الإمارات تمنح الاتحاد الأفريقي فرصة لاستئناف الوساطة في سد النهضة

جهود إماراتية لتسوية خلافات سد النهضة

القاهرة

منحت دولة الإمارات الاتحاد الأفريقي دفعة سياسية إيجابية لاستئناف وساطته في أزمة سد النهضة بعد أن بدا الاتحاد غائبا منذ تولي السنغال رئاسته في فبراير الماضي، وفتحت خطوة أبوظبي الباب لتنشيط جهوده مع مصر والسودان وإثيوبيا للجلوس والتفاوض لحل الأزمة.

وأكدت بعثة الإمارات لدى مجلس الأمن الدولي، وهي العضو العربي الوحيد فيه، دعمها جهود الاتحاد الأفريقي والدول الثلاث في عملية التفاوض بشأن سد النهضة، وأنها تؤمن “بإمكانية اختتام المفاوضات حول سد النهضة الإثيوبي بشكل ناجح”.

وأقرت في بيان أصدرته بعثتها الدبلوماسية، الثلاثاء، بوجود فرصة قيمة لنجاح المفاوضات لدعم التكامل الإقليمي وتسريع وتيرته مع تعزيز التعاون والتنمية المستدامة في المنطقة وخارجها، وبروح إيجاد حلول أفريقية للتحديات الأفريقية.

وجاء التحرك الإماراتي في خضم نشاط على أكثر من مستوى، حيث وجهت القاهرة خطابا قبل أيام لمجلس الأمن عبرت فيه عن امتعاضها من شروع أديس أبابا في الملء الثالث مؤخرا بلا اتفاق مسبق، وقيام المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي مايك هامر بجولة في أبوظبي والقاهرة وأديس أبابا، حاملا معه إشارات بشأن قيام الاتحاد باستئناف وساطته بين الدول الثلاث وإيجاد حل للأزمة.

وتسهم العلاقات القوية التي تربط الإمارات بالدول الثلاث وثقلها الدبلوماسي والاقتصادي بالقارة في توفير أجواء مواتية لإنهاء الجمود الذي يعتري دور الاتحاد.

وقال الدبلوماسي السوداني السابق علي يوسف إن البيان الإماراتي يُعطي دفعة لاستئناف المفاوضات تحت مظلة الاتحاد الأفريقي بفعل التأثير القوي الذي تمتلكه السياسة الإماراتية بشأن استعدادها لحلحلة أزمات منطقة القرن الأفريقي، في ظل وجود قلق متصاعد من إمكانية أن يؤدي فشل المباحثات بين الدول الثلاث إلى تهديد حقيقي للأمن والسلم في منطقة تشكل أهمية كبيرة لأمن الخليج والبحر الأحمر.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن أزمات الطاقة ورغبة دول الخليج في زيادة وتيرة التنسيق لتأمين البحر الأحمر من أي اعتداءات تؤثر على وصول النفط إلى الدول الغربية يفرض حاجة ماسة لتسوية الأزمات التي تقوض الاستقرار، ومنع تحويل خلافات المياه لأزمة أمنية تؤثر على الدول الثلاث وتنعكس على الإقليم برمته.

وأشار إلى أن الكرة الآن في ملعب السنغال الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، وعليها التحرك وتوظيف البيان الإماراتي المهم والقيام بمبادرة تجذب الدول الثلاث لعقد اجتماع عاجل لتحريك ملف الأزمة وعودة المفاوضات المباشرة بما يتوافق مع القرارات والدعوات الإقليمية التي دعمت حصر الحل في قناة الاتحاد الأفريقي.

وتجمدت مفاوضات سد النهضة في أبريل من العام الماضي، وعقدت آخر الجولات في كنشاسا بالكونغو الديمقراطية بوصفها رئيس الدورة السابقة للاتحاد الأفريقي.

وقدم السودان آنذاك مقترحا أيدته مصر يتعلق بتوسيع الوساطة الدولية لتشمل الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بينما تمسكت إثيوبيا بالوساطة الأفريقية.

وعقب فشل التفاوض عقد مجلس الأمن الدولي جلسة في يوليو من العام نفسه، بطلب من مصر والسودان، أفضت إلى إصدار بيان رئاسي من المجلس في سبتمبر دعا الأطراف الثلاثة للعودة إلى المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الأفريقي.

وشدد المجلس على أهمية الانتهاء سريعا من صياغة نص اتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة في إطار زمني معقول، لكن ظل الجمود مخيما على الموقف.

وأكد الدبلوماسي السوداني لـ”العرب” أن نجاح السنغال في استئناف المفاوضات يتوقف على توافر الإرادة السياسية لدى الدول الثلاث للوصول إلى اتفاق، وقدرة الجميع على الاستفادة من الزخم الإماراتي الداعم لطريق التسوية.

ويمهد بيان أبوظبي الطريق لإيجاد بيئة مواتية لاستئناف المباحثات بفعل علاقاتها الوطيدة بالدول الثلاث، وأن الخطاب الحكيم الذي حواه البيان يبرهن على وجود محاولات راغبة في إقناع أديس أبابا للتفاوض تحت مظلة الاتحاد الأفريقي.

وتسير الجهود الدبلوماسية التي تبذلها الإمارات بالتوازي مع تحركات تمارسها الولايات المتحدة لإقناع الحكومة الإثيوبية بتليين مواقفها لحل أزمة سد النهضة.

وجاءت أهمية بيان البعثة الإماراتية في مجلس الأمن من قناعة دولية بأن أي خشونة مع سد النهضة لن تحقق أهدافها بعد أن أصبح أمرا واقعا وتمكنت أديس أبابا من حجز حوالي 12 مليار متر مكعب من المياه على مدار السنوات الثلاث الماضية.

وتؤكد تقديرات الخبراء أن استهداف السد عسكريا يوقع أضرارا بالغة بالسودان وبدرجة أقل مصر، وعلى الدول الصديقة التدخل لإيجاد حل يحقق مصالح الجميع.

وذكر وزير الري المصري الأسبق محمد نصر علام لـ”العرب”أن الجهود الدولية ينبغي أن تتجه نحو الضغط أولا على أديس أبابا للقبول بالجلوس والتفاوض لأن الاتحاد الأفريقي يواجه دولة “متعنتة” ويفتقد الرغبة في ممارسة ضغط عليها، ما يفرض على المجتمع الدولي النظر بعين الاعتبار إلى كافة التفاصيل التي قيدت تحركات الاتحاد إذا أراد الوصول إلى نتيجة حقيقية في أي مفاوضات مقبلة.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن المواقف الدبلوماسية الغربية المؤيدة لاستئناف المفاوضات لا تكفي للتوصل إلى حل قانوني ملزم، في وقت لا تزال الدولة المصرية تتمسك بإمكانية أن تقود هذه المواقف إلى نتائج إيجابية وترفض اللجوء إلى المعسكر الشرقي ممثلا في الصين وروسيا لحث إثيوبيا على تليين موقفها.

ولدى دوائر شعبية وسياسية مصرية قناعة بأن الاتحاد الأفريقي لا يظهر إرادة جادة لتحريك ملف سد النهضة وتسويته، وأن سيطرة إثيوبيا عليه حيث يقع مقره في أديس أبابا قادت إلى خفوت الأضواء حول الأزمة التي تراجعت أهميتها في حسابات إثيوبيا، وأضحت دولتا المصب تدوران في دوائر مفرغة مع كل دورة لرئاسة الاتحاد.

ويحقق الموقف الإماراتي فائدة للسودان الذي تم تجاهله في جولة المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي حيث زار القاهرة وأديس أبابا وأبوظبي ولم يتوقف بالخرطوم.

ويعود امتلاك الاتحاد الأفريقي لزمام الأمور بفائدة على السودان الذي تبدو علاقته متذبذبة بإثيوبيا ويتقاطع فيها سد النهضة مع هموم حدودية تتصاعد من وقت لآخر، ويمكن تحويل الرسالة الإماراتية إلى فرصة حقيقية لبدء صفحة جديدة في التفاوض.