شهر العسل الكويتي بين الحكومة والمعارضة أقل من يوم

لم يدم شهر العسل بين رئيس الوزراء الكويتي الشيخ أحمد نواف الأحمد الجابر الصباح ونواب المعارضة طويلا حتى انفجر الوضع بينهما بسبب التشكيل الحكومي، ويرى مراقبون أن الشيخ أحمد النواف أمام خيارين أحلاهما مر، بين الخضوع للمعارضة وتغيير بعض الأسماء، أو الرفض وهذا الأمر قد يقود إلى صدام هو في غنى عنه.

القيادة الكويتية قلقة من مساعي البعض التشويش على الحكومة الجديدة

الكويت

نسفت الخلافات التي ظهرت خلال الساعات الماضية بين رئيس الوزراء الكويتي المكلف الشيخ أحمد نواف الأحمد الجابر الصباح ونواب المعارضة حول التشكيل الحكومي الجديد التفاؤل بشأن تهدئة منتظرة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الكويت.

وقالت أوساط سياسية كويتية إن “شهر العسل” الذي تكهن به عدد من المحللين، على خلفية ردود الفعل النيابية المرحبة بإعادة تكليف الشيخ أحمد النواف بتشكيل الحكومة الجديدة، لم يدم سوى ساعات قليلة.

واضطر الشيخ أحمد النواف الخميس إلى تأجيل أداء حكومته، التي أعلن عنها مساء الأربعاء، اليمين الدستورية، بعد اعتذار النائب المحسوب على المعارضة عمار محمد العجمي عن تولي وزارتي الأشغال والكهرباء على خلفية اعتراضه وباقي طيف المعارضة على إعادة التجديد لعدد من الوزراء في الحكومة.

ووجد الشيخ أحمد النواف نفسه في موقف صعب حيث أنه كان يراهن باختياره للنائب العجمي على كسب دعم المعارضة لحكومته، وأن الأخيرة ستغض الطرف عن إعادة تسمية عدد من الوزراء هم مثار جدل، لكن الرد جاء سريعا.

وقال النائب العجمي، وهو من النواب السلفيين الذين فازوا في الانتخابات التشريعية التي جرت نهاية الشهر الماضي، إن اعتذاره يعود إلى وجود بعض الأسماء في التشكيل الجديد يفتقدون إلى الثقة الشعبية.

وأوضح العجمي في تغريدة عبر حسابه على تويتر “خدمة أهل الكويت شرف مرتبط بفريق متجانس صادق، يتحمل المسؤولية ويحترم الدستور، ولما كان الفريق الحكومي يحتوي على بعض العناصر التي خسرت الثقة الشعبية ومتيقن أنها لا تحترم الدستور، فإني أعتذر عن العمل معها كفريق واحد، علما بأني سبق وطلبت الأسماء وحجبت عني”.

وتتألف التركيبة الجديدة التي أعلن عنها من 15 وزيرا، وتضمنت عودة ستة وزراء من الحكومة السابقة، ودخول تسعة وزراء جدد بينهم امرأة.

ومن أبرز العائدين من الحكومة السابقة الشيخ طلال الخالد الأحمد الصباح الذي تولى منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، ومحمد الفارس الذي تولى منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء.

كما عاد الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح إلى منصبه وزيرا للخارجية، وعبدالرحمن بداح المطيري وزيرا للإعلام والثقافة ووزير الدولة لشؤون الشباب، وعبدالوهاب الرشيد وزيرا للمالية ووزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار.

وإلى جانب حفاظ رنا الفارس على موقعها في التشكيل الوزاري الجديد وتوليها منصب وزير الدولة لشؤون البلدية ووزير الدولة لشؤون الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، شهدت الحكومة دخول امرأة جديدة وهي المستشارة هدى الشايجي التي تولت منصب وزير الشؤون الاجتماعية والتنمية المجتمعية ووزيرة الدولة لشؤون المرأة والطفولة.

ويرى مراقبون أن الاعتراض النيابي المسجل على التركيبة الحكومية الجديدة سيجبر على ما يبدو الشيخ أحمد النواف على إعادة النظر في بعض الأسماء مثار الخلاف، حيث يدرك أن الذهاب في التشكيلة القائمة سيعني صداما لا يريده مع المعارضة، وهو الذي يتطلع إلى إنجاح عهدته الحكومية.

وإلى جانب الرفض النيابي للتشكيل الجديد يواجه الشيخ أحمد النواف إشكالية دستورية، حيث تنص المادة 56 من الدستور على أن “يكون تعيين الوزراء من أعضاء مجلس الأمة ومن غيرهم”، ما يعني إلزامية تواجد عضو على الأقل من أعضاء مجلس الأمة الذي باتت تسيطر عليه المعارضة بأغلبية مريحة.

وقال المحلل السياسي الكويتي محمد مساعد الدوسري إن “الحكومة الجديدة لا تستطيع مع هذا الاعتذار أن تؤدي القسم الدستوري، باعتبار أنها لم تستكمل الشروط الدستورية لتشكيل الحكومة”. وأضاف أن “المادة 56 في الدستور الكويتي شرط جوهري في تشكيل الحكومة وقد فُقد، مما يستحيل معه تشكيل الحكومة”.

وذكرت مصادر مطلعة أن وزراء الحكومة الجديدة وضعوا الخميس استقالاتهم تحت تصرف الشيخ أحمد النواف، وهي سابقة تاريخية في الكويت، ومؤشر على أن الشيخ أحمد النواف سيذهب في اتجاه استرضاء المعارضة وتغيير بعض الأسماء.

ويعتبر المراقبون أن تنازل الشيخ أحمد النواف وخضوعه لأهواء نواب المعارضة من أول محك مظهر سلبي ستكون له تداعيات، مشيرين إلى أن رئيس الوزراء أخطأ منذ البداية التقدير وبدا من خلال التركيبة الحكومية المعلن عنها أنه أراد استرضاء الجميع سواء كانوا من المعارضة، أو بعض فروع الأسرة الحاكمة، وهذا الأمر هو سقوط حر في فخ التنازلات سيجر معه تنازلات أخرى قد تكون أشد.

وتضمن التشكيل الحكومي إضافة عنصر جديد من أبناء الأسرة الحاكمة لأول مرة وهو الشيخ عبدالله علي عبدالله السالم الصباح الذي تولى منصب وزير الدفاع.

ويقول المراقبون إن اختيار الشيخ عبدالله السالم يقف خلفه ولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح في محاولة على ما يبدو لاسترضاء فرع السالم، بعد أن كان ولي العهد الكويتي فشل في إقناع الشيخ محمد صباح السالم نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية السابق برئاسة الحكومة في يوليو خلفا للشيخ صباح الخالد الأحمد الصباح ليجري تكليف الشيخ أحمد النواف بتوليها.

ويرى المراقبون أن الشيخ مشعل الصباح حرص بمنح فرع السالم حقيبة الدفاع على إحداث نوع من التوازن، خاصة أن الأزمة السياسية التي شهدتها البلاد خلال العامين الماضيين بدت في ظاهرها صراعا بين الحكومة والبرلمان لكنها في واقع الأمر لم تخل من استعراض للقوة بين مكونات الأسرة لاسيما ممن لم يحصلوا على المناصب التي سعوا لها وجنحوا إلى التمترس وراء نواب من البرلمان لتصعيد الأزمة.

ويلفت المراقبون إلى أن تولي الشيخ عبدالله السالم لوزارة الدفاع قد يخفف الضغوط على رئيس الوزراء، لكن ذلك لا يعني أن الأمور تتجه نحو التهدئة داخل الأسرة في ظل وجود شيوخ لهم تأثير قوي على مسرح الأحداث ولن يسلموا بسهولة بما يعتبرونه عملية تحييد لهم على غرار الشيخ أحمد فهد الأحمد الصباح الذي قد يسبب الكثير من المشاكل بحكم ارتباطاته الواسعة بالمعارضة.

وحذر أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح خلال استقباله الأربعاء لولي العهد الذي أحاطه بالأمر الأميري بتعيين الشيخ أحمد النواف رئيسا لمجلس الوزراء، من أن هناك من يتعمد التشويش على الحكومة الجديدة.

وقال الشيخ نواف في كلمته التي جرت بحضور رئيس الوزراء “إننا نريد الإصلاح لا الهدم”، مشيرا إلى “وجود من يشوش على أساس أن الحكومة الجديدة أو النظام الجديد يتغير”.

وشدد أمير الكويت الذي كان فوض معظم صلاحياته لولي العهد “نحن مع الدستور والقانون، وعلى الجميع العمل من أجل تلبية كل متطلبات الشعب الكويتي، وحل كل ما يعاني منه”.

وأضاف “أنا يهمني المواطن وراحته، حتى لا يقول إن النظام الجديد ما عملّي شي”، لافتا “أريده أن يعرف أن النظام الجديد جاء لتنفيذ الإصلاح الذي ينشده، ومن أجل مساعدة كل محتاج من الشعب”.

وأجرت الكويت في التاسع والعشرين من سبتمبر انتخابات تشريعية بعد أشهر من التجاذبات بين الحكومة والمعارضة استحالت معها إدارة البلاد، وتعطلت فرص الإصلاح الاقتصادي والسياسي.

وأسفرت الانتخابات عن فوز مريح للمعارضة في مقابل تراجع دراماتيكي للفريق المؤيد للحكومة، ما يعني أن رئيس الوزراء الجديد سيكون أمام اختبار صعب بين ترويض المعارضة، أو الخضوع لمزاجها.