غوتيريش يعرب عن «خيبة أمله»

موسكو تعطّل التوافق على وثيقة أممية لحظر الانتشار النووي

مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا خلال جلسة لمجلس الأمن في 23 أغسطس الحالي

واشنطن

عطّلت روسيا جهوداً تفاوضية استمرت أربعة أسابيع للتوصل إلى اتفاق على الوثيقة النهائية للمؤتمر العاشر لمراجعة معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، التي تعد حجر الزاوية في حظر هذه الأسلحة، بسبب رفض موسكو لبند ينتقد استيلاء القوات الروسية على محطة زابوريجيا النووية الأوكرانية، ما أثار مخاوف من كارثة في أوروبا.

وأرجئت الجلسة الختامية التي عقدت الجمعة، لأكثر من أربع ساعات تخللتها محاولات لإقناع روسيا بالموافقة على الوثيقة الختامية التي أضعفت بشكل كبير خلال المفاوضات. ويعد الإخفاق في الاتفاق على الوثيقة بين 191 دولة في الأمم المتحدة بمثابة آخر صفعة للآمال في الحفاظ على نظام الحد من التسلح وكبح سباق التسلح المتجدد.

وعبّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن «خيبة أمله» لعدم تمكن المؤتمر من التوصل إلى توافق. غير أنه رحب بما سماه «المشاركة الصادقة والهادفة من الأطراف في المعاهدة»، ملاحظاً أن المؤتمر اعترف بالمعاهدة باعتبارها «حجر الزاوية للنظام العالمي لنزع السلاح وعدم الانتشار».

وقال إن «البيئة الدولية المشحونة والخطر المزداد من استخدام الأسلحة النووية، عن طريق الصدفة أو من خلال سوء التقدير، يتطلبان إجراءات عاجلة وحاسمة».

وعلى أثر عدم التوصل إلى توافق، قال نائب مدير إدارة منع الانتشار والحد من الأسلحة بوزارة الخارجية الروسية إيغور فيشنفيتسكي، للمشاركين في المؤتمر الذي يعقد مرة كل خمس سنوات منذ 50 عاماً، إنه «لسوء الحظ لا يوجد إجماع على هذه الوثيقة». وأكد أن كثيراً من الدول، وليس روسيا فقط، لم توافق على «مجموعة كاملة من القضايا» في المسودة الأخيرة المكونة من 36 صفحة.

وكانت الوثيقة النهائية تحتاج إلى موافقة كل الدول المشاركة في المؤتمر الأطراف في المعاهدة التي تهدف إلى الحد من انتشار الأسلحة النووية وتحقيق عالم من دونها في نهاية المطاف.

وقال رئيس المؤتمر المندوب الأرجنتيني الدائم لدى الأمم المتحدة غوستافو زلاوفينين، إن المسودة النهائية تمثل أفضل جهوده لمعالجة وجهات النظر المتباينة وتوقعات الأطراف «لتحقيق نتيجة تقدمية» في لحظة من التاريخ «حيث تمزق الصراعات عالمنا بشكل مزداد».

ولكن بعد كلام فيشنفيتسكي، قال زلاوفينين للصحافيين: «أرى أنه في هذه المرحلة، فإن المؤتمر ليس في وضع يسمح له بالتوصل إلى اتفاق بشأن عمله الجوهري».

وهذا يمثل ثاني فشل للدول الأطراف البالغ عددها 191 دولة في إصدار وثيقة ختامية. وانتهى مؤتمر المراجعة الأخير في 2015 دون اتفاق بسبب الخلافات الجادة حول إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط.

ولم تختفِ هذه الخلافات حول هذه النقطة هذه السنة، ولكن المسودة النهائية كانت تتضمن تركيزاً على أهمية إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط. ولذلك، لم يُنظر إلى هذا على أنه حجر عثرة رئيسي هذا العام.

وتمثلت القضية التي غيّرت ديناميات المؤتمر هذه السنة الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير (شباط) الماضي، الأمر الذي دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى التحذير من أن روسيا قوة نووية «قوية»، وأن أي محاولة للتدخل ستؤدي إلى «عواقب لا سابق لها».

كما وضع القوات النووية الروسية في حالة تأهب قصوى. وتراجع بوتين عن تلك التصريحات لاحقاً، قائلاً إن «الحرب النووية لا يمكن كسبها ولا يجب خوضها أبداً»، وهي رسالة كررها مسؤول روسي كبير في اليوم الافتتاحي لمؤتمر معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية في 2 أغسطس (آب) الحالي.

لكن التهديد الأولي للرئيس الروسي واحتلال محطة زابوريجيا النووية في جنوب شرقي أوكرانيا وكذلك الاستيلاء لفترة قصيرة على محطة تشيرنوبيل، التي شهدت كارثة نووية عام 1986، كل ذلك جدد المخاوف العالمية من حالة طوارئ نووية أخرى.

وكانت الإشارات الأربع في مسودة الوثيقة النهائية إلى محطة زابوريجيا، حيث روسيا وأوكرانيا يتهم بعضهما بعضاً بالقصف، ستجعل الأطراف في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية تعرب عن «القلق البالغ بشأن النشاطات العسكرية» في المنشأة أو قربها وقرب غيرها من المحطات النووية.

كما كان النص سيعترف أيضاً بفقدان أوكرانيا السيطرة وعجز الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن ضمان حماية المواد النووية للمحطة.

ودعمت المسودة جهود الوكالة الدولية للطاقة الذرية لزيارة زابوريجيا لضمان عدم وجود تحويل لموادها النووية، وهي رحلة يأمل مدير الوكالة أن ينظمها في الأيام المقبلة. كما عبّرت المسودة عن «القلق البالغ» بشأن سلامة المنشآت النووية الأوكرانية، لا سيما زابوريجيا، مشددة على «الأهمية القصوى لضمان سيطرة السلطات الأوكرانية المختصة».

وبعد فشل المؤتمر في تبني الوثيقة، تحدثت عشرات الدول للتعبير عن آرائها.

وأعربت إندونيسيا، التي تحدثت نيابة عن حركة عدم الانحياز التي تضم 120 دولة نامية، عن خيبة أملها إزاء هذا الفشل. وتلا المندوب الفرنسي لدى مؤتمر نزع السلاح في جنيف يان هوانغ، بياناً نيابة عن 56 دولة والاتحاد الأوروبي، أكد فيه الدعم الثابت لأوكرانيا، واستنكر «خطاب روسيا النووي الخطير».

وأشار الممثل الخاص للولايات المتحدة لحظر انتشار الأسلحة النووية آدم شينمان إلى أن المسودة النهائية لم تذكر اسم روسيا، التي قللت من شأن الوضع في محطة زابوريجيا «وفشلت في الاعتراف بما نعرف جميعاً أنه حقيقي - وهو أن خطر حدوث كارثة إشعاعية فقط موجود بسبب الحرب (التي تشنها) روسيا».