مواجهة الصينيين بحاجة إلى "عقيدة مونرو" جديدة

يسعى الصينيون إلى الوصول إلى مكانة عالمية دون إطلاق رصاصة واحدة. وفقاً للخبراء الذين يرصدون المشروع الصيني للهيمنة على القرن الحادي العشرين، ولن يحتاج الصينيون إلى استخدام أسلحة نووية موجودة بالفعل في ترسانتهم، يكفي أنه لا توجد عقيدة أميركية جادة لمواجهة نفوذهم المتمدد شرقاً وغرباً وبشكل مضطرد.

سفن صيد صينية ضخمة تحمل مصانع على ظهرها، تنتهك باستمرار المياه الإقليمية للدول ذات السيادة

واشنطن

 يتساءل الخبراء الأميركيون؛ هل يقوم الصينيون باستكشاف الفضاء؟ إنهم هناك بالفعل. هل جيشهم قوي بما يكفي لتحدي البوارج البحرية الأميركية؟ هو كذلك بالفعل. هل يملكون هيمنة رقمية؟ إنهم في سبيلهم لتحقيقها، مع القدرة على مراقبة أفكار وتصريحات وآراء أكثر من مليار مواطن.

ويبدو أن المشروع الصيني ينظر أبعد بكثير مما يخيل للقطب الأميريكي الذي يتصوّر أنه قادر على التصدي له، فالصينيون لا يطمحون إلى التمدّد فحسب، بل أيضاً إلى إعادة الولايات المتحدة إلى قوة عالمية من الدرجة الثانية، بإداركهم أنه اقتصاد مفلس، وهو الذي أدى في نهاية المطاف إلى تفكّك الاتحاد السوفييتي.

وأبرز هؤلاء الخبراء لورانس كاديش، عضو مجلس إدارة معهد جيتستون الأميركي، الذي يرى في تقرير نشره المعهد أن أحدث رؤية في إستراتيجية الصين من أجل هيمنة عالمية لا يمكن التغلب عليها، تأتي من البحر، ولها علاقة محدودة بحاملة الطائرات الجديدة لديهم، أو غواصات الأعماق. وتتعلق هذه الرؤية بالأسماك.

صيد لا نظير له

صحيفة “نيويورك تايمز” نشرت دراسة شاملة عن صناعة الصيد في الصين، ووصفتها بأنها “عملية صيد عالمية لا نظير لها لدى أي دولة أخرى”. وقد دفعت كثاقة ونطاق أسطول الصيد الصيني، وقربه من سواحل الأميركتين صحيفة ”التايمز“ إلى مراقبته، وقد أثار الحجم تحذيرات بشأن الضرر الذي يلحق بالاقتصادات المحلية والبيئة وكذلك الاستدامة التجارية لأسماك التونة والحبار وغيرها من الأنواع الأخرى.

ويشير كاديش إلى أن السفن الصينية الضخمة التي تحمل مصانع على ظهرها، تجوب المياه سعيا لصيد أطنان من السمك لتعويض خسائر السمك في المياه الصينية، والأمر الذي لا يثير الدهشة هو أن ”التايمز“ ذكرت أن هذه السفن تنتهك بشكل منتظم المياه الإقليمية لدول ذات سيادة تطل على المحيطات.

هذه ليست المرة الأولى التي تثير فيها حقوق الصيد غضبا دوليا. فقد اندلعت “حروب سمك القد” بين بريطانيا العظمى وأيسلندا في خمسينات القرن العشرين لتحديد صاحب الحق في صيد الأسماك شمالي المحيط الأطلسي. واحتاجت الولايات المتحدة المعترف بها حديثا آنذاك، وبريطانيا العظمى إلى الاتفاق بشأن حقوق الصيد في ثمانينات القرن الثامن عشر، وأصبحت الأمور مثيرة للصراع بشكل خطير مطلع القرن التاسع عشر، قبل أن يسود المنطق السليم.

ولكن في القرن الحادي والعشرين، صار الموقف أكثر خطورة، فمن الواضح أن الصينيين يرون أن الصيد في العالم في أي وقت وفي أي مكان ودون مراعاة للاستدامة، من حقوقهم بوصف الصين القوة العظمى الصاعدة في هذا العصر.

وهم يرون أن معاهدات، مثل المعاهدة التي تحمي الديمقراطية في هونغ كونغ، يبدو أنها مجرد قصاصات من الورق.

ومع ذلك، ليست المحيطات المكان الوحيد الذي يدعي الصينيون امتلاكه، فهم يحاولون امتلاك الأراضي الزراعية في أميركا. إذ تكشف تقارير منشورة أن شركات صينية تشتري مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية في وسط الولايات المتحدة، للهيمنة على مصادر الغذاء حتى داخل أميركا والتدخل في ما يأكله الأميركيون.

سباق على الموارد

أميركا الشمالية ليست هدف الاستحواذ الوحيد بالنسبة إلى الصينيين الذين يسعون إلى امتلاك موارد طبيعية في أميركا الجنوبية، ضرورية للاقتصاد الحديث. ولمواجهة ذلك، تحتاج دول أميركا الشمالية والجنوبية بشكل عاجل إلى الاجتماع لصياغة ”عقيدة مونرو جديدة“، نسبة إلى الرئيس الأميركي الأسبق جيمس مونرو التي أعلنت في عام 1823، لتكون مثل الوثيقة الأصلية التي أنذرت القوى الأوروبية بضرورة احترام الحقوق السيادية للأمم الناشئة في العالم الجديد، وإلا فإن هذه القوى ستصبح في حالة عداء مع الولايات المتحدة، ولذلك يتعين على الصين أن تفهم أن الصيد غير المشروع قبالة مياه الدول الموقعة على العقيدة ستتم مواجهته بقوة.

صياغة عقيدة مونرو في القرن الحادي والعشرين سوف تذكر الصين بشكل واضح تماما بأنه على الرغم من أنه ربما تكون هناك خلافات بين دول أميركا الشمالية وأميركا الجنوبية، فإن هذه الدول تقف كدولة واحدة تدرك سعي الصينيين إلى قلب النظام الحالي. ومن شأن مثل هذا الجهد الدبلوماسي أن يوحد دول العالم الجديد التي تمتلك ثقافات مختلفة للغاية.

 الأزمات تصرف انتباه العالم في هذه الآونة عن نشاط الصين، كحرب بوتين وتداعيات جائحة كوفيد، والركود المتصاعد، والتأثير الكارثي لتعاطي المخدرات والحالة المأساوية للتعليم وغيرها، لكن وفي أثناء ذلك تعمل الأساطيل الصينية على مدار الساعة قبالة السواحل وهي مجرد انعكاس لعزم بكين على صيد سمكة أكبر بكثير؛.