الخدمات تتحكم في علاقة النواب بالناخبين لتلافي الغضب والحفاظ على المقاعد

مواصلات ودروس تعليمية وعيادات طبية برعاية أعضاء البرلمان المصري

لم يجد أعضاء مجلس النواب المصري من طريقة للحفاظ على رضا دوائرهم الانتخابية سوى تقديم خدمات اجتماعية عامة، لاسيما بعد أن أوقفت السلطات باب الانتدابات في الوظيفة الحكومية.

الاحتفالات برعاية النواب

القاهرة

يختلف شكل الخدمات والدعاية الانتخابية التي يقدمها أعضاء البرلمان المصري إلى أبناء دوائرهم الانتخابية، وأفرزغياب السياسة وعدم القدرة على معارضة الحكومة وقراراتها داخل أروقة مجلس النواب ظواهر جديدة، تهدف إلى كسب رضاء الناخبين بوسائل يغلب عليها طابع الخدمات والمساعدات المادية غير المباشرة، في ظل صعوبة الأوضاع الاقتصادية التي تعاني منها فئات عديدة.

واختار الحزب القريب من الحكومة الذي يمثل ظهيرها السياسي “حزب مستقبل وطن”، ومن خلفه نواب مجموعة من البرلمان، طريقا يتماشى مع التوجهات الساعية لتمرير قرارات تحوي زيادة جديدة في أسعار الخدمات بلا معارضة، وبدا هذا الدور منسجما مع تشكيل البرلمان الذي يحوي عددا من أصحاب رؤوس الأموال ممن لا يملكون توجهات سياسية.

يقوم النواب بمعارضة تبدو شكلية في الكثير من الأحيان للحكومة تحت قبة البرلمان دون إخلال بالالتزام الكامل بالسياسات التي تحددها، وينخرطون في تقديم مساعدات متباينة لتخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية على المواطنين عبر مسارات تتنامى بشكل ملحوظ، من خلال حضور لافتاتهم الدعائية في الكثير من الشوارع والميادين المصرية.

من الطبيعي الآن مشاهدة وسائل المواصلات العامة وهي تتحول إلى جزء أساسي لخدمة الحكومة عبر تسهيل حركة المواطنين، حيث تسير في الكثير من شوارع القاهرة ومدن أخرى ويبرز معها عنوان يحوي شعارا يفيد مضمونه بأنها تعمل تحت رعاية نواب البرلمان المنتمين إلى حزب مستقبل وطن.

وانتشرت عيادات طبية متنقلة تجوب المناطق الشعبية والقرى لعلاج المرضى بالمجان، ومع زيادة الحاجة إلى الدروس الخصوصية في ظل غياب دور المدرسة، تولى عدد من النواب المهمة من خلال التعاقد مع مدرسين نابهين في دوائرهم الانتخابية لتقديم محاضرات مجانية في مناطق مفتوحة تستوعب الآلاف من الطلاب.

أكثر من هدف

سلطت واقعة مدرس الفلسفة سيد العراقي الذي ظهر في فيديو على بعض مواقع التواصل الاجتماعي محاطا بالآلاف من الطلاب حوله، في وقت تحظر فيه الحكومة الدروس الخصوصية، الضوء على أدوار جديدة لنواب البرلمان لم تكن حاضرة من قبل.

وقد تبيّن أن المعلم يقدم محاضرته للطلبة والطالبات في أحد مراكز الشباب التابعة للحكومة، وبالتنسيق التام بين وزارة الشباب والرياضة والنائب محمد علي، عضو مجلس النواب، بمنطقة الهرم بمحافظة الجيزة جنوب غرب القاهرة.

ودافع عضو مجلس النواب المتسبب في الأزمة الشهيرة بـ”معلم الفلسفة” بتأكيده أن المحاضرة التي ألقاها المدرس على الآلاف من الطلاب لا تعد درسا خصوصيا، وهي لخدمة الطلاب والتخفيف عن أولياء الأمور من محدودي الدخل وبلا مقابل مادي.

ما فعله نائب الهرم يتكرر في غالبية المراكز والقرى والدوائر الانتخابية، ويصدر حزب مستقبل وطن بيانا يوميا يشمل أنشطته التي دشنها في المحافظات المختلفة، ولا يقتصر الأمر على الدروس الخصوصية التي تأخذ نصيبا وافرا في أوقات الامتحانات فحسب، بل هناك أيضا توسع في الأنشطة التي تعد من صميم عمل الحكومة.

يشارك النواب في تنفيذ العديد من المبادرات الحكومية والرئاسية، مثل إحلال السيارات العاملة بالبنزين بأخرى تعمل بالغاز الطبيعي، وتدشين خطوط النقل الجديدة وتجهيزها بالسيارات بالتعاون مع وزارة النقل، وتوزيع اللحوم والسلع التموينية على الفقراء والمحتاجين وإقامة أماكن لبيعها بأسعار زهيدة، ولم تحضر السياسة بمفهومها المباشر في أي من الخدمات التي يقدمها هؤلاء للناس، إلا في الحدود غير المباشرة.

قال أحمد علي (اسم مستعار)، وهو ولي أمر لثلاثة طلاب في مراحل تعليمية مختلفة، إنه لم تكن لديه الرغبة في أن يبقى ابنه الذي خاض امتحان الثانوية العامة قبل أيام، أسيرا للوقوف ساعات طويلة لحجز مقعد في حصة المراجعة المجانية التي يقدمها حزب مستقبل وطن في أحد مراكز محافظة الجيزة، لكنه اضطر إلى ذلك لأن شائعات انتشرت “أنه سيقدم معلومات جديدة قد تكون حاضرة في الامتحان، وأن رعاية حزب قريب من الحكومة للمحاضرات أقنعت الكثير من الطلاب بهذا الأمر”.

وأشار لـ”العرب”، طالبا عدم الكشف عن هويته، إلى أن البعض من الطلاب وأولياء الأمور قرروا عدم إرسال الأبناء إلى أي من الفعاليات التي ينظمها النواب، نتيجة التزاحم الشديد وعدم القدرة على تحقيق الاستفادة المثلى، وصب البعض منهم غضبهم على نائب الدائرة.

لدى علي قناعة بأن مساهمة النواب في إصلاح المنظومة التعليمية وإتاحة أماكن للتعلم والحد من تكدس الفصول الدراسية وعدم توقف الدراسة في المراحل الثانوية، أفضل من تقديم محاضرات مجانية قبل أيام قليلة على عقد الامتحان، فلا يستفيد منها الطلاب، والأمر ذاته ينعكس على باقي المجالات التي بحاجة إلى إصلاح على مستوى السياسات والتصورات، كي يستفيد منها المواطنون بشكل أكثر جدوى.

الخدمات وتباين الأزمنة

يبدو أن هناك اختلافا في شكل الخدمات التي يقدمها نواب البرلمان، ففي السابق كانت المهمة الأساسية تتمثل في إيجاد فرص عمل لأبناء دوائرهم والتدخل لحل مشكلات بعينها وتحسين جودة الحياة بشكل عام، وهو أمر خفت مع توقف الحكومة عن تعيين أشخاص جدد في هيئاتها المكدسة بالموظفين، وتراجع قوة النواب على مستوى قدرتهم على حل المشكلات ذات الارتباط المباشر مع جهات رسمية، واعتماد الحكومة على خطط تطوير ترتبط بمشروعاتها بلا اهتمام بالمطالب الفئوية للنواب.

وأصبح بديل ذلك تقديم خدمات تقوم على دفع هؤلاء النواب المزيد من الأموال للحفاظ على شعبيتهم، لأن الكثير منهم واجه انتقادات وصلت أحيانا إلى منع دخولهم إلى دوائرهم الانتخابية، وتذهب الأموال التي يدفعها النواب إلى جهات حكومية مقابل تسهيل مهمة تقديمها، كما هو الحال بالنسبة لمساهمة النواب في خطوط  مواصلات النقل العامة.

قال أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة عين شمس بالقاهرة محمد سيد أحمد إن تقديم النواب لخدمات حكومية يبرهن على أن البرلمان يخضع بشكل كامل للحكومة، وهي مسألة لم تكن سائدة من قبل بمثل هذه الفجاجة، التي يظهر فيها تداخل السلطات وتنامي ظواهر استغلال النفوذ، ما يرجع إلى انعدام الخبرات السياسية لدى نوابالبرلمان.

وذكر في تصريح لـ”العرب” أن معظم أعضاء البرلمان حاليا بلا خلفيات سياسية وخبرات متراكمة تمكنهم من توظيفها بشكل إيجابي لكسب ثقة أبناء دوائرهم الانتخابية، وتبقى لغة المال هي الوحيدة المستخدمة للتعامل مع مخاوفهم من الغضب الشعبي تجاههم والحفاظ على مقاعدهم في الانتخابات المقررة بعد عامين.

ولفت إلى أن غياب التثقيف السياسي الدقيق في غالبية الأحزاب وضعف أخرى ممثلة في البرلمان جعلا العمل المجتمعي المعتمد على تقديم مساعدات وخدمات طاغيا.

ويشير متابعون إلى أن الوضعية الراهنة سببها الرئيسي غياب الممارسة السياسية حتى عن النواب أنفسهم، بجانب التحولات الاجتماعية التي تعيشها البلاد منذ الإطاحة بنظام الرئيس الراحل حسني مبارك، الذي ظل قابضا على الأوضاع سنوات طويلة، ما أدى إلى اهتزاز منظومة القيم التقليدية في المجتمع، علاوة على الصعوبات الاقتصادية التي تجعل المواطنين بحاجة إلى مثل هذه الخدمات.

غياب السياسة

تحظى الخدمات التي يقدمها حزب مستقبل وطن ونوابه بتفاعل جماهيري كبير، لكنها ليست دليلا على شعبيته، فهناك قناعة لدى البعض أن البرلمان الذي يهيمن عليه الحزب لا يقوم بدوره على أكمل وجه، وتراجع القيمة النوعية للخدمات المقدمة لهم من النواب يعود إلى ضعفهم، ما يجعل الحكومة في موضع هجوم مستمر، وإن حاولت تحريك أذرعها للتعامل مع الأزمات الاقتصادية اليومية التي يواجهها المواطنون.

ويتفق سياسيون على وجود توظيف حكومي لنواب البرلمان لسد الفراغ الذي تركه غياب الكثير من منظمات المجتمع المدني التي تراجع دورها السنوات الماضية، وانزواء تنظيم الإخوان بشكل كامل.

وتجد الحكومة بعض الصعوبات في سد الفراغ الذي تركته منظمات المجتمع المدني، ولذلك تلجأ إلى الاستعانة بنواب البرلمان وحثهم على تقديم الخدمات، لأن القدرة المالية لهم تنفع في سد جانب من الفجوة المجتمعية.

ويدرك المواطنون أن ما يحصلون عليه أشبه بـ”رشوة انتخابية”، وانتشار صور النواب بكثافة على وسائل المواصلات ومنافذ بيع السلع المدعمة ربما يأتي بنتائج عكسية، لأن الهدف هو استغلال الناس وليس مساعدتهم، ودائما ما تحظى هذه الشريحة بانتقادات ممن يرون أن النواب يتظاهرون بتقديم الخدمات لهم، في حين أن ذلك أمر طبيعي من المفترض أن تقوم به الحكومة لتحسين جودة الخدمات العامة لهم.