الأزمة السودانية

اعتراف حميدتي بفشل الانقلاب في السودان يعيد خلط الأوراق

خطاب تصالحي أم مساع لتحصين المواقع؟

الخرطوم

ضاعف نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان محمد حمدان دقلو (حميدتي) حالة الارتباك في البلاد بإقراره فشل إجراءات المكون العسكري للانقلاب على السلطة في أكتوبر الماضي، في محاولة لإعادة تقديم نفسه كمسؤول يمتلك شجاعة الاعتراف بالخطأ ولديه مرونة في تقبل انتصار الشارع.

واعترف حميدتي في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية، بثتها مساء الاثنين، بأن المكون العسكري لم ينجح في التغيير لأسباب رفض الإفصاح عنها، وقال “عندما تفكر في التغيير يكون لديك هدف ورؤية للتغيير، وللأسف الشديد لم يتم الشيء الذي كان مخططا له، وفشل الأمر، والآن سرنا نحو الأسوأ”.

وتباينت التفسيرات حول مغزى هذه التصريحات التي بدا فيها حميدتي كأنه يغازل القوى المدنية التي وصفها في بيان صدر عنه في الثالث والعشرين من يوليو الماضي بأنها “قوى وطنية” ودعا من وصفهم بـ”الوطنيين الشرفاء من قوى سياسية وثورية ومجتمعية” إلى التكاتف والانتباه للمخاطر التي تواجه البلاد.

وقادت إشارته الأخيرة إلى وجود أسباب يرفض الإفصاح عنها، وتلميحه إلى عدم التوافق على الأهداف الرئيسية المطلوب تحقيقها بعد إزاحة المدنيين من المشاركة في السلطة، إلى توقّع أن هناك اختلافات في وجهات النظر بينه وبين قائد الجيش عبدالفتاح البرهان الذي تصدّر مشهد الانقلاب منذ أكتوبر الماضي إلى الآن.

ويفسر بعض المراقبين تصريحات حميدتي التي أحدثت صدمة في الوسط السياسي والعسكري بأنها “انقلاب على الانقلاب” ومخالفة للمسار الذي حدده قائد الجيش، وأن قائد قوات الدعم السريع بات مدركًا لحتمية التغيير وإفساح المجال للقوى المدنية كي تعود مجدداً إلى قيادة السلطة الانتقالية.

وجدد حميدتي التأكيد على أن المكوّن العسكري جاد في قضية الانسحاب من العمل السياسي والتفرغ للمهام الأمنية انصياعا لرغبة الشعب، ودعا القوى السياسية إلى الاتفاق على حكومة كفاءات مستقلة تمثل كافة القوى لتجاوز الأزمة، وقال إنه “سيدعم أي شخص (مدني) يرغب في التقدم لقيادة البلاد”.

ويبدو أن حميدتي يحاول القفز من سفينة الانقلاب قبل غرقها من خلال تصوير موقفه كطرف داعم لإنهاء الوضعية التي أفرزتها إجراءات الجيش على أمل أن يحصل على ثقل سياسي مستقبلاً، وإن تواجد المدنيون على رأس السلطة، لأن فرص نجاحهم قد تكون محدودة بسبب التباين الظاهر بين القوى المدنية.

وقال رئيس المكتب السياسي في حزب الأمة القومي إمام الحلو إن حميدتي وجه رسائل عديدة إلى أطراف داخلية وخارجية في حواره مع “بي بي سي” الذي أقر فيه بفشل الانقلاب، وينطوي حديثه على وجود أهداف سياسية خفية، فخطابه ليس تصالحيا مع الشعب، ولم يكن صريحاً بما فيه الكفاية بخصوص تحديد أسباب الفشل.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “إذا كان خطاب الرجل الثاني في السلطة يستهدف الاعتراف بالفشل فعليه أن يسلم السلطة للمكون المدني الذي انقلب عليه، فحديثه دعوة سريعة للقوى الرافضة للانقلاب إلى استلام السلطة واستعادة الشرعية مرة أخرى”.

ونفى الحلو وجود تواصل سياسي بين تحالف قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) والمكون العسكري منذ خطاب البرهان في الرابع من يوليو الماضي الذي أعلن فيه انسحاب الجيش من الحوار السياسي، مشيراً إلى أن الحوار الذي جرى بوساطة أميركية – سعودية تعثر، والتحالف بصدد الإعلان عن وثيقة دستورية تؤسس لمرحلة جديدة لا تتضمن وجود شراكة بين المدنيين والعسكريين، لكن إدارة الفترة الانتقالية ستكون بالتنسيق مع الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا.

وما زالت القوى المدنية تتعامل بتوجس وحذر مع توالي تأكيدات المكون العسكري التي أقرّ فيها برغبته في تسليم السلطة وانسحاب الجيش من العملية السياسية.

وترى هذه القوى أن خط سير الأحداث يبرهن على وجود اختلافات في وجهات النظر بين قائد الجيش السوداني (البرهان) ونائبه حميدتي تجبر كل طرف على الرجوع خطوة إلى الخلف أملاً في استدارة جديدة لتحسين وضعه في المشهد السياسي القادم.

وهناك دوائر سودانية مقتنعة بأن المكون العسكري يدرك تماما أن الأوضاع تقترب من الانفجار جراء حالة التدهور الاقتصادي والهشاشة الأمنية في أقاليم الهامش، ووجود تهديدات من قبل بعض المكونات بشأن استخدام حق تقرير المصير بما يُفضي إلى انفصال جزء آخر عن السودان.

وأوضح المتحدث باسم التحالف العربي من أجل السودان (حقوقي) سليمان سري أن حميدتي هدف إلى امتصاص غضب الشارع والظهور بوجه جديد للبحث عن فرص أخرى، وذلك بالاعتراف بالأزمة كمدخل للحل، في حين أنه لا يمتلك الحل أصلا، وهو في نظر الكثير من المواطنين “متورط في عمليات سلب ونهب موارد البلاد”.

وذكر في تصريح لـ”العرب” أن “حديث قائد الدعم السريع تضمّن تحريضًا غير مباشر على الجيش السوداني النظامي وقائده، ولا يشكل في جوهره موقفًا إيجابيًا، ويمكن النظر إلى مكامن الخطر فيه بما لدى الرجل من طموح للانفراد بالحكم، واستعداده لإزاحة أي طرف يزاحمه على ذلك؛ ولذلك ينظر الشارع إلى هذا النوع من التصريحات على أنه وسيلة للاستهلاك السياسي وليس خطوة جادة نحو الحل”.

وأشار إلى أن تطرق حميدتي هذه المرة إلى قبوله دمج قواته في الجيش السوداني يتضمن مؤشرا على وجود تغيرات إقليمية تدعم تقليص حضور الميليشيات المسلحة غير النظامية في المنطقة، ويخشى تأثير تهديدات الولايات المتحدة بفرض عقوبات على المكون العسكري مثل تلك التي جرى فرضها على قوات الاحتياطي المركزي، ويسعى للتأكيد على جديته أمام المجتمع الدولي في إنهاء الانقلاب لتجنب استهداف قواته قريبا.

وكان حميدتي أكد في تصريحاته الأخيرة أنه لا يمانع في دمج قوات الدعم السريع، التي يتولى قيادتها منذ فترة طويلة، في الجيش السوداني شريطة أن يكون ذلك في ظل إصلاح أمني شامل.

ولم يعد التعاون الخفي بين حميدتي وروسيا والعزف على وتر إمكانية منحها قاعدة عسكرية على البحر الأحمر يصلح كمراوغة سياسية في وجه الضغوط الغربية، خاصة أن بعض الدول المجاورة، في مقدمتها مصر، لا تؤيد سير السودان في هذا الطريق الذي يسبب إزعاجاً كبيرا للولايات المتحدة وقد يصطحب معه تأثيرات سلبية على ما جرى التوصل إليه من تفاهمات إقليمية لتأمين منطقة البحر الأحمر في قمة جدة للأمن والتنمية التي حضرها الرئيس الأميركي جو بايدن.