الدعم المالي لمنظمات المجتمع المدني في المغرب تحت مجهر المحاسبة

المغرب يراهن على دور أكبر للجمعيات

الرباط

دخل قرار حكومي حيز التنفيذ في المغرب يفرض على الجمعيات تقديم الحساب السنوي المالي الخاص بها، بهدف مراقبة وجهة مبالغ الدعم والمساعدات الحكومية التي تتلقاها.

وشددت مذكرة لوزير الداخلية عبدالوافي لفتيت، موجهة لمحافظين ومسؤولين محليين، على ضرورة تقديم الجمعيات حسابات سنوية خاصة باستخدامها للدعم الحكومي للمجلس الأعلى للحسابات قبل الخامس عشر من مارس من السنة الموالية للدعم.

وقال رئيس الحكومة عزيز أخنوش إن حكومته وضعت ضمن أولوياتها النهوض بأوضاع جمعيات المجتمع المدني من خلال مجموعة من الإجراءات الرقابية، التي من شأنها الرفع من أداء الجمعيات وتحسين مستوى الأدوار الحيوية التي تضطلع بها.

وتعليقا على قرار الحكومة يرى رشيد لزرق، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، أن واقع الحال أظهر أن الدعم الحكومي للجمعيات بات ريعا سياسيا يستخدم لأغراض انتخابية وللاستثراء غير المشروع، وهو ما يتطلب تدابير وإجراءات زجرية ورقابية متعلقة بالوضعية القانونية والمالية للجمعيات.

وشدد رشيد لزرق، في تصريح لـ"العرب"، على ضرورة ضبط هذا المجال الذي يعاني فراغا تشريعيا بشأن مراقبة ومحاسبة الجمعيات، وهو ما يعيق وضع حد للريع، وحوّل العمل الجمعوي إلى مصدر للإثراء غير المشروع لبعض المتاجرين به.

وشدد منشور الحكومة على أن الجمعيات المستفيدة من التمويل العمومي يتعين عليها التقيد بمجموعة من الالتزامات، على رأسها ضبط الدفاتر والسجلات المحاسباتية الخاصة بالجمعيات وفقا للمنظومة المحاسباتية الجاري بها العمل، إلى جانب تأطير الدعم الحكومي باتفاقيات مبرمة بين الجمعيات والجهات المانحة، تحدد بدقة النشاط أو المشروع المزمع تمويله ومدى مطابقته مع الأهداف الرئيسية للجمعية المدرجة في قانونها الأساسي.

وتحصل الجمعيات التي بلغ عددها 200 ألف جمعية، على دعم  الدولة والبلديات أو المؤسسات الحكومية أو الشركات التي تساهم الدولة في رأسمالها كليا أو جزئيا.

وأشار تقرير للمجلس الأعلى للحسابات إلى أن ما يناهز 92 في المئة من الدعم المقدم للجمعيات تم منحه من طرف 7 قطاعات وزارية من أصل 33 قطاعا، مشددا على أن الجمعيات المستفيدة من الدعم الحكومي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، مطالبة بتقديم حساباتها السنوية للجهات المانحة، كما أن القطاعات المعنية مطالبة بتفعيل الرقابة الإدارية على هذه الحسابات.

كما سجل التقرير غياب نظام محاسباتي خاص بالجمعيات، بحيث لم يتم بعد اعتماد مشروع المخطط المحاسبي المقترح منذ سنة 2003 من طرف الجمعية العامة للمجلس الوطني للمحاسبة.

وأكد لفتيت ضرورة الاستجابة للتوصيات التي سبق للمجلس الأعلى للحسابات أن تقدم بها في تقارير سابقة بخصوص تطوير آليات مراقبة الأموال والمساعدات العمومية التي تتلقاها الجمعيات من الجهات المذكورة، حرصا على ضمان شفافية وفعالية منظومة تدبير عمليات الدعم العمومي.

وحسب آخر تقرير للوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، فإن من الضروري التتبع والتقييم المستمر للشراكات المبرمة بين الجهات الحكومية والجمعيات، وتخصيص غلاف مالي ضمن ميزانية المشاريع لتغطية تكاليف التتبع والتقييم.

ويتهم العديد من رؤساء المجالس البلدية، لاسيما بالمدن الكبرى، بمنح الدعم المالي إلى الجمعيات الموالية لتقديم خدمات ترويجية لهم في الانتخابات.

ويقول مراقبون إن مراقبة مالية الجمعيات إلى جانب سحب الدعم الحكومي من رؤساء المجالس المحلية خطوة ضرورية لتقييد تحركات المنتخبين، الذين يعملون على استغلال هذه المنح المقدمة للجمعيات، انتخابيا، لاسيما في السنة الانتخابية الأخيرة.

وارتباطا بضرورة مراقبة مالية الجمعيات لتفعيل عملها الميداني خدمة لمتطلبات التنمية بالمغرب، أشار رئيس المرصد المغربي للحياة الجمعوية والمدنية فوزي بوخريص، في ورقة علمية أعدها حول الديموغرافية الجمعوية بالمغرب، إلى أن "عدد الجمعيات بالمغرب قياسا إلى عدد السكان مازال بعيدا عن المعدلات الدولية في هذا الشأن، خصوصا بعد انطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية”، مشددا على أن الجمعيات هي أحد البدائل الإيجابية الممكنة لمآل التغير الاجتماعي بالمغرب، لمواجهة استشراء واقع الإقصاء، والهشاشة والفقر.

وفي سياق دعم مجهودات الجمعيات الجادة، أوصى المجلس الأعلى للحسابات بتفعيل التتبع على أساس النتائج والمراقبة الإدارية على الحسابات السنوية للجمعيات التي تستفيد دوريا من الدعم الحكومي المقدم من طرف القطاعات الوزارية، بما يمكن من تتبع استخدام الأموال الممنوحة بشكل فعال.