دولية، غير أنها لم تغير حتى الآن من وضع الجيش في اقتصاد الدولة، لكن تم الإعلان عن خصخصة بعض الشركات التابعة له.
ويضرب مصريون المثل برجل الأعمال هشام طلعت مصطفى الذي حكم عليه بالإعدام ثم خُفف إلى المؤبد في أواخر عهد الرئيس الأسبق الراحل حسني مبارك بسبب التحريض على قتل المطربة اللبنانية سوزان تميم، حيث أفرج عنه الرئيس عبدالفتاح السيسي بعد توليه الحكم ضمن لوائح درجت القاهرة على إصدارها قبل تشكيل لجنة العفو الرئاسي الحالية التي تشكلت لأغراض سياسية.
وأصبح هشام الآن أحد رجال الأعمال المرموقين والمقربين من النظام المصري ويتعاون مع الجيش في مشروعات عديدة، وطويت صفحته تماما مع عفو رئاسي حصل عليه مؤخرا محسن السكري الذي كلف بتنفيذ جريمة قتل سوزان.
ويستشهد متابعون بواقعة الإفراج عن مصطفى ثم السكري كدليلين على إمكانية أن يشمل العفو بعض رجال الأعمال في الفترة المقبلة، حيث يمثل تحريك هذا الملف رسالة تطمين بأن النظام المصري على استعداد كبير للصفح عن بعض المخطئين، وأن الأجواء الاقتصادية سوف تصبح أكثر رحابة من ذي قبل.
ويتجاوز الإفراج عن رجال أعمال الأبعاد الرمزية للأسماء الشهيرة التي يمكن أن يشملها، حيث يؤكد أن الأوضاع الاقتصادية الحادة تتطلب مروحة كبيرة من التسامح وسعة الصدر، وأن الآلية الضاغطة التي كان يتم التعامل بها مع هذه الطبقة قابلة للتغيير، وكانت في معظمها تعبر عن تضييق الخناق على البعض.
وقد تحمل هذه السياسة دعوة مبطنة لتخفيض مشاركة مؤسسات تابعة للجيش في الاقتصاد، والتي بدأت تثير مخاوف عميقة لدى شريحة من رجال الأعمال، لأنها تخلق منافسة غير عادلة وتوحي للمستثمرين الجدد أن الواقع لن يكون مواتيا أمامهم.
ولذلك فهم بيان السادات المفاجئ على أنه تعبير خفي عن موقف الحكومة وليس موقفا يخص رئيس حزب استنفر فجأة وتعاطف مع رجال الأعمال المحبوسين، ما يشير إلى أن مياها يمكن أن تتدفق في هذا النهر في الفترة المقبلة تطوي واحدة من الصفحات التي شعر فيها رجال اقتصاد أن رقابهم تحت المقصلة في مصر.