عاشقات الشهادة..

كيوبوست: نساء خرقن الهيمنة الذكورية داخل الجماعات الإرهابية

ظاهرة التطرف النسوي وتشبع النساء بالفكر المتشدد

الرياض

ظلَّت الكتابات عن المرأة داخل الجماعات الإرهابية أسيرة الهيمنة الذكورية التي تربط ممارسة الفعل الإرهابي بالرجل، وتنظر إلى المرأة على أنها الضحية؛ لكن في السنوات الأخيرة لمعت أسماء لنساء حملن السلاح، ولم تعد أدوارهن تقتصر فقط على خدمة الزوج ورعاية الأطفال.

كيف تُسهم الأفكار المتشددة في جعل بعض النساء يتخلين عن حقوقهن، ويعتبرنها كفراً يُهدد الإسلام؟ وكيف تحولت “فتيحة المجاطي” إلى أقوى الشخصيات في تنظيم الدولة الإسلامية؟

نساء صالحات

في عام 2013، انتقلتُ إلى مدينة تطوان شمال المغرب؛ بهدف إعداد بحث اجتماعي، كانت حينها منطقة الشمال تعيش على صفيح ساخن؛ بسبب انضمام بعض الشباب بالمنطقة إلى الجماعات الإرهابية في سوريا وفي العراق.

كان من بين مَن أُجريت معهن المقابلات إناث تتراوح أعمارهن بين 15 و30 سنة، في حي جامع مزواق، كانت أغلبهن فتيات صغيرات يضعن الحجاب ويرتدين ملابس يصفنها بالمحتشمة.


النساء من ضحايا إلى صانعات للإرهاب- مواقع التواصل الاجتماعي
أخبرتني حينها طفلة صغيرة تبلغ من العمر 12 سنة، أنني لا أرتدي الجوارب، وأنه يجب عليَّ أن أرتدي البرقع؛ لأنه أفضل من الحجاب لشابةٍ في عمري. ابتسمتُ حينها، وصمتّ لأني كُنت في بحثٍ اجتماعي، يجب أن أتجرد فيه من آرائي، وأستمع إليهن وأدوِّن آراءهن.

سألتهن عن أسباب تمضيتهن وقتاً كبيراً في المسجد، ولماذا لا يُتابعن دراستهن، فقالت إحداهن، تبلغ من العمر 20 سنة، وترتدي البرقع: “علينا أن نضبط أمور ديننا، فمصيرنا الزواج، وعلينا أن نكون نساء صالحات”.

سألتها عن السبب الذي يدفعها لقول مثل هذا الكلام، فأجابت: “الكفار يُحاربون الإسلام في كل مكان في العالم، وعلينا أن نتمسك بديننا كنساء ونحتشم؛ هم يريدوننا أن نتبرج ونتجرد من تعاليم ديننا”.

خلال إجراء مقابلاتي، كانت في كل مرة إحدى الصغيرات تحاول إقناعي بأهمية ارتداء البرقع؛ لأستر بعض الخصلات من شعري التي كانت تظهر من أسفل الحجاب.

أخبرتني بابتسامةٍ على محياها، وهي تحاول إقناعي بأسلوب بسيط وعفوي، بأنها تخشى عليَّ عذابَ الله، وترغب في أن أكون كباقي الأخوات.

كُنت أعود لطرح السؤال عليهن حول مواقفهن كنساء اخترن هذا نوع من اللباس، وهل هنّ مقتنعات أم مجبرات على ارتدائه.

فردت إحداهن، تبلغ من العمر 17 سنة: “نعم أنا مقتنعة بلباسي؛ لأنه هكذا أوصانا ديننا، للأسف بعض النساء أصبحن يُجاهرن بالفاحشة، والله غاضب منا بسببهن”.

أغلب الفتيات مستواهن التعليمي لا يتجاوز الإعدادي، يمضين وقتهن في جلسات الحديث. تقول إحداهن: “ليس لدينا تلفاز بالبيت؛ لأنه جهاز صنعه الكفار لجعلنا كمسلمين بعيدين عن ديننا”.

وعن آرائهن حول خروج نساء إلى العمل وحصولهن على حقوقهن، تقول إحدى الشابات البالغة من العمر 19 سنة: “الإسلام كرَّم المرأة ومنحها قيمة بالجلوس في بيتها وخدمة زوجها؛ لكن أعداء الدين أفسدوا عدداً كبيراً من النساء؛ لأنهم يدركون الدور الكبير للمرأة في المجتمع”.

كان الاستماع إلى هذه الأجوبة صادماً؛ لا سيما في مرحلة تاريخية خاضت فيها الحركات النسوية بالمغرب معارك قوية للدفاع عن حقوق المرأة.


محاربة الإسلام

كانتِ الشابات اللواتي أجريت معهن مقابلات مقتنعات بأن هناك الآخر الكافر الذي يسعى لمحاربة الإسلام، وأنهن كنساء مُستهدفات من هذا الآخر الذي يسعى إلى إضعاف الأمة الإسلامية، وأن مكان المرأة هو خدمة زوجها.

البحث في ظاهرة التطرف النسوي، وتشبُّع النساء بالفكر المتشدد، يجعل الباحث أمام عائق ندرة الدراسات والأبحاث، أو اختزال البعض للمرأة في كونها ضحية زوجها المتطرف.

فتيحة المجاطي، المعروفة بـ”أم آدم”، من أبرز الشخصيات وأكثرها شعبية في تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”؛ وهي أرملة عضو تنظيم القاعدة كريم المجاطي، الذي قُتل على يديْ الأمن السعودي عام 2005.

تُعرف بالمرأة الأشد قسوة داخل التنظيم، والمكلفة برئاسة دور “المضافة”؛ البيت المخصص لإيواء النساء العازبات والأرامل والمطلقات من نساء “داعش” في مدينة الرقة بسوريا.

فتيحة كانت شابة متشبعة بالفكر الغربي، خريجة جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، دفعة 1986، حاصلة على الإجازة في القانون الخاص باللغة الفرنسية، احتلت حينها المرتبة الأولى في دفعتها.


فتيحة المجاطي تقود الاحتجاجات لدعم معتقلي أحداث 16 مايو الإرهابية- مواقع التواصل الاجتماعي
بدأت حياتها بالتنقل بين عواصم الدول الغربية، متحررة تتحدث اللغات وتنفتح على الثقافات؛ لكن سرعان ما تغير مسارها من التحرر إلى التطرف والتشدد.

وانتقلت خريجة القانون الفرنسي إلى امرأة حاقدة على الثقافة الغربية، وتصف أمريكا بالدولة “الكافرة”، وتُناضل ضد سياستها التي تعتبر أنها تسعى لإضعاف العالم الإسلامي.

قدوة للجهاديات

عُدت إلى فيديوهات فتيحة المجاطي، قبل سفرها إلى سوريا، ولاحظت أن فتيحة تتمتع بكاريزما وحضور قوي، متحدثة قوية، كانت تتزعم الوقفات الاحتجاجية لدعم معتقلي الإرهاب “أحداث 16 مايو”، ويُردد خلفها الرجال والنساء الشعارات.

بدأت فتيحة رفقة زوجها كريم المجاطي في تنظيم “طالبان”؛ ما جعل منها قدوة للجهاديات المقاتلات في المغرب.

وحسب الفيديوهات التي نشرها تنظيم الدولة الإسلامية، كانت فتيحة تخضع لتدريبات شاقة؛ لتعلم السلاح وصناعة المتفجرات.

البحث عن البطولة

في عام 2014 وقبل الإعلان عن رحيلها إلى تنظيم داعش، كتبت فتيحة المجاطي في حسابها على “تويتر” بيعتها إلى أبي بكر البغدادي: “أجدد بيعتي أنا أمة الله فتيحة محمد الطاهر حسني، أم الشهيد آدم، للخليفة أمير المؤمنين إبراهيم عواد القريشي”.

ورغم حضور بعض المغربيات في الجماعات المتشددة؛ فإن الأبحاث والدراسات ما زالت قليلة جداً.


وفي عام 2016 فكَّكت عناصر المكتب المركزي للأبحاث القضائية “خليةً نسائية إرهابية” تضم 10 نساء؛ بينهن 7 قاصرات، ينحدرن من ثماني مدن مغربية.

وحسب المصالح الأمنية، فإن الخلية كانت تستعد لتنفيذ مشروع إرهابي يتصل بأجندة ‏تنظيم داعش، وأن العملية الأمنية أسفرت عن “حجز مواد كيماوية لدى إحدى المشتبه بهنّ، ويُشتبه في استعمالها ضمن صناعة المتفجرات، والعبوات الناسفة من أجل تنفيذ عمليات انتحارية ضد منشآت حيوية بالمملكة”.

وعن الأسباب التي تدفع النساء إلى التطرف، يُجيب محمد عبدالوهاب الرفيقي، الباحث المغربي والسلفي السابق، في حديثه إلى “كيوبوست”: “إن النساء جزء من المجتمع ومن الطبيعي أن يتأثرن بما يسري فيه من خطاب وعوامل”.

ويعتبر السلفي السابق أنه ليست هناك وصفة خاصة لمحاربة تطرف النساء، مشدداً على “أهمية الاهتمام بالمرأة؛ بسبب الأدوار المهمة التي تقوم بها في المجتمع كتربية الأطفال، وتمضيتها معهم وقتاً طويلاً أكثر من الأب”.